يُعاني العراق منذ سنوات من عواصف ترابيّة ناتجة عن رياح قويّة تشلّ حركة الناس والحياة، وتُدخل مستشفيات الدولة ومرضى الجهاز التنفسيّ في حالة إنذار قصوى قد تصل إلى الوفاة.
وتتعرّض المحافظات المحاطة بالصحراء وفي مقدّمتها الأنبار المثنى والنجف وكربلاء وغيرها لعواصف ترابيّة كبيرة ومزعجة وقاتلة ومتجدّدة.
واتّفق خبراء البيئة على أنّ أهم أسباب تلك العواصف هو استمرار مخطّطات تجريف الغطاء الأخضر والتصحّر، وشحّة الأمطار وغياب خُطط إدارة المياه، وضمور الخُطط الإنقاذيّة، وكذلك التغيُّر المناخيّ وتحدّياته المتنامية!
وهنالك مَنْ يُرجع هذه الظاهرة للعمليّات العسكريّة التي خَلخَلت سطح التربة، والغطاء النباتيّ، وأيضا لعمليّات تجريف البساتين المرافقة لتلك العمليّات، والتي حوّلتها لأرض جرداء، فضلا عن مخطّطات تحويل الأراضي الزراعيّة الشاسعة لمناطق سكنيّة جديدة، وكذلك للسياسات الاقتصاديّة الخاطئة التي فتحت باب استيراد المحاصيل الزراعيّة بلا دراسات مسبّقة؛ ممّا دفع الكثير من أصحاب البساتين لهجر أراضيهم كونها لم تَعد مجزّيّة اقتصاديّا، هذه الأسباب وغيرها قادت لازدياد العواصف الترابيّة بحيث إنّ العراق عانى من عشر عواصف ترابيّة تقريبا خلال شهر نيسان/ أبريل 2022، وأشدّها عاصفة يوم الاثنين الماضي التي ضربت غالبيّة المدن واستمرّت لأكثر من 40 ساعة!
وتُشير إحصائيات غير رسميّة إلى تساقط ما بين 100 – 200 ألف طنّ من الغبار سنويّا على العراق، والذي حصد خلال العام الجاري أرواح ما لا يقلّ عن 15 شخصا، وأدخل عشرات آلاف المواطنين للمستشفيات لتلقّي الرعاية!
وسبق لمدير عامّ الدائرة الفنّيّة بوزارة البيئة أن حذّر من تزايد العواصف الرمليّة، وبالذات” بعد ارتفاع عدد الأيّام المُغبّرة إلى 272 يوما في السنة لفترة عقدين، مرجّحا وصولها إلى 300 يوم مُغبّر في السنة (عام 2050)”!
وهذه الحقائق أكّدتها الممثّلة الأممية جينين بلاسخارت أمام مجلس الأمن الدوليّ، الثلاثاء الماضي بقولها: ” إنّ التصحّر في العراق يُعدّ مصدر قلق رئيس”!
كارثة العواصف القاتلة لم تجد أيّ برامج حكوميّة جدّيّة لمواجهتها منذ أكثر من عشر سنوات، رغم ضررها الكبير على الإنسان والبيئة ومجمل مفاصل الحياة والاقتصاد!
وتلك البرامج ليست تعجيزية، ويمكن عبر حملات رسميّة وشعبيّة ترتيب مبادرة وطنيّة لتقوية الغطاء النباتيّ، ولتنمية الغابات والأشجار الكثيفة، لتكون كمصدّات طبيعيّة تقلّل من معدّلات عواصف الرمال وآثارها القاتلة!
وتتزامن هذه العواصف الترابيّة مع تنامي العواصف السياسيّة التي تضرب العراق منذ سبعة أشهر بسبب حالة الركود والخمول السياسيّ حول شَكل الحكومة المقبلة!
والجديد في المبادرة الصدريّة هي اعترافه بالفشل في تشكيل حكومة أغلبيّة، وتجديد دعوته لباقي الأطراف لتشكيل الحكومة خلال هذه المدّة، وإن لم تفلح فسيلجأ لقرار آخر لاحقا!
والأهم في موضوع مهلة الصدر الجديدة أنّه (غلّس) عن مبادرته للمستقلّين، والتي سبق وأن منحها لهم لتشكيل حكومة، وقد ذكرت في مقالي السابق (بصحيفة عربيّ 21 الغراء) أنّ الصدر انقلب على المستقلّين بعدما فسح المجال لهم!
وفي عاصفة سياسيّة مفاجئة شنّ الصدر، يوم الاثنين الماضي، بعد ساعات من (ذهابه للمعارضة المحدودة) هجوماً لاذعاً على المحكمة الاتّحاديّة، مُتّهماً إيّاها بمسايرة أفعال الثلث المعطّل (فريق نوري المالكي) “المشينة عبر إقرارها عدم شرعيّة قانون الأمن الغذائيّ” المقدّم من حكومة مصطفى الكاظمي كونها حكومة تصريف أعمال!
واتّهم الصدر “الثلث المعطّل” بأنّ ” السلطة أعمت أعينهم عمّا يعانيه الشعب من فقر وخوف وتسلّط المليشيات والتبعيّة ومخاوف التطبيع والأوبئة”، ثمّ تساءل: ” هل وصلت الوقاحة لدرجة تعطيل القوانين النافعة للشعب (عينك عينك)”!
وختم كلامه بالقول: إلى متى يبقى البعير على التلّ؟
ولا ندري ماذا يقصد بهذا التعبير البعيد عن الدبلوماسيّة؟
وتؤكّد هذه التشنّجات بأنّ العراق مُقبل على عواصف سياسيّة وأمنيّة قاتلة بعد مهلة الثلاثين يوما الجديدة أو قبلها!
ولاحقا تطوّرت العواصف بين التيّار والمحكمة الاتّحاديّة وذلك بعد إعلان حاكم الزاملي (الصدريّ)، نائب رئيس مجلس النوّاب بأنّ قانون الأمن الغذائيّ سيقدّم إلى البرلمان للتصويت عليه!
ولا نعلم أيّهما أقوى التيّار أم المحكمة الاتّحاديّة!
ولا يمكن تَفهّم دعوة الزاملي غير المقبولة قانونيّا ودستوريّا!
وقد تصل العاصفة ذروتها وذلك بدعوة الصدر لحلّ مجلس النوّاب لإحراج الجميع ومن ضمنهم المحكمة الاتّحاديّة!
إنّ خلاص العراق من كافّة العواصف السياسيّة والأمنيّة والبيئيّة والمجتمعيّة والاقتصاديّة يكون بوقوف القوى الصافية على أرضيّة صلبة، والعمل لضمان استقرار الدولة والمجتمع عبر نشرّ الأمن، وبناء عقد اجتماعيّ جديد لا يَدخل فيه أيّ متورّط بدماء المواطنين، ويحفظ كرامة الوطن والإنسان، وحصر السلاح بيد حكومة ناضجة قادرة على تطبيق القانون، وعدم التفرُّد بقيادة البلاد، وبناء التنميّة، والبراءة من المشاريع المكوناتيّة والمناطقيّة الضيّقة، وفتح المجال واسعا لحرّيّة الرأي والرأي الآخر، والتهيئة لانتخابات حرّة نزيهة بإشراف دوليّ!