آخر تحديث:
يتابع الناس بقلق، ولكن بتعجب أيضاً المحاولات الحثيثة التي تبذلها جهات عديدة بصدد الشأن السوري الذي يتحول من لغز غامض، إلى لوحة تراجيدية تختلط فيها الأدوار والألوان، فتنتج عنها صورة سوف تتضح أبعادها في المرحلة المقبلة أكثر فأكثر. لا مراء، فقد تحولت الثورة بفضل غباء ووحشية النظام العائلي إلى مؤسسة الذي يواصل خسارة النقاط في السجال، مقابل ذكاء الشعب الذي يتمكن من تطوير ثورته رغم القمع الذي لم يشهد له التاريخ بكل جدارة مثيلاً.
ها هو النظام يواجه الثورة الشعبية بخفة مدهشة، وهو وحده يتحمل مسؤولية تطورها إلى نقطة اللاعودة. لا أحد يقاتل ويموت مجاناً، لا أحد يريد تقويض منجزاته الشخصية والعامة دون باعث قوي يستحق التضحية بها. فالحكم الأسدي العائلي يهين نفسه وشعبه عندما يضع كل ما يجري على شماعة تركيا وقطر. أبعد عقود طويلة من الحكم الأمني والمخابراتي الحديدي يسهل اختراقكم بهذه الدرجة الضخمة من قطر وتركيا ؟. ربما تتعاطف قطر مع الثورة، ربما تسهل تركيا بعض من أمورها، ولكن لا أحد يستطيع أن يرتب ما يجري ما لم تكن الثورة قد استكملت مستحقاتها ودون أن يبلغ عمود التراكم ذروته القصوى، شعب ينخرط بأسره اليوم في الثورة بدرجات متفاوتة: مقاتل، متظاهر، مساند، مؤيد، ولكن لا أحد مع النظام إلا هؤلاء الذين تولى تربيتهم ليكونوا كلاب مهارشة، وقتلة محترفين يقتلون أبنا شعبهم بأجور، في (نظام) لا يتوفر على أي قدر من القواعد القانونية والأخلاقية لعمل دولة محترمة.
الحكم العائلي ما زال رغم الكثير من الأدلة المادية والقانونية على إفلاس مبدأ وراثة الحكم الذي لم يتشرعن إلا من خلال الأمن والمخابرات والقمع لا غير، والاستفتاءات القائمة على مبدأ 99،9،9%. وهكذا تجد أسرة تمتلك حزباً يحكم زوراً بأسم الدستور، وبرلمان وظيفته أن يصفق للرئيس المعجزة، وواجهات لا شأن لها إلا موالاة الحكم وشعب يجلد بالمحاكم العسكرية ونظام الطوارئ لنصف قرن تقريباً، هذه نظرية سقطت شر سقطة في الثورة الشاملة وستبقى عاراً يلاحق من ساهم بها وبإخراجها، ومن روج لها، وسيتمنى هؤلاء الذين رفعوا أياديهم بالموافقة يوم وافقوا في القيادة القومية والقطرية والوزراء بجلب بشار الأسد من بيته وتعينه رئيساً للجمهورية خلافاً للدستور، وأميناً عاماً للحزب خلافاً للنظام الداخلي للحزب سيتمنون لو ماتوا ميتة شريفة قبل ذلك اليوم، وكان يوماً مشؤوماً أسوداً في تاريخ الدولة السورية والحزب، بل في مسيرتهم الشخصية والسياسية، فوافقوا أن يكونوا شهود زور في حفلة وضيعة يا لبؤس من قبل بها ووضع بصمته عليها، وشارك بها إما خوفاً أو طمعاً بمكاسب مالية. واليوم يتحدث مهرج النظام بلا حياء عن شرعية صناديق الاقتراع وعن دولة مؤسسات، وهو خير من يعلم أن ليست هناك دولة ولا حتى بأدنى المقاييس، وهذا (النظام) الشكلي يتقشر ويفقد مقوماته كل يوم، ولكن المهرجين، أو ما تبقى منهم يحاولون أن يلعبوا أدوار إضافية في محاولة لأستغباء المستمعين والمشاهدين، وقد حجز لنفسه مقعداً في آخر عربة بقطار الهزيمة الكبرى.
الحكم العائلي يتمترس وراء الطائفية لعله يزج بقدر معين مهما بلغ حجمه في معركته الخاسرة بالاستخلاف، وبالطبع لا دخل لطائفة الرئيس بجرائم الحكم العائلي، فالأمر عائلي محض. الحزب قد أختطف من زمن بعيد، الطائفة مختطفة تحت الترهيب والترغيب وسيقت إلى قطار العائلة، الحكم العائلي يتمترس وراء العلمانية ليكسب أصوات أخرى، يتذرع بالقاعدة ليتسول أصوات أمريكية وغربية، ويمنح الروس إشارة الأمل التي فقدها في الشرق الأوسط، يتملق إسرائيل بموقف (ممانعة) لا يعني في الواقع سوى حماية حدود العدو / الحبيب، ويمنح حكم الملالي الفرس المقر والممر لإيذاء العرب والمسلمين.
نشهد نحن وكل المراقبين أن لا سقف للحكم العائلي، في المرونة والقفز فوق الشعارات والمبادئ، هو نظام يريد مواصلة الحكم من أجل نظرية تتلخص بتحويل سوريا بأسرها إلى بستان يتوارثه بكل ما يعنية الوراثة من معان الإقطاع القديم، يمتلك فيه الإقطاعي الأرض ورقاب الناس، على طريقة إقطاع الكولاك الروسي القديم، وربما هذا هو سر فهم أو تفهم الروس للحكم الإقطاعي الأسدي، في عالم انحدرت فيه القيم الأخلاقية والقانونية إلى أقصى منحدر، وصار الجميع براغماتيون أكثر من ملوك البرغماتية، فلم يعد أحد يسأل عن قيم دينية أو وضعية ولا حتى قانونية.
عندما يتعلق الأمر ضد المسلمين والعرب يتحد جميع الخصوم والأضداد، فقد توافق الاتحاد السوفيتي الستاليني مع الغرب الإمبريالي في تمزيق فلسطين، ومتفقان بل تناوبا على قتل المسلمين الأفغان، وأيد الروس والسوفيت تحطيم العراق، وسلموهم أهم خرائط الدفاعات العراقية وشفرة الأسلحة الدفاعية المضادة، وها هم اليوم يتفقون على قتل الشعب السوري، مع أنهم يعلمون علم اليقين درجة انحطاط الحكم العائلي الأسدي، فقد سمعنا وشاهدنا ملئ الأذن والعين الرئيس بوتين يقول حرفياً: نحن نعلم جيداً ما يجري في سوريا، فهذا نظام عائلي يحكم سورية منذ أكثر من أربعين عاماً. إذن فهم يعلمون ظاهر الأمر وباطنه، ترى ماذا سيقولون غداً للشعب السوري، بل للعرب والمسلمين ؟
ولكن من يهتم بكل هذا، والعداء للعرب والإسلام قد بلغ مدى غير مسبوق لحد الآن، بل قد أصبح الشغل الشاغل لحكومات عظمى عديدة، ولشركات الإنتاج السينمائي، بل وزجوا حتى بالفن والإعلان والعلاقات العامة، وكل من له ناب وظفر. وبشار أدرك بغريزة من يدرك أن الرحيل قد أزف، وأن مهربه هو في نزع كل ما يلتصق بجلده من مكونات سورية وعربية، لتستمر العائلة تحكم إمارة تابعة تحت نفوذ الكل، وليكتفي هو بلقب …….
بشار الأسد ولد عام 1966 وكان والده عضو القيادتين القطرية والقومية، ووزيراً للدفاع، وعندما حكم أبوه البلاد عام 1970 لم يكن عمره يتجاوز الأربعة سنين، فهو إذن لا يتذكر شيئاً إلا هو طفل مستبد أبن رئيس طاغية، لذلك هو يرى من الطبيعي أن يرث البلاد كما يرث ضيعة أو قرية في نظام عبودي.
اليوم بعد بدأت قبضة الشعب تطرق أبواب السجن الكبير، بل أن صدى الطرق قد بلغ جنبات العالم اليقظ والنائم والمتناوم، اليوم وبعد أن تجاوز عدد اللاجئين السوريين خلال الثورة في ثلاث بلدان فقط النصف مليون لاجئ، عدا النازحين داخل البلاد، عدا مئات ألوف المعتقلين، عدا حوالي 70 ألف شهيد، وأضعافهم من الجرحى والمعاقين، وأرتال من الأرامل واليتامى والمغتصبات من النساء، كل هذا والرئيس الجاهل السادر في غيه يريد أن يترشح لرئاسة ثالثة، وعندما يبلغ صوت الرصاص مسامعه يطلب السفر إلى فنزويلا ومعه 142 من أهله وأنصاره، إي بني آدم هذا ……. ؟
أترى يمتلك الوجه بعد ليتحدث ويتمضحك بعد كطفل مدلل ساذج، لا أريد أن أقول أكثر ….؟
أم ترى أن لسان حاله يقول: سأهدم الهيكل على رؤوس ساكنيه، إما كلها لي أو: علي وعلى أعدائي يا رب.
عندما كنا أطفالاً، ويأتي أحدهم للعب متأخراً، يقول مازحاً باللهجة العراقية:
لو لاعوب لو خاروب
أي أما ألعب معكم أو أخرب اللعبة.