ليست أخبار العراق كلها غير سارة. فعلى سبيل المثال يُقال حسب تسريبات نيابية لها علاقة بتحالف الإطار التنفيذي الحاكم إن حكومة محمد شياع السوداني ستنهي أزمة الكهرباء عام 2027. ولأن العراقيين صاروا على ثقة بموهبتهم في الانتظار فإنهم يرون الموعد قريبا قياسا بالسنوات العشرين التي مرت بهم بكهرباء عليلة، غير أنهم قد يضطربون في انتظارهم حين يتذكرون أن حسين الشهرستاني وقد كان عام 2012 نائبا لرئيس الوزراء لشؤون الطاقة قد وعدهم بأن العراق سيصدر الكهرباء عام 2013 إلى دول الجوار التي لم يحددها، وقد تكون سوريا هي المقصودة فهي الدولة الوحيدة من دول الجوار التي تعاني من نقص أزلي في الطاقة الكهربائية فلا نهارها نهار ولا ليلها ليل.
بالنسبة إلى العراقيين ليست سنة 2027 بعيدة. سينتظرون مثلما فعلوا عبر العشرين سنة الماضية. يعرفون أن سخريتهم من الرواية الحكومية لن تنفع في شيء. كما أن معرفة الحقيقة في ظل عالم يسوده التضليل صارت أصعب من أن يتأكدوا من ذهابهم إلى الجنة وهم يقومون بالمسيرات مشيا على الأقدام في اتجاه الأضرحة الدينية فيما تُقدم لهم في الطريق أشهى المأكولات التي لن يتمكنوا من تناولها في بيوتهم. فقراء العراق وحدهم يفكرون في الذهاب إلى الجنة حيث لا حاجة هناك إلى الكهرباء.
حين أطلق الشهرستاني كذبته لم يكن يفكر أن رئيسه وهو نوري المالكي سيعاقبه. كما أن الشعب كان ولا يزال عاجزا عن مساءلته. ولأن الرجل قد اختفى من المشهد السياسي منذ سقوط حكومة نوري المالكي إثر احتلال التنظيم الإرهابي داعش للموصل وهزيمة الجيش العراقي في معركة لم تقع فإن كل شيء ذهب إلى الأرشيف. صار الشهرستاني وكذبته جزءا من ماضي العراق الجديد. وهو ماض عامر بالأكاذيب.
ومثلما أفلت الشهرستاني من المساءلة أو العقاب فإن الآخرين سيفلتون بدورهم. هم على يقين من ذلك. فالسلطة القضائية في العراق مسيسة وليست مستقلة، كما أن أحزاب تحالف الإطار التنسيقي المهيمن على مجلس النواب وهو السلطة التشريعية لن تسمح بأي نوع من المساءلة يمكن أن تتقدم بها المعارضة المسكينة التي لا يزيد أعضاؤها على عدد أصابع اليدين. كل كلام مسموح به حتى لو تعلق بمصير الشعب الشعبي. كما أن الكذب صار عرفا بالنسبة إلى السياسيين العراقيين الذين يعرفون أن كل كلامهم هو بضاعة محلية لا ينظر إليها أحد في الخارج بطريقة جادة. فهم يحكمون دولة على الورق، لا يتردد الجيران في التدخل في شؤونها في أي لحظة. بل إنها تُدار أحيانا من مكان بعيد. فلا حدودها مصانة ولا أموالها تحت يدها.
لا حاجة إلى القول إن العراق سيظل مقيما في ظلام العصور الحجرية حتى سنة 2027 وبعدها لا لشيء إلا لأن الفاسدين هم الذين يؤلفون الحكاية ويصنعون مناسباتها. حكاية العراق مع الكهرباء هي جزء من سلسلة حكاياته مع أشياء كثيرة.
فشلت الدولة العراقية في معالجة ملفات أساسية في قطاعات التعليم والصحة ومياه الصرف الصحي والزراعة والصناعة حين تحولت تلك الملفات إلى أسواق للفساد الذي ساهمت فيه جهات ومصارف إقليمية، بحيث صار العراق نقطة جذب للفاسدين القادمين من مختلف أنحاء الأرض. يخبرك مليونير من البرازيل أن ثروته كلها من العراق. في المقابل أنت محروم من بلدك. لا أعتقد أن البكاء وسيلة مقنعة للتعبير عن مأساة بلد. أما حين تعرف أن ذلك المليونير كان يعمل في مجال الكهرباء فيما شعبك يعيش في الظلام فإن دموعك لن يكون لها معنى.
من يعد العراقيين بكهرباء دائمة عام 2027 هو فاسد يضحك على العراقيين الذين يعرفون أنه يضحك عليهم ولا يملكون أن يفعلوا شيئا. فالمسألة لا تنحصر في قطاع الكهرباء وحده. لقد صار العراقي على موعد مع الفساد في كل خطوة يخطوها في حياته اليومية بعد أن تم تطبيع الفساد اجتماعيا. وهو أمر في غاية الخطورة لا يمكن معه الاطمئنان إلى مصير المجتمع.
من الطبيعي أن يكذب الفاسدون فلا بضاعة لديهم سوى الكذب، لكن ليس من الطبيعي أن تحظى تلك البضاعة في الأسواق العامة بالقبول الشعبي. هل يعني ذلك أن الفساد تمكن من الشعب العراقي؟ من المؤكد أن هناك دولة فاسدة، وهو ما يعني أن حشودا من منتسبي تلك الدولة قد تورطت في دورة الفساد، غير أن الشعب كان ولا يزال ضحية حفلة الفساد التي أقامها الأميركان يوم فرضوا النظام الطائفي في عراقهم الجديد.