أثار تصريح لوزير المالية، مشحون بالتحدي والاستفزاز دفاعا عن قراره بخفض قيمة العملة الوطنية بقوله أنه قرار حكومي لا يمكن تغييره، الغضب لدى السلطة التشريعية، ولم تمر سوى 24 ساعة على تحدي واستفزاز الوزير علي علاوي، حتى جاءه الرد الفوري والواضح والصريح من النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي خلال ترؤسه جلسة المجلس يوم الثلاثاء الماضي (“الأخبار”، 2-3 آذار 2021). سأضع التصريح والرد في صورة حوار مُتخيل بين الرجلين أمام محكمة المنطق الاقتصادي السليم والصواب السياسي المسؤول والإنصاف الاجتماعي (الاقتباس بين مزدوجتين):
علاوي: “القرار حكومي مرتبط بين وزارة المالية والبنك المركزي ولا يمكن تغييره”!
الكعبي: السلطة التنفيذية جزء من الحكومة، وقرارك غير دستوري وخاضع لمراجعة ومصادقة سلطتها التشريعية!
علاوي: “اتخذنا القرار بعد أشهر من المناقشات وحتى الجدل مع أطراف محلية ودولية”!
الكعبي: لم تُشرك بالنقاش منْ سيتأثر مباشرة بقرارك – “المواطن والاقتصاد”!
علاوي: “هذا السعر مهم جدا ويعطي خلال السنين المقبلة الحوافز إلى القطاع الخاص”!
الكعبي: مُهم جدا لمنْ؟ هل تريد بيع القطاع العام والثروة النفطية الوطنية بالدينار الرخيص؟
علاوي: “الأسواق تقبلت سعر الصرف الحالي”!
الكعبي: أي قبول تتحدث عنه؟ أُخرج من مكتبك وأنظر ما أصاب أسواق الغذاء والدواء والخدمات بعد قرارك خفض قيمة العملة الوطنية!
علاوي: “هناك أطراف استفادت من القرار، وأخرى تضررت مثل المقاولين”!
الكعبي: لا أعرف أحدا ممنْ استفاد من قرارك الأخرق، ولكني أقول لك: “إن رفع سعر صرف الدولار أثر بشكل سلبي كبير جدا على حياة المواطن العراقي والاستقرار الاقتصادي بشكل عام، ولابد من وقفة جادة وعاجلة لجميع أعضاء مجلس النواب واللجنة المالية النيابية للرجوع إلى سعر الصرف السابق”!
… لن يجد الوزير علاوي شاهدا واحدا مُستفيدا من قراره في محكمة المنطق والصواب والإنصاف، ولكن بالمقابل سيجد المُشَرّع الكعبي شهود الإثبات من رجال أعمال الاقتصاد وملايين الكسبة وأصحاب الدخل المحدود والفقراء المُتضررين!
ثانيا. شاهد الزور … ما هي مقاصده:
واصلت محكمة المنطق والصواب والإنصاف النظر في قرار وزير المالية بخفض قيمة العملة الوطنية، بعد أن أحضر وبسرعة سياسية لافتة شاهدا أجنبيا من صندوق النقد الدولي ممثلا برئيس مكتبه الإقليمي غازي الشبيكات: “إن الورقة البيضاء تعرض تقييما صريحا للاختلالات الجذرية في الاقتصاد العراقي.. وأن تعديل سعر الصرف سيخفض الاختلالات في الحسابات والمدفوعات الخارجية وكذلك العجز في الموازنة” (“الأخبار”، 4/3/2021). طلب “المواطن” جواد الكعبي الإذن من المحكمة ليدلي بشهادته كتعقيب على شهادة الشاهد “الأجنبي”:
اختلال هيكل الاقتصاد ليس وليد اليوم، عمره عدة عقود وأسبابه اقتصادية وسياسية بنيوية، ولا يمكن لخفض قيمة العملة أن يُعدّله خلال سنة الموازنة وما بعدها!
لا يمكن تخفيض الاختلالات في الحسابات والمدفوعات الخارجية بواسطة خفض العملة… ما يخفضها حقا هو زيادة التصدير وخفض الاستيراد بإيجاد بدائله محليا … وهذه شروطها غير متوفرة الآن ولا يتوقع توفرها خلال سنة الموازنة وما بعدها!
ليس من المنطق الاقتصادي السليم أن تقوم دولة بوضع موازنة هائلة لا تتوفر موارد كافية لتمويلها… ليجري بعدها تمويل عجزها بخفض قيمة عملتها الوطنية!
ليس من الصواب السياسي المسؤول لدولة أن تقوم بتجويع شعبها اليوم بخفض قوته الشرائية وتقويض استقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي… بانتظار إصلاح مشكوك بنجاحه بعد عدة سنوات!
ربما الشاهد الأجنبي لا يعلم أن اقتصادنا مُصاب بالفساد المُشَرّعن وغير المُشَرّعن ومنذ أمد طويل … ولا يوجد ضمان أن لا يندرج قرار خفض العملة تحت عنوان الفساد!
لتسمح ليّ المحكمة بطرح سؤال مُحدد على الشاهد الأجنبي: لماذا يُساند ويُبارك إصلاح اقتصاد ميت سريريا بحقنة “خفض قيمة العملة” … المُميتة لأهله؟
… لم تحصل المحكمة على جواب من الشاهد الأجنبي، ولكنه مع صاحبه طلبا منها “عطوة سياسية”. في الوقت نفسه، طلبت المحكمة من الشاهد “المواطن” مساعدتها في فهم الكيفية التي سيستخدمها أصحاب موازنة 2021 لتحقيق موازنتهم في أرض الواقع. وافق الشاهد “المواطن” على الطلب، وعَرَضَ الكيفية المطلوبة في صورة معادلة لآليات الموازنة المذكورة كما في أدناه.
بموازنتها الهائلة وغير المتوازنة شكلا ومضمونا، أوهمت الحكومة الناس بقدرتها على معالجة الاختلال الهيكلي للاقتصاد المتوارث منذ نصف قرن خلال سنة الموازنة، ولم تعلن عن آلياتها لتحقيق ذلك، ولكنها أشهرت أدوات تمويلها: خفض قيمة العملة الوطنية، خفض رواتب الموظفين والمتقاعدين، فرض الضرائب المختلفة، الاقتراض الداخلي والخارجي، خصخصة مؤسسات القطاع العام والثروة النفطية الوطنية. في أدناه الآليات السبع لمعادلة الموازنة كما أراها، مُدرجة حسب منطق تتابع فعلها في تكوين العبث الدستوري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي الكامن والواضح للعيان في الموازنة:
1) استغفال: ادَّعوا أن مهندس الموازنة رابع عبقري في العالم… وصدقوا أنفسهم بأنه “المُنقذ”!
2) جهل: ادَّعوا حل مشكلة اختلال الاقتصاد المُزمنة في سنة، وعافوا معول هدمه… الفساد!
5) كرم: هتف بعضهم أعيدوا لنا سعر الدينار القديم… وخذوا أرباح تغيير سعره لأنفسكم!
6) توافق: قالوا لتذهب العلوم والتجربة العالمية والدستور للجحيم… لدينا آلية التوافق السياسي!
7) بخت: زعموا أن رئيسهم مبخوت وسينجحون… وهو زعم ينقصه البرهان والتجربة والدلالة!
… تُثير الكتابة العلمية عن ظاهرة أو سلوك أو سياسة خرقاء في نفسي الحزن بدلا من المتعة، ولكني أجد العزاء في الاكتشاف والمُشاطرة كشاهد حيّ على سلوك وسياسات وشخوص تتعمد إنتاج وإعادة إنتاج … طياح الحظ المستديم والشاخص للعيان منذ زمن طويل … بلباس التغابي والفهلوة والبخت المفقود!