ربما يظن القارئ – وبعض الظن إثم – أن في العنوان مبالغة غرضها الافتراء والكيد لحكومة أو مسؤول، وترويج لفئة أو حزب أو طائفة على حساب أخرى، وأن خلفه غرض أو مكسب يريب، وهل لابن السبعين من غاية ترتجى أو طمع بمغنم أو مأرب غير التقرب إلى الله؟ لكنه الأسى الذي يدمي القلب لوطن يجزأ، وشعب يمزق، ونزف دم لم ينقطع منذ سنوات تجاوزت السبع والعشر العجاف ومضاعفاتها، ولم يبق شامت ومغرض قاص أو دان لم يدس انفه فينا وبيننا، وعزفت على أوتارنا أصابع الإنس والجان بالمكر والدس، وتبادل البيع والشراء بنا الأشرار والتجار، وضاع الثأر بين الأمم. محكومون بالإعدام يهربون من السجون، وأبرياء يحكم عليهم بالإعدام، قتال وتفجيرات واغتيالات ولجان تحقيق لا تفصح عن القاتل ومن يكون ومن وراءه وما الدافع؟ الله أعلم.
لا مبالغة فيما نكتب، ولا مجافاة للحقيقة، بل الواقع شئنا أم أبينا، ألم يعترف رئيس حكومة العراق بعد ثماني سنوات خلت مسك فيها ملف الدفاع والأمن والداخلية علنا في الفضائيات بالقتل على الهوية؟ فأين يكون القتل إن لم يكن في الشوارع؟ تقطع مفارز المليشيات الطائفية والعنصرية الطرق بحثا عن المطلوبين، وتقرأ بطاقات المارة السكانية، فمن كان اسمه عمر وبكر وعثمان ومروان وسفيان ومعاوية يفرز ويختطف فيقتل ويساوم حتى على جثته، وتغتصب من كان اسمها عائشة وحفصة وأمية، وبالمقابل عبدعلي وعبدالزهرة وعبدالحسن، ألم يناشد رئيس البرلمان عشائر الجنوب العربية لنجدة إخوانهم عشيرة آل السعدون وحمايتهم من التهجير قسرا بالقوة من البصرة والناصرية؟ أليس هذا اختطافا وقتلا، الم يقل السيد المالكي للمتظاهرين في المحافظات الغربية الست غمزا: “بيننا بحور من الدم” ما الذي يمكن أن يقول اكبر من هذا، بحور من الدم! ماذا تعني؟ وعلى ماذا؟ وأين المواطنة والشراكة؟.
أسألكم بالله على مر تاريخ المسلمين إن كان في عصور الخلفاء أو الولاة والسلاطين والحكام، الصالحين منهم والمارقين، هل هدمت مساجد على رؤوس المصلين من أية فئة كانت أو طائفة؟ وهل في مبادئ أي دين سماوي قتل الزهاد والعباد، وتفجير المساجد والحسينيات والكنائس والأديرة أثناء أداء طقوس العبادة في غير هذا العصر وفي ظل هذه الحكومة؟ المساجد والجوامع تغتصب ويتغير روادها وعبادها، كم مسجدا أو جامعا أو حسينية أو كنيسة تفجرت وقتل من فيها والخارجون منها والداخلون إليها، فأية حرمات بعد انتهاك هذه الحرمات تبقى لدم الإنسان؟ وبعد هذا الذي يحدث، هل يمكن تكذيب المنظمات العالمية التي تؤكد أن بغداد أسوأ مدينة للعيش فيها أمنيا؟ وان العراق البلد الأول بشيوع الفساد المالي والإداري عالميا؟ ماذا يعني تفجير مواكب العزاء ومجالسها، ومواكب الأعراس وحفلاتها غير الإمعان بقتل أكبر عدد ممكن من بني الإنسان بلا ذنب ولا جريرة؟ فهل بعد هذا في العنوان ما يجانب الحقيقة والواقع؟.
وحينما نقول الساسة في الصوامع فهذا تحصيل حاصل، كل منتسبي الرئاسات الثلاث رئاسة الجمهورية والوزراء والنواب وأهل الحظوة والحل والعقد يقيمون في المنطقة الخضراء المحصنة بأسوار ورجال أمن وكاميرات، ولا يدخلها إلا حديثو النعمة، لهم أسواقهم ونواديهم ومدارسهم وملاهيهم وملاعبهم ومطاعمهم، ولديهم الخدم والحشم، يدخلون ويخرجون منها بمواكب من الحرس المميزين الحاصلين على بطاقات ممغنطة أوتوماتيكيا، فكيف يا ترى تكون الصوامع؟.
والمصيبة الخرساء أن رئيس الحكومة الذي أوشكت ولايته الثانية على الانتهاء وقضى ثماني سنوات في الحكم تؤرخ لها بالفحم الأسود، نار ودخان ورصاص وجثث محروقة، ثماني سنوات والاختطاف والاغتصاب والقتل والتفجيرات والاغتيالات مستمرة لم تهدأ، والحال من سيء إلى أسوأ، ومع ذلك يرشح نفسه وفريقه من الوزراء والنواب لولاية ثالثة، فما الذي يستطيع تقديمه للشعب غير الاستمرار على ما هو عليه؟ ولو كان باستطاعته أن يفعل شيئا لفعل، وحقيقة “الذين استحوا ماتوا” ولم يبق غير البجح والقبح. هذه هي حياة العراقيين الموت أمامهم وإيران والقاعدة وراءهم وليس لديهم غير الجوع والمرض.
هكذا تعيش بغداد اليوم في ظل التحرر والحرية والديمقراطية والضمانة الأميركية بشرق أوسط جديد، وقد وسمت يوما دار السلام، وتغنى فيها الشعر والشعراء والمنشدون، فأين هذا من ذاك.