عزى بعض المفكرين والفلاسفة ان سوء تقدير حجوم والتأثير الذي ان تحدثه الاشياء والاشخاص في الواقع هو السبب المباشر وراء الوقوع في الخطأ ، لان لازم سوء التقدير هو الجهل بحقيقة الشيء وحماسة الدوغما “عدم المعرفة مقرونة بالانفعال” وغيرها مما سنعرض عليه في مقالنا الذي نخط سطوره على سبيل التعرف على ماهية الخطأ ومسبباته ومراحله وانواعه. الخطأ بشكل عام هو سلوك فقد البوصلة وخرج عن الطريق المرسوم للفعل او الحكم لا عند قصد “بسبب عدم العلم او مخالفة المعايير الناظمة او بسبب الغفلة” فتوصل الفرد الفاعل الى الوقوع فيما يخالف الهدف المقصود ، وكما يعرف على انه مخالفة القواعد أو أُصول علم، أو فن ونحو ذلك ، والخطأ من المفاهيم المجاورة للجهل ويعني بالخطأ ماهو ضد الصواب عندما تحكم على شيء بانه باطل بينما هو في الواقع حق او العكس … بينما الخطأ يمكن ان يتكرر ويصبح مرادف للذنب والخطيئة التي يجب التحرر منها ، كما يقول زهير الخويلدي في كتابه اشكال الخطاب الفلسفي العربي. من المهم ان نفهم ان الخطأ بنظرة شمولية هو مخالفة مافي الذهن لما في الواقع او التضاد الحاصل بين الفكر والاشياء في الواقع فينتج عن ذلك انحراف في السلوك عن مساره الطبيعي فيحدث ما نطلق عليه انه خطأ ، ويمكن عكس ذلك فينتج ما نسميه الحقيقة فالاخيرة هي مطابقة الفكر للاشياء في الواقع.
ولهذا عده البعض قصور من لدن المتعلم والناشط في قضية من القضايا في فهم أو استيعاب نسق التعليمات المعطاة له ،او ان الفاعل قد ترجَم سلوكيا بإعطاء معرفة لا تنسجم ومعايير القبول المرتقبة ، اوصلته بالنتيجة للوقوع في ما يخالف الضوابط والواقع والمعايير الظرفية فأوقعه ذلك بارتكاب الخطأ ، والخطأ كما يفهم منه هو عكس الصواب اي انه يقع في الوجه المقابل له في معايير الحقيقة التي تعني مطابقة الشيء او الفكر للواقع ،من المؤكد انه ليس عيباً “اقتراف خطأ” ونحن بهذا القول “لا نريد بذات الوقت تبرير الوقوع فيه” ولكنه على اي حال وغالباً ممارسة غير مقصودة “اي عمل من السذاجة” ان يقال ان انساناً يريد ان يقع في الخطأ عن عمد وقصد ، ناهيك عن كون الخطأ بعد تلمسه وتشخيصه هو بالحقيقة الوجه الثاني للصواب فلولا ان الانسان يبحث عن الصواب لما كلف نفسه الوقوع في ذلك ، وهنا يكون الخطأ خبرة اضافية ناجمة عن تجربة وممارسة ، وحتى انه ورد في القرآن الكريم هذا المعنى حيث جاء في الاية الكريمة قوله تعالى [وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ ].
فتحديد نقطة الصدع في نشأة سياق الخطأ وتشخيص نوعه يسهل مهمة البحث عن حلول مناسبة تجنبنا الوقوع فيه ثانيةً وثالثة،يقول زكي نجيب محمود في كتابه قصة الفلسفة الحديثة [ نعم قد يستسلم الإنسان للخطأ ولكنه لا يسعه رغم ذلك إلا أن يشعر بأنه مخطئ بمقدار أرتكاب الجريمة ولكني مع ذلك أعلم أنها جريمة وأحس في نفسي بعزم على عدم إرتكابها مرة أخرى ] وهذا ما نقصده في كلماتنا اعلاه من انه طبيعي في الانسان ان يركب الخطأ ويقع فيه ولعل ذلك يتلائم مع طبيعته الادمية ، ولكن ما لا يصح هو الشعور بالرضا حيال ان يقع في الخطأ مرة اخرى بمعنى ان يستخدم ذات الادوات والطرق وببليغ العبارة ان يستخدم ذات المخطط الذي اوصله الى الخطأ اول الامر ، بل عليه ان يتجنب ذلك ويعتزم “فعلياً” على عدم الوقوع فيه من خلال ممارسة السلوكيات والعمل وفق معرفة وتخطيط صحيح مسبقين فلذا [ انه يتوجب دراسة الاخطاء والاخفاقات بقدر الاهتمام ذاته الذي نوليه للنجاحات ] كما يقول الكسندر كواريه ، حتى يتم تلافي الوقوع فيها لان من اهم ما تبرزه المعرفة هو الكشف وتبصره الفرد عند ممارسة كل سلوك .
بيد ان للخطأ ايضاً انواع ولكن ليست هذه الانواع نتيجة لبيانات مكنت من اجراء حصر عقلي لاقسام الخطأ او انها تلزم بانها مطابقة للواقع دائما .وانما يصنف بهذا التصنيف نظراً لكثافته التأثيرية ومدى سعة وضيق ضرره ونطلق التسمية على هذا النحو ، وعليه يكون الخطأ نوعان هما ،الاول: خطأ تلقائي ، عفوي يحدث بسبب الجهل او استباق الحكم والتعجل بالامور ودون ان يكون له تأثير واسع النطاق او ضرر كبير مثل الاخطاء التي ترتكب في المهن والاعمال اليومية للافراد واخطاء التخطيط في تصاميم الاشياء وغيرها مما لا يتمخض عنها نتائج فادحة وضرر كبير .
والثاني: الخطأ الستراتيجي ، والذي نصطلح عليه ذلك لكون التأثير الناجم عنه يكون مكثف وضرره كبير ووقعه شديد ويمكن ان يتمدد في نطاق واسع ويعود على الافراد والجماعات بالخيبة فهو لا يشبه كل الاخطاء العابرة التي يمكن التي يمكن اهمال اعادة النظر والتفكير فيها ، ومثل هذه الاخطاء تكون في العمل السياسي والمعرفي فمثل هذه الاخطاء قد يكون تأثيرها السلبي كبيراً يدخل بلدً ما في دوامة من الارباك ويعود على الامن الاجتماعي بالتوتر المستمر وعلى المنظومة السياسية بعدم الاستقرار ، وكذلك من الاخطاء الستراتيجية ما يقع في مجال المؤسسة الدينية والمؤسسة المعرفية والتعليمية والتربوية فهما عندما يقعان في الخطأ فأن ذلك يعود على مجتمع برمته بالضرر ويربك هذه الاجهزة ويجعلها محط فقدان الثقة ويحدث شرخ كبير بينها وبين المواطنين وجماعات البلد والمنظومة الاجتماعية او السياسية.
الاعتراف بالخطأ اولى الخطوات في طريق تحقيق النجاح ، الاعتراف المحكي عنه بمعنى من المعاني هو دليل على حسن نية المخطئ في كونه كان قاصداً لما هو صواب ، وحصل ان تعجل او جهل قوانين الممارسة فأدى به ذلك لاقتراف الخطأ ،اما التبرير للخطأ في محاولة لايهام الاخرين انه فعل صواب فهو تخطيط لتكرار الخطأ وفشل اخر يضاف الى سلسلة الاخطاء التي يرتكبها انسان بحق نفسه اولاً وبحق للاخرين ثانيا. وليس بالضرورة ان يفهم ان الاعتراف بالخطأ يكون على شكل خطاب تعبيري او استعمال شبكة من النصوص للتعبير عنه وانما قد يكون الاعتراف بالخطأ على شكل اعادة لتنظيم ممارسة الاشياء بالواقع عبر تجاوز السياق الذي ادى للاخطاء السابقة من خلال ايجاد نسق مختلف جديد مبني على اسس معرفية واستشارة خبرات في المجال المراد العمل عليه ، وهنا يضرب كونفوشيوس فيلسوف الصين مثالاً على ذلك ويقرن بين الحكيم ورامي السهم اذا اخطأ رميته في دلاله رمزية بأن الخطأ يدل على الصواب اذ يقول ( ان الرامي يمكن ان يقارن بالحكيم في بعض المواضع فاذا اخطأ الهدف الذي كان يريد اصابته فليفكر في نفسه وليبحث فيها عن اسباب الاخفاق ) وذلك البحث يكسب الانسان مزيداً من المعرفة وتجنباً من الوقوع في الخطأ في المستقبل فلذا وسمه بالحكيم.