عمر الجميلي
إن محاولة استقراء سريعة لسيل الدعايات الانتخابية المنتشرة هذه الأيام في اغلب محافظات العراق يوصلنا إلى فرضيتين رئيستين تحاولان إماطة اللثام عن ظاهرة إقدام أعداد كثيفة من المرشحين لخوض غمار هذه الانتخابات، أولى تلك الفرضيتين وكما تلخصه مضامين رسائل دعايات المرشحين الانتخابية تفيد بوجود رغبة صادقة في نفوس المرشحين لأداء خدمة عامة بكفاءة ومقدرة عاليتين، وبغض النظر عن مدى واقعية ومصداقية الشعارات المتشابهة التي تتبناها لافتات أولئك المرشحين على اختلاف مرجعياتهم الثقافية والسياسية فان مجرد الإعلان عن وجود الرغبة الصادقة لأداء خدمة للناس تظل فرضية مثالية لا يمكن أن تشكل وسيلة إقناع جيدة لعامة الناخبين لاسيما وان التجربة الانتخابية في العراق ما عادت بكرا وقد سبقتها دورتين لم تكن شعاراتها لتتقاطع جذريا مع شعارات المرحلة الراهنة.
أما الفرضية الثانية فتفسر الأمر برمته على أساس كونه وظيفة مرموقة متاحة للكثير من المتقدمين بشرط الحصول على أهلية مالية وقانونية محددة، ولاشك في كون هذه الفرضية تنم عن واقعية ودراسة وافية للظروف الموضوعية التي تحيط أجواء العملية الانتخابية الراهنة، كما أن هذا التفسير من ناحية ثانية لا يقدح في شخصية المتقدم المؤهل ولا في مشروعية طموحاته ؛ بيد انه يزيد من تعقيد مشكلة كسب الأصوات لديه لكون النزعة المثالية مازالت تتحكم الى حد كبير في عقول العدد الأكبر من المواطنين.
ولمحاولة تجاوز هذه المحنة وتدارك تداعيات تركز النظرة المثالية في أذهان الناخبين على المرشح المؤهل او بعبارة أدق “طالب الوظيفة العامة” أن يتبع سياسة الكشف عن سيرته الذاتية بجميع تفاصيلها التي من شانها استمالة هيئة الناخبين لإمضاء عقد الوظيفة المنشودة، إذن فلابد للمرشح ان لا يكتفي بإحراز الشروط التي نصت عليها لوائح وتعليمات قانون المفوضية العليا للانتخابات بل عليه إشهار كل ما يصب في صالح اختياره من قبل مواطنيه وفي مقدمتها إبراز المؤهلات العلمية والفكرية والمهارات المناسبة لنيل وظائف الرقابة والتشريع والإشراف على مؤسسات الدولة، مع ذكر التاريخ الوظيفي أو المهني للمرشح إن وجد.وكذلك ذكر أهم النشاطات والمشاركات الثقافية والسياسية التطوعية السابقة.والاهم من ذلك هو بيان البرنامج السياسي والاقتصادي للمرشح مع إيضاح نقاط التشابه والاختلاف مع برامج المرشحين الآخرين.هذه الأمور لم نلاحظها إلا في ” تحالف العربية ” اذ ركز التحالف في برنامجه الانتخابي على أهم مطلب جماهيري هو “تعديل الدستور” لان التعديل هو بداية التغيير الحقيقي نحو المستقبل المنشود وجعل آليات عمل لتنفيذ برنامجه الانتخابي نحو “المساوة، العدالة ،الكرامة ،المصير الواحد وتطوير الاقتصاد العراقي ومعالجة هموم المواطن العراقي ” .
وهذه الآليات مفقودة في البرامج السياسية والاقتصادية للكتل الأخرى .لان تثبيت آليات العمل يعني هناك خطة مرسومة وليس تنظير وترتيب نصوص متناسقة . وبالتأكيد سيتابعها الناخب العراقي الذي سينتخب “تحالف العربية “لان الشعارت لوحدها لاتكفي إذا ما قورنت بالفعل الجاد وهذا ما يحتاجه الشعب العراقي “المصداقية”. ولابد للناخب ان يضع نصب اختياره قدرة المرشح وكفاءته العالية على تقديم الخدمات المطلوبة .ويتوخى الحذر في إعطاء صوته الى العنوان الخطأ، وهذه الآلية تنفع عموم الناخبين سواء من يفضل اختيار مرشح معين أو قائمة بعينها فلا فرق في النهاية بين المرشح في كيان منفرد وبين المرشح ضمن قائمة تضم أسماء عديدة مادامت المعايير المعتمدة في التفاضل لنيل الوظائف العامة تسير وفقا لميزان دقيق يحدد المرشح الأفضل بناء على قاعدة إحراز المتقدمين لأعلى علامات النجاح في امتحانات القدرة والكفاءة الوطنية في أداء المسؤوليات لا أكثر من ذلك ولا اقل.