قُدر للعالم العربي أن يقع بين دولتيْ حرب. السلام بالنسبة إليهما لا يعني مطلقا تمتع الآخرين بسلام وأمن ثابتين، بل هو سلامهما المرفق بشروط لا يمكن لدولة تتمتع بسيادة غير منقوصة أن تقبل بها.إيران وإسرائيل دولتان، الحرب أقرب إليهما من السلام. دولتان طبعتا كراهية جيرانهما إلى الحد الذي أصبحت فيه تلك الكراهية تقليدا تراثيا. وفي ذلك قدر هائل من العنصرية. تعادي إيران جيرانها بسبب عقد تاريخية خاصة بها، جاء نظام الملالي ليضفي عليها طابعا طائفيا. أما إسرائيل فلأنها كيان أُقيم على أساس اغتصاب أرض شعب آخر فإنها تغطي على خوفها من تلك الحقيقة على الاستمرار بالتلويح بالقوة واستعمالها بإفراط.
وبغض النظر عن لجوء بعض الأطراف العربية إلى إظهار نوايا حسنة صادقة من أجل تصفير المشكلات في منطقة تعبت شعوبها من الحروب فإن الدولتين لم تتخليا عن سياساتهما العدوانية التي تفقد الطرف الآخر، وهو هنا لسوء الحظ عربي، كل وسيلة للوصول إلى حل وسط. ما من حل بديل يرضيهما سوى خضوع الآخر واستسلامه.هل سيتمكن العرب من ترويض دولتي الحرب اللتين لا تنظران إلى المنطقة إلا بعيني التشاؤم؟ لا بد أن يكون مستقبل المنطقة متفائلا بعينين عربيتين
وليس العداء المعلن بين الدولتين سوى واجهة لتعاون مستتر. إيران تعادي إسرائيل التي تفعل الشيء نفسه. وكما يبدو فإن الإثنتين متفقتان على حدود حمراء، تخترقها إيران بين حين وآخر في سوريا أو في لبنان وهما الدولتان الجارتان لإسرائيل فتتلقى العقاب المناسب، وهو عقاب محدود لا يؤثر على الهيمنة الإيرانية في مناطق نفوذها.
يخطئ البعض حين يعقد مقارنة بين الطرفين بحثا لجواب على سؤال من نوع “أيهما أكثر خطورة على العالم العربي، إيران أم إسرائيل؟”، لا الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل يمكنه أن يثبت أن واحدة منهما أقل خطرا من الثانية. فإذا كانت إيران قد تسللت إلى العالم العربي في إطار حملة أميركية لتدميره وإفساد هناءة العيش فيه فإن إسرائيل تستند في حروب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين على حائط أميركي لن ينهدم بها مهما فعلت.
ولأن العقل السياسي الأميركي أغبى من أن يستوعب خطر السلوك الاستعماري على قدرته على إدارة ما يُسمى بالزمن الأميركي فإن الولايات المتحدة ماضية في دعم الدولتين وحمايتهما من أية عقوبات أو ملاحقة دولية، بل وتلطيف الأجواء أمامهما بما يساعدهما على القفز على القانون الدولي. أما كذبة العداء المتبادل بين إيران والولايات المتحدة فيمكن العثور على ما يفضحها بيسر في العراق. لقد تعاون الطرفان على أن يبقى العراق في الدرك الأسفل ويقيد بما يجعله غير قادر على العيش إن استغنى عن خدماتهما. فالمال العراقي موقوف في نيويورك وغذاء العراقيين يجب أن يأتي من إيران.
ولكن العراق كان قد وضع تحت الهيمنة الإيرانية برعاية أميركية. كل الميليشيات الموالية لإيران التي تعمل في العراق وصارت لها اليد العليا في الدولة قد سُمح لها بالعمل يوم كان الاحتلال الأميركي قائما بشكل رسمي. أما حكاية المقاومة الإسلامية فهي عبارة عن لعبة إعلامية، تقوم على الدعاية التي تسرق الأنظار بعيدا عن رؤية الحقيقة. فها هي إسرائيل تفعل في غزة ما تشاء وفي المقابل اكتفت إيران بوضع عربها في مواجهتها. وهي مواجهة معروفة النتائج.
ما يهم إسرائيل بالدرجة الأساس ألا تقوم دول حديثة من حولها لتبقى وحدها الدولة التي بُنيت وفق الأسس الأوروبية المتعارف عليها،ما يهم إسرائيل بالدرجة الأساس ألا تقوم دول حديثة من حولها لتبقى وحدها الدولة التي بُنيت وفق الأسس الأوروبية المتعارف عليها. ما يهمها أيضا أن تفتك الميليشيات بحياة المجتمعات العربية لتدفع بها إلى هاوية التخلف كي تظل هي الدولة التي يعيش مجتمعها في مستوى تعليمي ممتاز. كما يسرها أن تعمل تلك المجتمعات على تدمير نفسها بنفسها من خلال اشتباكها بالمرويات التاريخية التي لا قيمة لها على مستوى بناء الحياة المعاصرة.
كل ذلك فعلته إيران وهي بطريقة أو بأخرى تخدم إسرائيل. ولا أحد في إمكانه أن يؤكد أو ينفي العلاقة بين الطرفين. ولكن العدو الواحد يمكن أن يسهل العثور على المعادلة. لا يمكن لإيران إلا أن تكون عدوة للعرب، ذلك هو قدرها الذي صنعته عقدها التاريخية، ولا يمكن لإسرائيل أن تحب العرب وهي تجد في قتلهم دعامة لبقاء دولتها التي صُنعت من حادثة اغتصاب أرضهم.هل سيتمكن العرب من ترويض دولتي الحرب اللتين لا تنظران إلى المنطقة إلا بعيني التشاؤم؟ لا بد أن يكون مستقبل المنطقة متفائلا بعينين عربيتين. ذلك ما يحتاج إلى إرادة وطنية عربية وهي من وجهة نظري قادرة على هزيمة المشروع الإيراني – الإسرائيلي. وهو الحلم الأميركي في المنطقة.