عارنا في غزة ما بعده عار

عارنا في غزة ما بعده عار
آخر تحديث:

بقلم: علي الكاش

العالم المتحضر يهتم بالحفاظ على حياة عدد من الحيوانات خشية الانقراض، ولكن هذا العالم المتحضر لا يأبه لقتل النساء والأطفال في غزة وجنوب لبنان؟ ألا تبا للحضارةّ من خلال نقد الفكر السياسي ـ حتى قبل أن نطرق أبوابه، والبحث في كنه هذا النقد ـ يستوجب ذاك فتح الملفات المهمة ذات العلاقة بالوضع الراهن، او استجلاء حدث سابق لم يتم تناوله بشكل دقيق، وتوضيح الحقيقة الناصعة للرأي العام، ونظن انه من السخف ان نتجاهل تلك الحقائق او نغض النظر عنها، لأنها تصطدم مع المفاهيم الأساسية للنظم السياسية الحالية، التي بُني معظمها على مفاهيم مغلوطة تخدم أجندة غير وطنية لأسباب عدة.

كتب الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر كتابا خطيرا بعد انهاء الاحتلال الفرنسي لبلد المليون شهيد، عنوانه (عارنا في الجزائر)، فعلا الاستعمار وما يفعله بالشعوب الواقعة تحت سيطرته عار ما بعده عار، سيما ان الاستعمار الفرنسي يتميز بمسخ الهوية الوطنية للبلد الذي يحتله بما في ذلك اللغة، وما تزال الجزائر والمغرب العربي يعانيان من مشكلة اللغة، عندما زرت المغرب تفاجأت بان معظم السكان يتكلموا اللغة الفرنسية، ويتعاملوا بها في حياتهم اليومية، والبعض لا يفهم من العربية الا القليل، وجميع يافطات المحلات ووجبات الطعام باللغة الفرنسية. الحقيقة لم افهم كيف يتحدث الناس ويتفاخروا بمعرفتهم لغة من احتل بلدهم وسرق مقدراتهم، واذاقهم شر الاستعمار؟

كان كتاب سارتر وثيقة مهمة عن جرائم الاحتلال الفرنسي، ويفترض ان يدرس في الجزائر ليعرف الشعب حقيقة ما جرى في بلدهم، سيما ان الأجيال الحالية لم تعش فترة الاستعمار الفرنسي لبلدهم، ربما تقتصر معرفتهم على التضحيات الجسيمة التي قدمها ابطالهم ومنهم الثائر عبد القادر الجزائري لينعموا بالأمن والسلام الحاليين.صحيح ان كتاب سارتر متوسط الحجم ولا يتناسب مع طبيعة الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ولا يمكن ان يلم بالكثير من المعلومات والوثائق في عهده، على اعتبار ان نشر الوثائق السرية يتم بعد 25 ـ 50 عام لإخفاء ملامح الجرائم، ويتناساها الناس. لكن ان يعترف فيلسوف بمستوى سارتر بعار بلده، فهذا ما لا يمكن تجاهله، ترجم الكتاب الى اللغة العربية مرة واحدة، ومن الصعب ان تجده في الأسواق، بل لا تجده حتى ضمن نشريات سارتر، فبعض كتبه مثل الوجود والعدم والمسرحيات وبقية الدراسات الأدبية والفلسفية طبعت عشرات المرات، لكن هذا الكتاب تم تجاهله على الرغم من أهميته، واللبيب يمكن ان يفهم السبب وراء ذاك.

على الرغم من ان الاستعمار واحد مهما تعددت اشكاله واساليبه، لكن الاستعمار الصهيوني لا يقل بشاعة عن الاستعمار الفرنسي، بل زاده اضعافا في جرائمه وانتهاكاته وحشيته، لأن الدول العربية في الوقت التي ساعدت ابطال الجزائر في التحرر من اغلال الاستعمار الفرنسي، وقفت متفرجة على الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني عموما، وفي غزة قلعة الصمود والجهاد، كل ارض يجود أبنائها بدمائهم للتحرر من قوى الشر والظلام هي مقدسة، الانبار التي قارعت الاستعمار الأمريكي (معارك الفلوجة) مقدسة، وكابل مقدسة عندما هزمت الاحتلال الأمريكي وجعلته ينسحب وهو يجر ذيوله الذليلة.

من جهة ثانية، كل الشعوب التي رضيت بالاستعمار او تعاونت معه او تهاونت في تحرير بلدها منه هي شعوب ذليلة، ولا تستحق الحياة ولا الاحترام، من يرضى بالاستعباد، ولا يدافع عن البلاد، هو من أذل وأخزى العباد، وسيكتب التأريخ سيرته بماء المستنقعات الآسنة. والشعب القادر على العطاء والمعونة ومساعدة الشعوب المنكوبة والمبتلية بالاستعمار، ويقف متفرجا على قتل العباد وسبي البلاد، فهو شريك بالجريمة، فما بالك والقاتل يهودي، والمقتول مسلم؟ قال تعالى في سورة المائدة/82″ لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ”. روى أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال” ما خلا يهودي بمسلم إلا همَّ بقتله”. (الدر المنثور للسيوطي)، رغم ان البعض ضعفه وآخرين اعتبروه حديثا غريبا، لكن اثبتت الأيام والوقائع الماضية والحالية صحته، والشاهد جرائم الكيان الصهيوني في غزة ولبنان.

ربما يتساءل البعض ما علاقة كتاب سارتر بغزة؟

الحقيقة مرة بل أمرٌ من العلقم، وقد تكون أحيانا اغرب من الخيال، صحيح لا حدود للجُبن، ولكن يمكن ان نقول انه وصل الى اعلى سقوفه في معركة طوفان الاقصى، فالموقف العربي من طوفان الأقصى أغرب من الخيال، هناك من يدعم الصهاينة مثل الامارات العربية، وهناك من يدخل تحالف ضد الحوثيين، وهناك رجال دين هم اقرب للشيطان من الرحمن يمنعوا التظاهرات لنصرة غزة، وهناك من يدخل المساعدات الى غزة وهو يمسك بقطارة، وهناك في الضفة الغربية من يمسك العصا من النصف، مع ان اقاربه ومواطنيه يعيشون في غزة، نحن بالتأكيد لا نؤيد مواقف الحوثيين وموقف قادة حماس من ايران التي عبر عنها إسماعيل هنية بقوله “الجنرال سليماني شهيد القدس.. شهيد القدس.. شهيد القدس”، مع ان فيلق سليماني تخلى عن القدس بصلافة تتناسب وعنجهيته، ولا نؤيد الاخوان المسلمين المتواطئين مع الولي الفقيه في ايران، ولكننا نتضامن مع ابطال غزة لأنهم يدافعوا عن وطنهم ضد الاحتلال الصهيوني، ولا يمكن ان نبخس نضالهم الوطني لتحرير ارضهم من دنس الطغاة، مهما اختلفت الرؤى، لا بد ان نضع جميع مواقفنا في ضفة، ونعمل بالضفة الأخرى وهي تأييد الغزاويين في طوفانهم المقدس، عندما تسير القوى الوطنية في طريق التحرير، لابد من إزالة الحواجز وتوحيد المواقف تجاه قضيتهم.

عندما تقرأ هذا الخبر، وتجد ان من قام بها ليس بعربي او مسلم، سيتبادر الى ذهنك أي خزي وعار لحق بالعرب والمسلمين، عندما يقف أجانب لدعم أهل غزة، ويقف الحكام العرب وشعوبهم والدول الإسلامية مكتوفة الأيدي إزاء جرائم الإبادة البشرية التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني، لا عتب على محور المقاومة فقد أعلن افلاسه جهارا وتبين انه مُخترق طولا وعرضا، ولا يمكن ان نطالبه بدفع مستحقات الشعارات التي كان يكررها على مسامعنا حول تحرير القدس، ولا عتب على فيلق القدس الذي ترك أبناء القدس يقتلون أمام عينيه، وهو يقتل بالشعب العربي في العراق وسوريا واليمن، ويًغض النظر عن جرائم الصهاينة، وقعت ورقة التين من عورة محور الدجل بكل صنوفه، وسقطت شعاراته تحت الأحذية المتهرئة، وبان معدن الولي الفقيه الصدأ وذيوله.

رفع المحامي الفرنسي (جيل دوفير) دعوى لدى المحكمة الجنائية الدولية عن جرائم جيش الاحتلال الصهيوني في غزة، وقال ” ان جرائم اسرائيل موثقة وأصبحت ملفات ادانتها امام المحكمة الجنائية الدولية سهلة جدا ولا تتطلب الا تقديم الطلب فهي تبث امام اعين العالم وشاشات التلفونات الذكية والقنوات التلفزيونية. ليس ذلك فحسب بل انه يتوجب رفع شكوى امام محكمة العدل الدولية ضد نتانياهو كما فعلت جمهورية جنوب افريقيا للاقتصاص من المجرمين الذين يفلتون في كل مرة من المحاسبة والعقاب”.أقول: هل سينبري لنا كاتب صهيوني او اوربي او امريكي شهير بمستوى سارتر ليكتب لنا كتابا بعنوان (عارنا في غزة) او شاعر همام يكتب لنا قصيدة بمستوى (القدس عروس عروبتنا)؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *