بغداد/شبكة أخبار العراق- قبل أن ينقضي العام الفائت ومع أواخر ديسمبر، كانت شركة “نتفليكس” الأميركية، الشهيرة بإنتاجها لأفلام تتجاوز مهمتها الدراما والتسلية، وتقفز إلى حدود مشاغبة القضايا الفكرية المثيرة للجدل، مثل فيلم الملاك، والبابوان، ومسلسل المسيح، كانت تعلن عن عزمها إنتاج فيلم عن الإسكندر الأكبر، سيجري تصويره في واحة سيوة في الغرب من القاهرة، من بطولة النجم البريطاني الشهير بن ويشا.وفي الوقت نفسه ومع الإعلان عن هذا الفيلم، كانت الإسكندرية تشهد عودة لبعثة آثار يونانية تجري حفريات تاريخية في منطقة الشلالات، حيث أنقاض الإسكندرية القديمة التي بناها الإسكندر الأكبر.وما بين واحة سيوة والإسكندرية لم يعد هناك من شك في أن حلم العثور على مقبرة الإسكندر يداعب عقول العالم، لا سيما وأن هناك من يجزم بأن القبر في مصر لا محالة، وليس في أي موقع أو موضع آخر خارجها.
أسئلة كثيرة تدور حول شخصية الإسكندر الأكبر وحياته، وأسئلة أكثر تبقى معلقة حول مقبرته وأين تم دفنه؟
في كل الأحوال تبقى شخصية الإسكندر الأكبر من أكثر الشخصيات إثارة للجدل حيا وميتا، وما يبرر الهالة الأسطورية لهذه الشخصية أن الإسكندر في خلال خمس سنوات ( 335 ق.م – 330 ق.م )، وعندما كان في الواحدة والعشرين من عمره، قاد جيوشه من هضاب مقدونيا إلى بلاد اليونان وأخضعها، ومنها إلى بلاد سوريا (فينيقيا) ومصر ثم إلى بلاد فارس (إيران)، وحتى سور الصين العظيم.ولعلّ أحد الأسئلة المثيرة جدا عن الإسكندر الأكبر: “هل هو ذي القرنين الذي تحدث عنه القرآن الكريم، ذاك الذي بنى سدا من قطع الحديد ليفصل بين أهل الأرض ويأجوج ومأجوج؟”.
لا يزال الربط قائما بين الشخصيتين، حيث دخلت شخصية الإسكندر الأكبر في التفسيرات القرآنية المتعددة، وانتشر الخيال حتى وصل إلى أن الإسكندر الأكبر هو ذو القرنين، والسبب في ذلك ما نقله المفسرون من الأدب الفارسي الذي صوّر الإسكندر الأكبر على أنه ذو القرنين لاعتبارات كثيرة شكلية وعسكرية.وبعد انتشار الإسلام أخذ المفسرون من هذا الأدب الفارسي ما يوضح في ظنهم أنه تفسير للآية الكريمة “ويسألونك عن ذي القرنين”، دون النظر لاعتبارات النشأة والتكوين، والاتجاهات السلوكية لكلتا الشخصيتين، فضلا عن أن تاريخ الإسكندر الأكبر يكاد يكون معروفا بشكل كامل، اللهم إلا شذرات هنا أو هناك لا تثمن ولا تؤثر في فهم الشخصية بقدر كبير.
لكن لماذا البحث عن مقبرة الإسكندر في واحة سيوة أو الإسكندرية حصرا؟
الشاهد أن سيوة تمتلك ومنذ ألفي عام مقومات سياحية وعلاجية فريدة، الأمر الذي جعلها قبلة شعوب الأرض منذ زمن بعيد، وقد كان الإسكندر أول من زارها، وخرج بالفعل بموكبه من الإسكندرية في طريقه للواحة، وعند وصوله، تم تتويجه بمعرفة كهنة آمون في القاعة التي أعدت لذلك ومازالت آثارها قائمة، وخلع عليه لقب “ابن آمون”، ولبس تاج آمون وهو على شكل رأس كبش ذي قرنين، ولهذا لقب منذ هذه اللحظة الإسكندر ذي القرنين، وتنبأ له كهنة المعبد أن يكون سيدا على العالم، وهي النبوءة التي تحققت بالفعل.
هل دفن الإسكندر في واحة سيوة؟
ما لدينا من قراءات تاريخية قديمة ومعاصرة لا يأتي على ذكر واحة سيوة من قريب أو من بعيد، وقد يكون الأمر من خيال بعض من أصحاب الأساطير سيما وأن سيوة لا تزال حتى الساعة مليئة بأسرار الحضارة الفرعونية غير المكتشفة.
يخبرنا المؤرخ المعروف باسم “كالليسثينس المزيف”، والذي أعطي هذا الاسم تمييزا له عن “كالليسثينيس” الأصلي أحد فلاسفة وعلماء الإسكندرية، ولم يكن المزيف هذا إلا أحد الكهنة اليونانيين الإسكندري الأصل والذي كتب سيرة الإسكندر الأسطورية عام 300 ميلادية، أن الإسكندر تعرض لمؤامرة قتل بالسم وقد حدث ذلك في مدينة بابل.
وفي ذلك الوقت حاول الفرس أن يكسبوا بصداقتهم المقدونيين وأن يوافقوا على دفن الإسكندر في بلدهم، حتى يستطيعوا تكريم المتوفى بما يليق به، وأنهم سيعلنونه “الإله ميثراس”.غير أن المقدونيين كانوا يرون بضرورة نقل جثمانه إلى مقدونيا، وعندئذ تدخل الجنرال بطليموس قائد قوات الإسكندر وقال بالحرف: “إن هناك وحيا ونبؤة هناك في بابل للإله زيوس، ومنه سنتسلم نبوءة تقرر أين سندفن الإسكندر، وكان الوحي قد سئل وأجاب في معبد زيوس بتلك الكلمات التالية: إنني سأقول لكم ما هو الصالح العام، هناك توجد مدينة في مصر تسمى منف، وهناك يجب أن يدفن، ويعتلي عرشه “.
وحمل بطليموس الجثمان المضمخ بالعطور، وهو موضوع في تابوت من الرصاص، وتحرك الموكب من بابل إلى مصر.وكانت مدينة منف هذه تقع جنوب القاهرة، وقد تأسست عام 3200 قبل الميلاد، واليوم تقوم في موضعها مدينة البدرشين بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة.غير أن المفاجأة تمثلت في رفض كبير كهنة “منف” دفن الإسكندر في مدينتهم، وقال لهم كبيرهم “ادفنوه في المدينة التي أسسها هو بنفسه، في ضاحية رافودة “بالقرب من أحد موانئ الإسكندرية المعروف باسم ميناء رافودة القديم”، وذلك لأن المدينة التي سيدفن فيها ستكون دائما عرضة لاضطرابات وتهزها المعارك والحروب.
وقاد بطليموس الموكب إلى الإسكندرية وأنشأ قبرا في المعبد الرئيسي الذي كان يسمى “سوما الإسكندرية”، وهناك تم قبر جثمان الإسكندر.وتقص علينا دائرة المعارف البريطانية أن أوغسطس قيصر حين حضر إلى مصر زار قبر الإسكندر ووضع إكليلا من الزهور عليه، وكان ذلك عام 323 قبل الميلاد، ومع حلول القرن الرابع الميلادي لم يكن أحدا يدري أين هو، وإن كان بعض المؤرخين مثل ابن الحكم المسعودي، وليون الأفريقي ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، قد قالا بأنهما رأيا قبر الإسكندر، وهناك روايات أخرى قديمة تشير إلى أنه مدفون في سرداب تحت كنيسة مسيحية قديمة.
تبدو قصة قبر الإسكندر تفتقد إلى الكثير من الحلقات التاريخية، غير أنه من شبه المؤكد أن الكشف سيكون حدثا مدويا لا سيما وأن الكثيرين يشيرون إلى أن الكثير من ممتلكات الإسكندر الشخصية قد دفنت معه في مقبرته، ويقال إن جثته محاطة بغطاء من الذهب الخالص، وموضوعة في صندوق من البلور، وفي قبر من الضخامة والفخامة يليق بواحد من أشهر زعماء التاريخ، وامبراطور لم يهزم في أي معركة خاضها طوال حياته، ربما ستكشف المقبرة حال إيجادها عن سيرة خالصة حقيقية للإسكندر، ولمغامراته وحروبه وفتوحاته وغزواته، وقد يفاجأ الجميع بوصايا أو توجيهات جديدة للذين سيفتحون المقبرة، ربما مشابهة لتلك التي وجدت في قبر العراف الفرنسي الأشهر نوستراداموس في فرنسا والذي تنبأ بموعد فتح مقبرته وقد كان كما قال بالضبط.