لم يعد الغياب المزمن للرئيس جلال الطالباني المفارقة الوحيدة في العراق الرسمي، فهناك ” ثغرات” في فهم أساسيات السلوك الحكومي، بسبب تنوع القنوات و تكاثر المزايدات و المغالطات ، فالبلاد تفتقد القيادة المركزية القوية، مع عدد مفتوح من سياسيين يجتهدون في كل الأختصاصات، وكأنهم ” فطاحل” في تراكم التجربة، التي لم يلدوا من رحمها لحد اليوم.
يتحدثون عن عراق دمقراطي ويجهلون أنهم الأبعد عن مفاهيم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، بدليل أن المواطن لا يعرف شيئا عن صحة رئيسه الحالي، و كأنهم يتعمدون تغييب راي المواطنين الا في كيفية تجديد انتخابهم، أو لأن أسرار السلطة تزكم الأنوف،ويبدو أن الأحتمال الأخير هو الصحيح، و الا ما سبب عدم تقديم صورة حقيقة عما يجري خلف الكواليس، ولماذا يتقاتلون حتى على المزيد من الفشل؟ مثلما يحصل يوميا من مطالبات باقرار هذا المشروع و التفكير بأخر!!
اذ كان المسؤول هو الذي يطالب بتحسين الخدمات والتقليل من الضغوط النفسية عن المواطنين، والعمل على طي صفحة الماضي بشجاعة، والحد من رواتب الرئاسيات، ووو!!، فمن هو صاحب القرار في هذه الحالة!! أكيد أنهم يقترحون و يطالبون من أجل تسويف الحلول والمزايدات بين الكتل و الأفراد، لأن أصدار التشريعات هي من اختصاص السياسيين، الذين يمكن وصفهم ” بالأكثر ديكتاتورية في تارخ العراق “، حيث لم يسمعوا رأي الشعب في كل قراراتهم و توجهاتهم، لكنهم يرمون اليه بكل أمراضهم الطائفية وعقدهم الشخصية، التي تدفعهم الى التفكير بالمقلوب ، فيحنون الى القائمة المغلقة بعد أن حصدوا الرياح في المواجهة الماشرة مع الشعب!!
يثيرون جدلا في رواتب النواب و مخصصاتهم المفتوحة، و ينتقدون عدم توفير مفردات البطاقة التموينية وكأن ” حنفية” الوارادات ليست بين أيديهم ، أو أن أنبوب التصدير يشرف عليه المواطنين، أو لأن موارد البلاد لا تنهب في وضح النهار، وقانون العقوبات معطل بأمتياز، مقابل سياسة حذف مدروسة لمحطات مهمة في تاريخ العراق، فلا يجوز الابقاء على أي أثر من تجربة حكم أمتدت الى 37 سنة، بينما يديرون أغلب أمور البلاد بتشريعات صادرة في تلك المرحلة، وكأن البعض لا يخشى نفس المصير في مرحلة لاحقة، بينما الصحيح البناء على الايجابي و الأبتعادعن غيره، خاصة وأن الأنتماء الى العراق لم يكن يوما طائفيا على الاطلاق.
ولأن لكل تجربة سيئاتها و محاسنها، فقد حان وقت التسامح مع الذات و التقدم خطوة باتجاه الحلول العقلانية، وطي صفحة الماضي بعيدا عن أي انتقام شخصي أو حزبي، خاصة وأن الطائفة خرجت في التجربتين من المولد بلا حمص، و الشعب مغلوب على أمره بالأمس واليوم، فيتم اقحامه في مناورات حزبية، كانت بالأمس قومية ، واليوم عرقية و مذهبية والنتيجة واحدة .. تبديد خيرات العراق و قهر الأمل في النفوس وقوافل جديدة من الأبرياء.
ليس من المنطقي مطالبة المسؤول في العراق بكذا وكذا من اجراءات ، فلماذا هو موجود أذا، و لماذا يحظى بكل المميزات، بينما المتبقي من المنطق يقول ان هذا المسؤول هو صاحب اصدار القرارات التنفيذية العاجلة، بعيدا عن اجترار الحلول الترقيعية، والعمل مبدا خدمة الشعب لا تشويش الحقائق أمامه، على غرار ازالة معالم بغداد التاريخية نكاية بحقبة معينة، أو مجاملة لايران، أو التلويح بحرب طائفية في سوريا، التي حكمها حزب البعث الذي يعلنون الجهاد عليه في العراق!! و بالمناسبة فان مغالطة تعطيل القرارات بسبب خلافات النواب هي ” تغليس” اضافي فالحكومة قادرة على تنفيذ أغلب قرارات خدمة المواطن بلا اعتراض من أحد!!
كثيرة هي المغالطات في العراق، وكثيرة أكثر ردود الأفعال السلبية والقرارات العبثية، التي تمنع انتقاد المراحل التاريخية بسلة واحدة ، رغم الأقرار بالصيغة في الحكومة والبرلمان، فنحن نعيش في مرحلة لا وعي أو عقلانية منذ عام 1958 و لحد اليوم، لا تختلف في مضامينها المؤلمة عن مراهنة البعض على علاقات متميزة مع ايران في ظل التفصيل الحالي لصناعة القرار، و مع ذلك تاني هذه العلاقة من عسر هضم مزمن يقترب من البلعوم، ما يجعل من القراءة المتأنية للأحدا ث و المراحل ضرورة ملحة للغاية، كي يخرج العراق من سياسة خلط الأوراق و القتال نيابة عن الأخرين! و لكي يتسيد المشهد فيه اشخاص يقررون وينفذون لا يقترحون و يطالبون ، و يحملون غيرهم أسباب تفشي كل أنواع المجون، من السياسة الى الاقتصاد و الأجتماع والفنون!!
شاكر الجبوري
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”