المغالطة المنطقية نوع من التحايل وتزوير وجهة نظر الطرف الآخر بطرق خفية،ومن خلال تجربة واسعة في الحوار توصلنا إلى مجموعة من الحيل أو المغالطات المنطقية التي يمارسها البعض ليس بدافع الحوار وتراكم المعرفة بل لاحراج الخصم او استعراض الذات،أو إظهارالآخر عكس حقيقته .في هذا المقال تم الرجوع الى مصادر منوعة تحدد مفهوم المغالطة المنطقية logical fallacies من مراجع مختلفة علماً أن أنواع المغالطات المنطقية شائع في علم النفس والاجتماع مما يصعب تثبيت مصدراً،ومن حق القارئ التوسع في البحث في هذا الموضوع الحيوي.هنا أهم المغالطات:
1 : مغالطة التخوين:
يحدث أحياناً أن تتحدث أنت عن ضرورة الاهتمام بالصحة والتعليم وتخصيص موازنة مالية كبيرة لذلك،لكن سيظهر لك قارئ ليقول لك بوقاحة مبطنة:وماذا عن الجيش والوطن والكرامة،الشرف أهم من كل شيء؟وهو ما لم تقصده أبداً.وضعك في نوع من التحايل المنطقي في خانة الخائن أو الغبي لكي يستعرض وطنية زائفة.أو بدل مناقشة النص يتم الهجوم على الشخص للهروب من عجز معرفي بالتحايل وخلق قضية خارج الموضوع وهو إهانة للقارئ لان الخداع لا يسيء للكاتب فحسب .
2: التعليل الخاطئ:
قد نتحدث يوماً عن موضوع يتعلق بالارهاب،ونقول إن الارهاب والفساد مترابطان،فلا تستغرب أن يظهر فجأة قارئ قناص مختفي،لكنه يظهر فجأة لشرشحتك فقط ويقول:إذا كان الارهاب مقترنا بالفساد،فأنت تدافع عن الاحتلال الأمريكي الذي لا تذكره مع ان صوتك بح قبل وخلال الاحتلال في التحذير منه .
3: مغالطة المغالطات:
في واحدة من المرات قلت إن المأزق العراقي هو فكري في الجوهر،والسياسة مظهر خادع لظهور المأزق،وبلا قطيعة معرفية مع الماضي لن نتحرك نحو المستقبل.لكن فجأة ظهر لي قارئ يسمى اللصقة لأنه سيلصق بك في سلسلة تعليقات تكرر وجهة النظر نفسها وهو نوع من الإكراه والعنف اللغوي للتسليم بوجهة نظره ويقول:إذا كنت تريد القطيعة المعرفية مع الماضي،فهذا يعني أنك تريد التخلي عن التاريخ والتراث والدين والهوية والذاكرة،وهي مغالطة شنيعة لأن القطيعة المعرفية لا تعني ذلك كما يحاول اللصقة استغلال وعي الجمهور،بل تعني التصفية من الشوائب والحفاظ على الجانب الحي.
4: الانزلاق بالنتائج:
حاولت مرة أن أعطي مثلاً عن النظم الليبرالية وكيف يمكن للانسان أن يكون مسؤولاً وحراً ويمتلك الحق في الإختيار والمصير،فانبثق فجأة قارئ يسمى الدبابة ليسحق كل شيء في تعليق صاخب بالمدفعية الثقيلة للاثارة والتهريج والغوغأة لا أكثر، يقول:وماذا أبقيت يا أخي من قيم وأخلاق لأن هذا سيؤدي للاباحية؟الهدف وضعك في مواجهة مفتعلة للإخزاء.
5: الشخصنة:
وهي الأكثر شيوعاً في الحوارات.بدل التركيز على النص يجري التركيز على الشخص.في واحدة من المرات كنت أتحدث عن تجربة المنفى وكيف ترك آثاره على المنفيين وهو حقل انشغل به كبار المفكرين من أدوارد سعيد إلى تودوروف لكن إنبثق لي قارئ يسمى الفأر لأنه يختفي تحت الإبط، وبلغة مقعرة متحذلقة ونوع من التمسرح للظهور بمظهر المتسامي يقول:من الأفضل نسيان هؤلاء وعدم الانشغال بهم.كما لو أن هؤلاء مشكلة شخصية وهم في مركز اهتمام مراكز الأبحاث وعيادات الطب النفسي والصحافة وظاهرة عالمية.
6: النقد بالنقد:
أحيانا تلجأ الى نقد أحد الشخصيات السياسية أو الأحزاب،وبدل أن يتمحور النقاش حول الموضوع يقفز لك القارئ الأرنب فيقول بثقة المتغطرس:لماذا تنتقد هذا المكون الطائفي دون غيره؟ وغالباً ما يندفع كثيرون في هذا الاتجاه ويضيع الموضوع الأصلي وهو أمر لم يخطر لك على بال.
7: الإحتماء بالجماعة:
مرة كنت في حوار عام في صفحة تواصل ودخل قارئ بالمدافع الثقيلة لم يحارب او يسجن او يشرد او يعاني ومتقمص قضية كمعطف وهي الموضة السائدة وقضى حياته مرفها وكاتب خواطر انشائية باهتة لم تلفت انتباه احد،بلا أية معاناة ومشقة ولا عمق بل حذلقة وتقعر،عندما قال ونحن نخوض في موضوع سياسي عام :” أنت تختلف مع الجميع والجميع يعرف”طبعاً كلمة” مختلف” في عقلية الغوغاء والقطيع مرادفة للمرض والسوء لان الأصل التطابق والنسخ ولان التشابه اقدم من الاختلاف،والخروج من” الجماعة” كالخروج من الحقيقة.ما هي المشكلة لو كنت مختلفاً؟وكيف وفي أي إستفتاء أو استفساء عرف أن” الجميع” يعرفون ذلك؟ كما ان اللجوء الى رأي” الجميع” لم ولن يكون حجة على الصواب والخطأ.المرحوم علي الوردي سبق أن كتب عن عاهة” الجميع “،وقال إن العراقي يختزل المجتمع بحفنة حثالات من محيطه القريب. أطلق عليها: عقلية الخفة.
8: التحجج بالمصدر:
يحدث كثيراً أن تتحاور مع شخص وعندما تفرغ جعبته من الحجج، يقول :لكن الله قال كذا؟ لماذا تخالف شرع الله؟ وضعك في مواجهة زائفة بكل وقاحة .
9 : خيار الحنديرة:
لمن لا يعرف الحنديرة هي الغطاء الجلدي الذي يوضع على عيون الخيل لكي لا ترى غير الأمام.هنا خيار إما الأبيض أو الأسود:تطالب انهاء القواعد العسكرية الامريكية الـــــ 12 قاعدة في طول وعرض البلاد لكن يقفز سنجاب سياسي من علبة نفتالين يقول:“أنت تريد خروج الأمريكان لكي تبقى إيران؟”،مع أن هناك خيارات كثيرة وانت تريد خروج الاثنين ومعهم نصف مخابرات العالم وجيوشه وقواته الخاصة في تلك القواعد وعشرات المكاتب الاستخباراتية بعنوان منظمات إنسانية وخدمية بل لدعم الديمقراطية.
10: الإنتقائية:
قد تتحدث عن مساوئ التبعية للدول الكبرى أو أي تبعية،فيظهر لك قارئ أقرب الى النصاب والسفيه فيقول لك:هل تعرف دبي وأبوظبي؟ هل رأيت القصور والفنادق والأبراج؟إختزل كل شيء بالمظاهر الخارجية وهو لا يعرف أن هذه الحداثة السطحية، بلا محتوى فكري عميق، مهددة بالسقوط يوماً، لأن العقل البدوي هو المهيمن في عمارة اسمنت بدل الخيمة، وهناك فارق بين التحديث الإداري المشترى والحداثة الثقافية الغائبة.
11: السخرية:
السخرية من وجهة نظر الخصم مهما كانت سلوك حقير،وهو سلوك صبياني مبرقع كوجهة نظر، لأن الآخر مهما كان رأيه، فهو يعرضه بشكل مسالم،لكن السخرية من وجهة نظر الخصم تعكس ضحالة الثقافة السياسية،ودليل عجز معرفي،والمعرفة تتراكم بالاختلاف لا بالتطابق،بالحوار المهذب لا بلغة حانات رخيصة.مثال ذلك قد تقول إن النظام السياسي يخشى من أن يتربى أطفال المدارس كراهية النظام السياسي، فيخرج لك صاحب ثقافة سياسية باهتة شعاراتية ليقول:وهل النظام لن ينام اذا كره الاطفال السلطة؟هكذا تم انتقاء واختزال النظام السياسي ومحو صورة ضخمة لنظام مركب ومتشعب بعشرات الرؤوس.
12 : مغالطة التعميم ، قد تتحدث في حوار أو مقال عن ضرورة رفع النفايات لاضرارها الصحية المميتة لكن يخرج لك قارئ كما لو انه مسك السبع من ذيله ليقول:” انت تتجاهل كل ما يجري في البلاد من كوارث وتركز على النفايات؟”لو حاولت القول إن النفايات جزء من هذه الكوارث التي لا تناقش في سطور، سيظهر لك بحجة جديدة ،و”كلما تنهيه من البول، يصبح زارب”.