نهر عراقي الهوية عربي الأصل, من أبويين عربيين هما دجلة والفرات, ولد منذ قرون في (القرنة) تحت ظلال شجرة سيدنا آدم, فاقترن اسمه في فردوس الأهوار بجذور هذه الأرض المقدسة, واحتضن أقدم موانئ الكون, منذ اليوم الذي امتطى فيه السومريون سفن البردي, ومنذ اليوم الذي بُنيت فيه أكبر وأقدم وأجمل سفن الأنبياء والرسل في الأحواض الرافدينية الواسعة, لكنه فقد اسمه العربي, وهويته العراقية, وسيفقد مستقبله كله في خضم هذا الإهمال المركب, الذي اشتركت فيه المؤسسات المهنية والإدارية والتشريعية والسياسية والسيادية, فتغير اسمه من شط العرب إلى (أرفند رود) في الخرائط العالمية, من دون أن ينتفض أحد, على الرغم من صيحاتنا المدوية, وكتاباتنا الجريئة, ونداءاتنا المتواصلة.
لقد تغير مجراه بمعاول التعرية, وتعثرت مساراته بعوامل الترسيب, وأصيبت شرايينه بكولسترول الأطيان, وأصبح من أكبر مستودعات النفايات والملوثات, وانخفض منسوبه المائي, وارتفعت ملوحيته, وتراكمت في أعماقه السفن والزوارق الغارقة, وماتت نخيله كلها من المنبع إلى المصب.
من فيكم يصدق أن هذا النهر فقد اسمه في خرائط منظومات البحث في الأقمار الصناعية, وفي برامج (الجوجل أيرث), وفي منظومات التعريف الآلي للسفن التجارية المبحرة في حوض الخليج العربي ؟.
هذا نهر النيل, أطول وأغزر أنهار كوكب الأرض, يمر بنحو (11) دولة أفريقية, هي الكونغو الديمقراطية, وكينيا, وبوروندي, وأوغندا, وتنزانيا, ورواندا, وإثيوبيا, وجنوب السودان, والسودان, ومصر, ولم يتغير اسمه على الرغم من طوله, الذي بلغ (6650) كم.
وهذا نهر الأمازون ثاني أكبر أنهار العالم, من حيث الطول والعمق والغزارة, ومن حيث معدلات التدفق, يمر بست دول أمريكية, هي: بيرو, وكولومبيا, وبوليفيا, وفنزويلا, والإكوادور, والبرازيل, ولم يتغير أسمه.
وهذا نهر الدانوب, أطول أنهار الاتحاد الأوربي, وثاني أطول نهر في القارة العجوز بعد (الفولجا), يجري في ألمانيا, والنمسا, وسلوفاكيا, والمجر, وكرواتيا, وصربيا, وبلغاريا, ومولدوفا, وأوكرانيا, ورومانيا, وتطل عليه أربع عواصم, هي: فينا, وبودابست, وبلغراد, وبراتيسلافا, لكن أسمه لم يتغير, على الرغم من تغير اللغات والهويات والتوجهات.
وهذا نهر الراين الذي أحتل مكانة كبيرة في التاريخ الأوربي بوجه عام, والألماني بوجه خاص, لأنه النهر الذي كان يرسم الحدود الفاصلة بين الإمبراطورية الرومانية وقبائل الجرمان, ويمر الآن بسويسرا, وألمانيا, وفرنسا, وهولندا, لكنه لم يغير أسمه, ولم يفقد ملامحه, باستثناء شط العرب الذي تغير اسمه في المقطع المحصور بين رأس البيشة وأم الرصاص, وصار في ليلة وضحاها (أرفند رود) في الخرائط الملاحية والجغرافية وعلى شبكات البحث في الانترنت, من دون أن يعترض أحد, ومن دون أن يحتج أحد, ومن دون أن يمتعض أحد.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين