بعد الجمود السياسي الطويل الذي أعقب الانتخابات البرلمانية المبكرة في تشرين اول/ أكتوبر 2021 ، نتيجة الخلاف الكبير بين الكتلة الصدرية والاطار التنسيقي ، تم انتخاب عبد اللطيف رشيد رئيسا لجمهورية العراق . ثم جرى تكليف السيد محمد شياع السوداني مرشح الاطار التنسيقي بتشكيل الحكومة الجديدة .وكانت الكتلة الصدرية قد تصدرت نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة بحصولها على 74 مقعدا .فاصبحت الكتلة الاكبر في مجلس النواب ، مما دعى رئيس التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الى طرح مشروع حكومة أغلبية وطنية عابرة للمحاصصة الطائفية ، وشكل لذلك تحالف “إنقاذ الوطن” بمشاركة تحالف السيادة السنّي، والحزب الديمقراطي الكردستاني .
دعوة التيار الصدري وحلفاءه الى تشكيل حكومة اغلبية وطنية ، لاقت معارضة شديدة من الإطار التنسيقي الذي رفض هذا المشروع ، وتمسك بالمحاصصة الطائفية .تقوم استراتيجية الإطار في صراعه مع التيار الصدري على تخويف جماهيره من سقوط النظام السياسي الطائفي اذا ما تخلوا عن المحاصصة الطائفية . والكل يعلم ان الشعب بكل طوائفه وقومياته لم يجن من المحاصصة الا حكومات فاسدة . ودولة فاشلة تكاد تنعدم فيها الخدمات المقدمة الى المواطنين .تمكن الإطار التنسيقي من جمع أكثر من ثلث البرلمان العراقي “سمي بالثلث المعطل” ، وبذلك استطاع تعطيل اجتماعات المجلس النيابي لمرتين متتاليتين ، فقطع الطريق امام الكتلة الصدرية وحلفائها لتشكيل الحكومة رغم كونهم يمثلون الكتلة الاكبر .
وفي مواجهة هذا الوضع دعى السيد مقتدى الصدر نوابه في البرلمان لتقديم استقالاتهم ، فاستقال جميع النواب الصدريين من البرلمان العراقي .القرار المفاجئ وغير المفهوم من التيار الصدري بالخروج من قبة البرلمان العراقي ، اتاح الفرصة للاطار التنسيقي بملئ مقاعدهم بعناصر فاشلة في الانتخابات .عندئذ تمكن الاطار التنسيقي من الانفراد بالقرار السياسي واعلن انه الكتلة الاكبر .وهكذا انقلبت المعادلة الديموقراطية ، فالاحزاب الفاشلة في الانتخابات قادت العملية السياسية . والنواب غير المنتخبين اصبحوا ممثلي الشعب !هذه هي الديموقراطية المزعومة في العراق فبدلا من التبادل السلمي للسلطة ، بقيت الاحزاب الطائفية نفسها تحتكر الحياة السياسية في العراق
وبنفس التدخلات الدولية والاقليمية السابقة .ولحاجة امريكا الملحة للنفط في هذا الوقت من ازمة الطاقة العالمية جعلها تدفع باتجاه بقاء الوضع على ماهو عليه في العراق . فباركت هي والاتحاد الاوروبي ، والدول الاقليمية تشكيل الحكومة الجديدة ، بغض النظر عن الاستحقاق الانتخابي ، وتطلعات الشعب العراقي لازاحة الطبقة الحاكمة الفاسدة .علما ان السيد السوداني قد تعهد في وقت سابق من ترشيحه بمخالفة قرارات منظمة الاوبك والعمل على زيادة تصدير النفط العراقي بمعدلات اكثر !دعوات الاطار التنسيقي للاستئثار بالسلطة لم تنبع من حرصه على جماهيره كما يدعي . بل طمعا في السلطة وامتيازاتها ، واعتبار مؤسسات الدولة حدائق خلفية للاحزاب المنضوية تحت خيمته . اضافة الى خوفهم من الملاحقة القانونية عن قيامهم بتبديد موارد الشعب وسرقتها خلال الاعوام الماضية . وكذلك معارضتهم لحصر السلاح بيد الدولة، ضمانا” لبقاء ميليشياتهم المافيوية المعادية للشعب والعميلة للاجنبي .
وعادت خيبة ألامل بين المواطنين من هذه الأحزاب وفصائلها المسلحة التي تعيث في الارض فسادا بعد سيطرتها على مجلس النواب بالالتفاف على الدستور والتعطيل .ان سيطرة احزاب الاقلية النيابية على البرلمان بعد حشوه بنواب غير منتخبين يعد انقلابا على الديموقراطية ، وسيتيح لهم اغلبية مريحة في سن القوانين والقرارات .وعلى الارجح سيتم اقرار قانون جديد للانتخابات يضمن لهم الاستمرار بالسلطة واستبعاد المستقلين او قوى المعارضة الشعبية .وكذلك اعادة تشكيل مفوضية للانتخابات من عناصر موالية لهم لضمان فوزهم بكل الطرق في الانتخابات القادمة .ان الخطأ القاتل للصدريين بالانسحاب من البرلمان ، وتورطهم باخلاء الساحة للاحزاب الفاسدة سيؤدي الى تصفية المعارضة الشعبية ، بعد تمكنهم من تصفية المعارضة البرلمانية .
وبدلا” من دعوات الاصلاح وتقويم العملية السياسية ستزداد هيمنة الفاسدين على كل مفاصل الدولة تساندهم فصائل مافيوية مسلحة .وهناك شكوك مشروعة في نجاح الحركات الشعبية مستقبلا ، امام اساليب القمع الوحشية لسلطة الأحزاب الحاكمة .ان على القوى الشعبية المناضلة من اجل ديموقراطية صائبة وعادلة طرح خلافاتها جانبا والعمل على توحيد الصفوف لتأسيس قيادة لتنظيم شعبي واسع النطاق ، وحث الجماهير الفقيرة والمغلوبة على امرها للمشاركة الواسعة في هذا التنظيم ومواصلة النضال للقضاء على بؤر الفساد والتبعية . والعمل للتغيير من اجل سلطة وطنية تضمن استقلال العراق وشعبه ، بعيدا عن تدوير النفايات السياسية.