محمد الياسين
عقدت في الدوحة القمة الخليجية الخامسة والثلاثون لدول مجلس التعاون الخليجي في ظروف استثنائية للغاية بالغة الخطورة تمر بها المنطقة العربية ، لا شك ان مبادرة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بدعوته للدول الخليجية للانتقال من مرحلة التعاون لمرحلة الاتحاد كانت مبادرة ذات أهمية استراتيجية وقيمة سياسية كبيرة ، خاصة في هذه الظروف الحانكه. ان تفكك معظم الدول العربية الكبيرة ذات البعد الاستراتيجي العميق في المحيط العربي من حول دول مجلس التعاون الخليجي أضاف أهمية لدعوة العاهل السعودي من جهة ، وضرورة هذا الاتحاد لإعادة تعريف المصالح العربية وتحديد أولوياتها والعقبات التي تقف في طريقها واعادة تصنيف مستوى الخطر الذي يهددها ومصادره من جهة ثانية ، لوضع سياسات واليات لكيفية التعامل مع تلك التحديات ، خاصة فيما يتعلق بإيران التي لاحظنا حذرا شديدا لدى القادة الخليجين من الاشارة الى هيمنتها على العراق وسوريا وتصديرها للفوضى والارهاب بدعوى تصدير الثورة الاسلامية “الخمينية” الى المنطقة العربية .وأكتفى الموقف الخليجي تجاه الممارسات الايرانية ضد العرب بالإشارة إلى الملف النووي والتأكيد على الموقف الخليجي من قضية الجزر الاماراتية العربية الثلاث!.
لا شك ان القرار الخليجي بانشاء جهاز شرطة موحد وقوة بحرية مشتركة لدول مجلس التعاون يعتبر خطوة على الاتجاه الصحيح لتحقيق الاتحاد العربي الخليجي الكامل فيما بعد ، وهو قرار فيه مصلحة عربية استراتيجية وانشاء قوة عربية ضاربة لمواجهة التحديات الاقليمية والدولية على المستويات كافة .
رغم تلك الإيجابيات الكثيرة يبقى الموقف العربي الخليجي تجاه المشروع الإيراني في المنطقة موقفا لا يلبي طموحات العرب بأن يكون هناك مشروعا قوميا انسانيا عربيا رادعا للسياسات الايرانية الاستعمارية تجاه المنطقة العربية والاقليمية. ورغم تلك الايجابيات تبقى الرؤية الخليجية ضيقة فيما يتعلق بالساحات العربية التي يشغلها الخطر و الصراع الإيراني ، حيث لا تزال المواقف الخليجية عموما تدور حول بعض الرؤى والاجتهادات السياسية لتجنب المواجهة المباشرة مع ايران ، وترى ان الخطر الايراني لم يطالها وهو يقتصر على الدول المحيطة ، كذلك ترى بعض القوى الخليجية في خيار الانفتاح على ايران والتعاون معها سيكون حل لحماية المصالح الخليجية وان كان ذلك على حساب الدول المتضررة بشكل مباشر من ايران كالعراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين ،فيما ترى قوى خليجية اخرى ان انشغال الايرانيين في حروب استنزاف طويلة في العراق وسوريا واليمن وربما ستكون هناك ساحات جديدة سينأى بالخليج من الخطر الايراني وربما يستنزفه الى المستوى الذي يؤهل للخليجين التدخل الايجابي بدعم اشقاءهم العرب في الدول المتضررة ، كبديل عن المشروع الايراني .كما ترى قوى خليجية اخرى ان توثيق العلاقة الاقتصادية مع ايران وجلب رؤوس الاموال الايرانية الى السوق الخليجية للاستثمارات وكذلك لعب دور الوسيط في الملف النووي الايراني مع الغرب وامريكا سيكون بمثابة مقايضة وصفقة خليجية – ايرانية مقابل النأي بالخليج من المشروع الايراني وتدخلاته الخبيثة.وقد يحلم البعض أكثر من اللازم ويعتقد ان من بين الملفات التي تكون ضمن الصفقة الخليجية – الايرانية ان وجدت ، استعادة الامارات لجزرها الثلاث من ايران!.
كذلك لا نغفل الاشارة الى الطرف الاخر من المواضيع التي تشغل عقول صُناع القرار الخليجي ، حيث ترى بعض القوى الخليجية ان الخطر الحقيقي للنموذج الخليجي في المرحلة الراهنة الذي يهدد أمن واستقرار البيت الخليجي الواحد يتمثل بداعش والجماعات التكفيرية الاخرى أكثر من خطر التمدد والمشروع الايراني ، يبدوا ان هذه الفكرة عززت الأفكار لدى صناع القرار الخليجي الداعين الى إيجاد حلول سلمية مع ايران للنأي بالمصالح الخليجية عن الصراع الدائر في المنطقة.
كل تلك الأمور والرؤى الخليجية للنأي عن دائرة الصراع والاطماع الايرانية ، جيدة ، فيما لو كانت السياسة الاستراتيجية الايرانية القائمة على نظرية تصدير الثورة الخمينية تعتقد بذلك أيضاً ، ويعتقد بها صانع القرار الإيراني كما يعتقد بها صانع القرار الخليجي من مبدأ المصلحة الاستراتيجية المشتركة بين الطرفين ، أما التفاهم والتخادم السياسي الايراني – الخليجي الذي قد يكون فيه شيئا من الواقع ،لا يعبر عن التطلعات الاستراتيجية العميقة لإيران ، ولن يغير بطبيعة الحال من أهدافها الموضوعة سلفا ، لأن السياسات المرحليه تُبنى وفق متطلبات كل مرحلة ومدى حرجها مع بقاء الرؤية والسياسة الاستراتيجية العميقة . فأن كان صانع القرار الخليجي قد تلقى إشارات أو لديه تفاهمات مع إيران مع الاحتفاظ بتخوفات في نفس الوقت ، فأن عليه في الحال مراجعة الاهداف الاستراتيجية العميقة لإيران ،لأنه سيجد نفسه فريسة مؤجلة للمشروع الايراني ولن يكون على الاطلاق حليفا استراتيجيا في عقلية صانع القرار الايراني ، بل وأكثر من ذلك ان عقلية صانع القرار الاستراتيجي الايراني لا ترى العرب على أنهم شركاء حقيقين مع إيران في صناعة القرار الاستراتيجي للمنطقة.
أما صانع القرار الخليجي الذي يعتقد بأن التفاهم السياسي والتخادم بالمصالح مع ايران في المرحلة الراهنة ، التي هي مرحلة استنزاف للقوة الايرانية بالمنطقة، سيؤجل عنه الحرب الايرانية التي تدار بالوكالة و كلما مر الوقت على الايرانيين وهم منشغلين في حروبهم الاستنزافية في مناطق اخرى تتضاءل فرصهم بفتح الجبهة الخليجية ، فعليه اذن صانع القرار الخليجي ان لا ينسى ما حدث في البحرين والسعودية ، وان يقف جيدا على عمق الأحداث واستمرار التصعيد بالخطاب الايراني تجاه المنطقة العربية الخليجية!.
يبدوا ان صانع القرار الخليجي لم يستوعب إلى الآن أن الإيرانيون يستخدمون سياسة تصدير الأزمات وفتح جبهات متعددة في آن واحد ، ولن يقف امام اعينهم اي تفاهمات اذا ما اقتضت الضرورة بفعل ذلك ، وان مسألة السيطرة على المنطقة الخليجية تكون في قلب أهدافهم الإستراتيجية عاجلا أم آجلا . فالسياسة الايرانية تستخدم الخطاب المذهبي للتغطية على الاهداف الاستراتيجية للمشروع الاستعماري ، وتستخدم خطابا تحريضيا تجاه مجتمعات في الخليج ضد انظمتها الحاكمة ،لأنهم يهدفون من وراء ذلك للتدخل العميق من خلال نسج تحالفات مع مجتمعات خليجية بعيدا عن الانظمة وتقويتها على حساب الدولة لتكون يدا ضاربة لايران تؤدي بنهاية المطاف لاضعاف الدولة وتقديمها تنازلات لصالح ايران بشكل مباشر أو غير مباشر. كذلك من بين الأمور التي لا يصدقها صانع القرار الخليجي ، ان المنطقة الخليجية هي ضمن برنامج الاستهداف الايراني المؤجل ،وذلك لن يتغير على الاطلاق ، إلا في حالة تغيير النظام الحاكم في طهران.