آخر الأخبار أن السيد المالكي بادر بتوسيع حملته العسكرية على الفلوجة لتشمل ناحية جرف الصخر بمحافظة بابل، وناحية أم العظام في ديالى، وليكمل حملته على مساجد وجوامع أهل السنة بالاستيلاء عليها وتفجير وقصف الكثير منها، حتى قل عددها إلى النصف، ويوم الجمعة منعت قواته المصلين من أداء الصلاة بجامع أبي حنيفة النعمان، أقدم وأشهر مساجد بغداد، بحجة حماية الزوار الشيعة عند
عبورهم إلى الكاظمية عبر جسر الأئمة حيث يقع في أوله جامع الإمام الأعظم، محاولة منه لإيقاظ الفتنة باستدرار عواطف عوام الشيعية والبسطاء وكسب تأييدهم، باعتباره ناصر الشيعة وحاميهم وخاذل أهل السنة، وهو من أعلن الحرب عليهم من كربلاء.
هذا الإجراء الخبيث المذموم لم يقدم عليه حاكم ظالم ولا محتل منذ 700 عام خلت، فجامع الإمام الأعظم يضم ضريحه ومكتبة كبيرة ونسخ القرآن الأثرية المذهبة ومخطوطات وآثارا إسلامية أخرى، ويحظى باحترام المسلمين في كل العالم، واعتاد أهل الأعظمية وأطراف بغداد الحرص على صلاة الجمعة فيه يأتونه زرافات ووحدانا، فقامت قوات المالكي بقطع الطرق عليهم، بينما سمحت لمن يريد زيارة مقام موسى الكاظم بالعبور على حساب منع السنة من أداء صلاتهم، هذا الإجراء يثير الفتنة ويدفع الشباب المتحمس إلى العنف والإرهاب ليجد المالكي المبرر لاضطهاد أهل السنة وتطهير بغداد منهم وتغيير تركيبتها السكانية مع الأيام.
وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي هو أمام المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي، أول المذاهب الأربعة، ولد بالكوفة سنة50-180هـ، اشتهر بعلمه الغزير وفقهه الواسع وأخلاقه الحسنة، يروى أن والده اصطحبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو صغير فدعا له بالبركة، وقال فيه الإمام الشافعي: “من أراد أن يتبحَّر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة” ويُعد من التابعين، حيث جالس من الصحابة أنس بن مالك، ولازم شيخه حماد بن أبي سليمان لدراسة الفقه وتولى بعد موته رئاسة حلقته بمسجد الكوفة 120 هـ، ومن أساتذته الإمام جعفر الصادق، وكان أبو حنيفة محبا لأهل البيت وتعرض بسببهم لمحنتين الأولى، حين ناصر ثورة الإمام زيد بن علي بن الحسين على الأمويين، ورفض العمل مع والي الكوفة فحبسه وضربه، فهرب إلى مكة، والثانية بعد عودته إلى الكوفة زمن الخليفة العباسي المنصور مؤيدا ثورة الإمام محمد النفس الزكية، وامتنع عن رئاسة القضاء للمنصور فحبسه حتى مات في سجنه ودُفن بمقبرة الخيزران ببغداد، وبني بجوار قبره جامع الإمام الأعظم عام 375 هـ/ 1065ميلادية، ومدرسة للعلوم الدينية، وسميت المدينة حوله بالأعظمية نسبة إليه، وهذا دليل على حب أئمة أهل السنة والجماعة للرعيل الأول من أهل البيت ومناصرتهم خلافا لما يشيعه المتأخرون من الصفويين عنهم.
جامع الإمام الأعظم أبو حنيفة ومدرسته في الأعظمية من معالم بغداد التاريخية على نهر دجلة بجانب الرصافة مقابل مدينة الكاظمية نسبة إلى الإمام موسى الكاظم حيث يوجد قبره.
وتعد جامعة الأعظمية ثالث أقدم جامعة على مستوى العالم بعد القرويين بالمغرب والأزهر بمصر، وقد حاول الصفويون هدم الجامع وتحطيم المدرسة عدة مرات بتعصبهم الطائفي أثناء حكمهم لبغداد، حتى حررها العثمانيون 1534م، فزار السلطان سليمان القانوني قبره فوجده مهملا وأمر بإعادة بناء القبة وإعمار الجامع والمدرسة وأضاف دار ضيافة وحمام وخان وخمسين دكانا وقلعة حراسة، وفي عهد المماليك جدد الوالي سليمان باشا المرقد وأنشئت المنارة والقبة عام 1757م وبقيت مدرسة الإمام الأعظم المدرسة الوحيدة في الأعظمية حتى سنة 1911م، حيث أعيد إعمار الجامع، ورمم خلال العهد الملكي 1923م، وبعد 14 تموز 1958 بني البرج الأسطواني بارتفاع 25م وكسي بالفسيفساء ووضعت الساعة، وخاض أهل الأعظمية معركة عسكرية مع المحتلين الأمريكان 2003م، دمر على أثرها جزء من منارة الجامع والساعة والضريح ومبان أخرى. وتعطلت الصلاة جمعة واحدة، نظف أهالي الأعظمية المكان وأزالوا آثار المعركة ورمموا الجامع والمرقد وأقيمت الصلاة الجمعة التالية.
الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وتصرفات حرس المالكي الطائفية القبيحة استمدوها كما يبدو من الحرس الصهاينة الذين يمنعون الصلاة في المسجد الأقصى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) البقرة: 114.