في علل ومشكلات البحث العلمي للفنون

في علل ومشكلات البحث العلمي للفنون
آخر تحديث:

د. سعد عزيز عبد الصاحب

تسير حركة البحث العلمي في الفنون لدينا بهدى بوصلة عبثية رجراجة وغير مستقرة تشي باعتباطية والتباس المشروع البحثي وستراتيجيته الغائبة وانفصاله عن واقعه الفكري والجمالي الإجرائي، إذ تحفل العديد من الرسائل والاطاريح الجامعية في الفنون المسرحية والتشكيلية والسمعية والمرئية بسيطرة الانساق الاجتماعية والوصولية والانوية في أحيان غالبة مما سبب ذلك تفشي ظاهرة الانحدار والتقهقر المعرفي والعلمي لهذه الابحاث وتدني مستوى باحثيها، فعندما يعمل المشرف الاكاديمي على توجيه بوصلة الطالب وتحديدها بمناقشة المنجز الفني والثقافي له فقط من دون النظر الى ما هو واسع ومتنوع من الأشكال الفنية الأخرى وصناعها فإن البحث يذهب بالضرورة الى انجاز سيرة ذاتية وببلوغرافية وتحليلية استعلائية لأعماله الفنية الوحيدة والفريدة التي خاضت هذا المضمار الفني او ذاك او يقتبس الطالب مجبورا من مصدر المشرف ويهمل المصادر العديدة الأخرى الاكثر صلة بعنوان البحث لاختلاف المشرف مع مدونيها اجتماعيا او ثقافيا!، وهذا من محاذير وآفات البحث العلمي التي حذر منها (فاندالين) و(ابو طالب محمد سعيد) و(علي جواد الطاهر) في كتبهم وشروحاتهم عن أصول البحث العلمي وقواعده في ان يبقى المشرف والطالب أمينين على عنوان البحث من جهة ومنفتحين على جميع الاشكال والرؤى الفنية الاخرى التي اشتغلت وانجزت من قبل فنانين آخرين لكي لا يقعان في الشخصنة والمعيارية الاجتماعية (الهوائية) ـ من أهواء ـ 

التي قضت على العديد من البحوث والدراسات وحالت من دون انتشارها لانها اعتمدت معيارا خلافيا مع الباحث او الفنان هذا او ذاك، او ان يغير الباحث عنوان بحثه مع ما يتساوق مع مشروع المشرف الفكري والجمالي وما يشتهي فيصار الى تغيير العنوان او تغيير مباحثه نتيجة لسطوة المشرف على لجان قسمه وآرائهم، وسادت في أحايين كثيرة هذه الايام ان يرفع المشرف يده عن البحث العلمي وما أنجزه الباحث في اللحظات الأخيرة والرسالة او الاطروحة ذاهبة الى المناقشة فيقوم المشرف بإهمال الباحث او ان ينتحل شخصية اخرى اثناء المناقشة فيقوم ببز الطالب ونهره ونقده وتفنيد طروحاته ـ لانه لم يطلع عليها سلفا ـوالتي من واجبه المهني الدفاع عنها وتثبيتها لان الطالب والمشرف هما شريكان في الكتابة المعرفية والبحثية فغابت للاسف شرفية المهنة واخلاقياتها واصولها لدى البعض من الاساتذة، ناهيك عن مشكلة عضوية اخرى وهي عدم إقرار العناوين لظواهر فنية وجمالية واضحة وقارة مؤثرة في المجتمع وسادت بحوث لمناقشة قضايا هامشية لا تحمل عنواناتها مشكلات وعللا جوهرية يمكن مناقشتها والأخذ بها، فهي لا تهم مجتمعنا ولا فضاءنا الجمالي والفني يمكن التعبير عنها بمقالات ودراسات مقتضبة وذات مساحة محدودة غير قابلة للاطناب والتوسع، فضلا عن عدم وجود معادلات فنية إجرائية على أرض الواقع، فحقيقة الواقع المسرحي والسينمائي والتشكيلي يعيش أسوأ حالاته من نضوب الوقائع المحلية الفنية المبدعة والمبتكرة التي ينهل منها البحث العلمي كنماذج وعينات منتقاة، فأعدادها تعد على أصابع اليد الواحدة في انتاجها السنوي، مما حدا بباحثينا الى الانفتاح على الظواهر الفنية والفكرية والجمالية خارج بلادنا بعروض وشواغل فنية لم نشاهدها او نطلع عليها، والوسيط الرقمي في بعض الفنون لا يكفي وحده في اطلاق حكم او تقييم جمالي في جودته من عدمها. فضلا عن كونها لا تصب في خطط التنمية الوطنية التي على هذه البحوث ان تكون رافدا لا ينضب من روافد هذه الخطط، لبناء مستقبل متين بمستواه المعرفي والعلمي لابنائنا، لذا نوصي بغلق قنوات الدراسات العليا في الفنون مدة خمس سنوات في الاقل لان معظم العنوانات العلمية والبحثية قد أشبعث بحثا وحفرا وتنقيبا ولتجد بحوثنا معادلاتها الفنية وتمثيلاتها الجمالية على ارض مسارحنا وقاعاتنا وصالاتنا السينمائية.   

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *