عندما يتباكى الحاكم على الفقراء
سلمان عبد الله
قبل ايام فاجأ المالكي العراقيين بحديث قال فيه بأنه ضد الرواتب الكبيرة التي يتقاضاها (البعض ) وهو بالطبع واحدا منهم . وتساءل : الا يكفي نصف الخمسين مليون دينار شهريا ؟ وطالب ( البعض ) وهو واحد منهم بتخفيض رواتبهم لصالح الفقراء ! واستغرب الفجوة الواسعة بين رواتب العاملين في الرئاسات الثلاث وغيرهم من الموظفين العاملين في دوائر الدولة الاخرى !المالكي يستغرب هذا البون الشاسع بين موظف وموظف ، ويحث المنعمين بالرواتب العالية والمزايا الفريدة على معاونة اخوتهم بالتنازل عن جزء من رواتبهم وقليل من مزاياهم ! والمالكي لا يخفي عدم رضاه على هذا الحال المعوج ، وكذلك يستنكر استمراره ! ومع ان دولة رئيس الوزراء لم يفاجأ بهذا الوضع الذي تحدث عنه ، وانه شخصيا طرف في الوصول بالمواطنين الى حال من الفقر من جهة والغنى الفاحش من جهة اخرى . فالمطلوب منه وقد اكتشف كل ذلك بنفسه وبدون الاستعانة بمستشار فما عليه الا ان يعدًل المعوج . والامر بسيط ولا يحتاج الى الحسرات التي اظهرها وهو يتحدث عبر شاشات الفضائيات . فالقرار بيده ولا يوجد من يجرؤ على الاعتراض عليه فيما اذا تبرع بنصف راتبه ومخصصاته جميعها لصالح الموظفين الذين لايجدون مايشترون به حليب لأطفالهم بعد ان قطعت عنه وزارة التجارة هذه المادة الحيوية بذريعة عدم صلاحية المعروض منها في الاسواق العالمية ! وكذلك يستطيع المالكي ان يقدم مشروع قانون الى البرلمان يتضمن تخفيض رواتب العاملين في الرئاسات الثلاث من كبيرهم وحتى ادنى موظف الى النصف ! وعندها سوف لن يرتفع التصفيق في البرلمان – حتى وان كان على مضض – لهكذا قانون . وسيؤيده الجميع ، وسوف لن تعترض المحكمة الاتحادية عليه ، كما اعترضت على مشروع القانون الاخير بحجة ان القانون لم يرفع الى البرلمان من قبل رئاسة الوزراء .. وحتى يرفع من رئاسة الوزراء ستسقط هذه الحجة البائسة !لو اراد المالكي فعلا اقامة العدل بين مواطنيه ، فلن يقف احد معترضا عليه ، وان فعل ذلك احدهم فسترجمه الناس بما هو أسوأ من الحجارة !انتهينا من حديث المالكي وحسراته على صغار الموظفين ومشاركته لهم وجع معناتهم. ولنتابع حديث اخر ادلى به بعد يومين من حديثه الاول . قال المالكي مخاطبا المعنيات بالارامل والايتام قائلا بانه مستغرب ان تتلقى المرأة الارملة او المطلقة راتبا شهريا من الدولة قدره خمسين الف دينار ( ثم مؤخرا – اي قبل الحديث – رفعه الى مئة الف دينار ) ! وتساءل دولته : كيف تستطيع هذه السيدة وبهذا الراتب من اعالة اسرتها ؟ ثم قال بأن ابناء السيدات الارامل وكذلك ابناء المطلقات لا يحصل الواحد منهم الا على خمسة عشر دينار شهريا .. ثم تساءل : بالله عليكم كيف يستطيع هذا الطفل العيش بكرامة ؟اعتقد هنا ، بأن السيد المالكي ربما يستغل جهل البعض منا لتمرير هكذا احاديث وهو يريد منها ان تقتنع بانه حريص على توفير العيش الكريم للارامل والمطلقات واطفالهن .وبقناعة تامة اقول بأن السيد المالكي اما ان يستخف بذكائنا او انه ايدري ما يعانيه ابناء وطنه تحت حكمه ، وتلك مصيبة كبرى .فالذي نعرفه هو ان رواتب الارامل والمطلقات واطفالهن قد شرعت خلال سنوات حكمه ، ورفعت من مجلس الوزراء الى مجلس النواب وعليها توقيعه !وانه استعرضها قبل ان يوقع عليها .. فأين كانت هذه العواطف التي اظهرها امامنا عبر الفضائيات ؟ وهل يريدنا ان نصدق بأن احدا غيره يتحمل مسؤولية تحديدها ؟ثم ، وهذا المهم ، اذا كان لايدري انه من حدد رواتب الذين يتباكى عليهم اليوم ، فهو قادر الان على تصحيح الخطأ الجسيم هذا يرفع مشروع قانون الى مجلس النواب يحدد فيه راتب الارملة والمطلقة بخمسمائة الف دينار ورواتب كل ابن من ابناءهن بحدود مائتي الف دينار .. ولا اظن ان احدا من النواب سيعترض على مشروع القانون هذا ، وبهذا يكون المالكي قد انصف شريحة واسعة من العراقيين ، وابرأ ذمته في حال اعترض عليه مجلس النواب . وكفر عن عفلته السابقة يوم مرر قانون رواتب الارامل والمطلقات واطفالهن الذي الحق بهن وبهم حيفا وظلما كبيرين .والامر ، لايحتاج الى حسرات او زفرات ، او اظهار الحزن على الوجه ، بل يحتاج الصدق في القول والعمل.