بصرف النظر عن الوضع القلق الذي يمر به العراق منذ مايقرب العام، وتداعيات التظاهرات الخطيرة، وبعيدا عن التهديدات التي تضع البلد وأهله على شفا حفرة، لايمكن تخمين عمق هوتها، ويصعب أيضا استقراء النتائج المترتبة على السقوط بها -لاسمح الله-.
يمر البلد اليوم بانعطافة سياسية مهمة وحساسة وخطيرة، من حيث التوجه إلى إجراء انتخابات مبكرة، وحتما سيكون هناك توجه ثانٍ بعدها، وهو إجراء انتخابات لتغيير قادة مؤسساته التنفيذية في تشكيلة مجلس الوزراء، والذين يعول عليهم بالنهوض بمؤسسات الدولة بعد سباتها الذي امتد عقودا، حيث لم يتحقق خلال الأعوام السبعة عشر الماضية من عمر العراق الديمقراطي الفدرالي، إنجاز يقوّم الاعوجاجات التي خلفها النظام السابق، بل تناسلت سلبيات وتولدت على إثرها سلوكيات منحرفة شتى، على رأس قائمتها الفساد بأنواعه، حيث كان النظام السابق يتعمد وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، لاسيما في التشكيلة الوزارية، للحصول على نتائج غير مناسبة، تدفع بالمؤسسة الى الحضيض في الأداء وسير العمل. ومن سوء حظ العراقيين أن هذه الخصلة بقيت ملاصقة لأغلب مكاتب الوزراء في الحكومات المتعاقبة. وتكمن خطورة هذه المرحلة بكيفية انتقاء أعضاء المجلس التنفيذي، وبوحدات القياس التي سيتم على ضوئها قبول المرشح من عدمه، إذ أن السهو والغفلة والخطأ والاشتباه في الترشيح -إن حصل- ستكون عاقبته وخيمة على البلاد والعباد.
ولايخفى مافي الشارع العراقي من مخاوف وقلق شديدين تجاه عملية الترشيح لهذه المناصب، وماالقلق هذا إلا لأن المرشحين سيخرجون من لدن كتل وأحزاب لها بصمات سيئة ومواقف سابقة لم تخدم العملية السياسية، بل سخّرت مرشحها لمتابعة سير أعمالها وإكمال مايتعثر منها، باستغلال صلاحياته في مركزه الوزاري الجديد، وهي –الكتل والأحزاب- لم تضع المعايير الصائبة لترشيح (زيد) او انتقاء (عبيد) لكفاءته ومهنيته ونزاهته وولائه للعراق، بل شطّت كثيرا عن مثل هذه المقاييس، وابتعدت عنها مقابل معايير تخدم مصالحها الخاصة والحزبية والفئوية، وبهذه المعايير لايمكن تشكيل حكومة تضع لِبنة واحدة في صرح العراق القائم على (كف عفريت).
ولو أخذنا بنظر الاعتبار المثل العراقي القائل: (المايسوگه مرضعه سوگ العصا ماينفعه) فإن اختيار المرشحين لمناصب التشكيلة الوزارية، لايمكن أن يتم بالشكل السليم مادامت الكتل السياسية والأحزاب هي الـ (فلتر) الذي يُمرَّر من خلاله المرشحون، والتجارب السابقة بينت (مرضع) بعض الكتل، حيث كانت خير دليل على انحيازها الى مايصب في خدمتها وخدمة أحزابها، بل إن بعضها تتفانى في خدماتها لتقدمها الى جهات تقبع خارج الحدود، تكن الى العراق والعراقيين الشر والضغينة والعداء من سالف الزمان، لتمشية مخططاتها وأجنداتها المرسومة مسبقا.
الحل إذن، يكمن في كيفية إجبار الكتل على ترشيح الشخص الذي يخدم عملية البناء، وفرض القيود والضوابط الصارمة في الترشيح على الكتل، ورفض مبدأ (حِب عمك حِب خالك) وعدم الانجرار وراء الخدع الزائفة، المتمثلة بالمظاهر البراقة التي يتحلى بها المرشح، وترك الأغطية المرائية التي يتدرع بها -ولاسيما الغطاء الديني- والنظر اليه من باب مصداقيته وتاريخه المهني. وهذا لن يتم إلا برفع المحاباة من قبل القائم على العملية برمتها وهو رئيس الحكومة، إذ عليه وضع الـ (مستحاه) جانبا وغربلة المرشحين في الانتخابات المقبلة بأكثر من غربال، لاسيما أن بعض الغرابيل معمولة خصيصا لتمرير الـ (دغش) والـ (دنان). وبغير هذه الغرابيل تكون المؤسسات التنفيذية فرعا من فروع الفساد الرسمي، او أداة من أدوات أضداد العراق من الخارج وفي الداخل، وحينها يكون التغيير للأسوأ لاكما يحلم العراقيون.