محمد علي
أقول لكم بصراحة مؤلمة، لقد اسأنا للإسلام كثيرا، وأسأنا لرسالة محمد كثيرا، وأسأنا للقرآن كثيرا ) )
(لا مشكلة بين السنة والشيعة كمجتمعات، أن السياسيين في البلاد هم من يفكر بسنة وشيعة، ونجر الناس إلى هذه المهلكة) تلك كانت مقتطفات من كلمة نائب رئيس الجمهورية السيد نوري المالكي في احتفالية المولد النبوي الشريف في مجلس النواب الأحد الماضي ، تعتبر هذه التصريحات صريحة جدا وخطيرة ونادرا ماتصدر عن مسئول عراقي ولاينبغي أن تمر مرور الكرام عند رجل الشارع العادي المعني الأول بفحوى الكلمة خصوصا انها تثير تساؤلات عديدة عن توقيتها ومغزاها ودلالاتها ، هل هي لعبة جديدة يحاول من خلالها الرجل ترميم صورته أمام الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي ؟ وهل كلامه يشمل جميع الأطراف السياسية ؟ أم انه وكالعادة يستثني نفسه وحزبه وائتلافه من تحمل المسئولية ، ثم أين كانت هذه الغيرة على الاسلام ونبيه وكتابه ؟ وهو الذي كانت مبادئه وأحكامه وقواعده تنتهك يوميا الألاف المرات ولعقد من الزمن من قبل شحصيات تعتبر الدين الحنيف خلفيتها السياسية ، أم تدخل هذه الكلمات في سياق صحوة ضمير متأخرة ؟ لكون السيد المالكي وجوقته تحديدا كانوا ممن أرهقوا مسامعنا طوال السنوات الثمان الماضية بسلسلة من التصريحات النارية التي أججت بالتوازي مع سياساته نار الفتنة الطائفية في العراق ، واذا كان الأمر كذلك كان يجب على السيد النائب وهو من قسم العراقيين الى معسكري الحسين (ع) ويزيد وأفترض وجود بحر من الدماء بينهما أن يذيل تصريحاته التاريخية بالاعتذار للشعب العراقي أصالة عن نفسه ونيابة عن حزبه وحكومته السابقة عن مجمل الأقوال والأفعال التي أسهمت في التحريض والعنف الطائفي الصادرة عنه ومن معه طوال سنوات حكمه اذا كان صادقا في نواياه ، حينها كنا سنرفع القبعة احتراما له لكونه سيغدو علامة مميزة في التاريخ العراقي الحديث في ظل انعدام ثقافة تحمل المسئولية والاعتذار والاستقالة لدى المسئول العراقي (الذي لايعبئ كثيرا بحياة المواطن العادي) فالوعي الجماعي العراقي مستعد دوما لتخوين مدن ومناطق وطوائف بأكملها في سبيل عدم تحميل القائد أو الرئيس تبعات السياسات الخاطئة و الهزيمة والانكسار .
ان تصريحات من هذا القبيل تمثل دليل ادانة واضحة للطبقة السياسية الحالية وللعملية السياسية برمتها مع تناقص تدريجي في احتمالية الحفاظ على وحدة التراب العراقي من جرائها .
حيث تسعى النظم السياسية المختلفة حول العالم جاهدة وباستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة الى توحيد شعوبها وحماية أراضيها في الوقت الذي تبدو فيه العملية السياسية في العراق استثناءا من هذه القاعدة العامة حيث دمر الاحتلال الامريكي مؤسسات الدولة العراقية بحجة اسقاط النظام القائم ومحاولا انشاء مؤسسات جديدة فشلت الكتل السياسية في بنائها بصورة صحيحة بل وأضعفت من خلالها مفهوم الهوية الوطنية رافعة هويات مذهبية وعرقية فرعية على حسابها وفارضة صيغة حكم تتشارك فيها كافة الأطراف المحلية على طريقة المحاصصة لنيل الحقوق وهو ما أدى الى تقسيم المجتمع اثنيا وطائفيا ولتكون المحصلة عدم رضا جميع المكونات عن مآلات الأمور الحالية ، بل ومطالبة بعضها بالانفصال عن الجسد الأم !!! رغم تحول الأمر برمته لعملية تقاسم لكعكة السلطة بين مجموعة أحزاب متنفذة ، وليبدوا واضحا للعيان خطأ المسار الذي سرنا فيه منذ العام 2003 في بناء الدولة وهو المسار الذي مازال البعض من أصحاب المصالح الحزبية الضيقة يدافع عنه باستماتة رغم وصول الدولة التي ينخرها الفساد من جراء هذا التخبط الى حافة الانهيار الصيف الماضي تحت وطأة ضربات الارهاب والذي كان نتيجة متوقعة لضعف المؤسسات الرسمية و تصفية الهوية الوطنية بشكل منظم وصبغ الدولة والمجتمع بصبغة الطائفية.
ان تصحيح مسار العملية السياسية والتي لن يرحمها التاريخ بات أمرا حتميا وهو يعتمد في الدرجة الأولى على وعي المواطن العراقي فقد ولى زمن الانقلابات العسكرية ولم يعد ممكنا الاستعانة بالأجنبي المحتل لتحقيق طموحات الشعب في مستقبل أفضل مع التأكيد على عدم التعويل على مثل هذه التصريحات المثيرة والتي تأتي بعد خراب البصرة ولذر الرماد في العيون خاصة مع عدم كشف السيد المالكي لسر خفي أو اختراعه لشيء جديد ، فما قاله كان معروفا وواضحا لدى الكثيرين منذ زمن طويل ، لكنه قد يسبب صدمة لأنصاره ومؤيدي القوى السياسية الأخرى الشيعية والسنية والكردية على حدا سواء والتي وللانصاف لا تختلف كثيرا عن رئيس الوزراء السابق خصوصا في مجال الطائفية ، وهم مطالبين (أي الأنصار والمؤيدين والمستفيدين) قبل غيرهم باعادة حساباتهم خلال الأربع أعوام القادمة بعد اتضاح الصورة للجميع قبيل الانتخابات المقبلة .
فعلا أيها السيد النائب لقد كان تصريحك الصريح هذا أصدق ماقلته في حياتك السياسية على الأطلاق وهو مانود حقا شكرك عليه وأقتبس هنا عن شاعر العرب محمد مهدي الجواهري ما أختم به قولي وأوجه لساسة العراق بدون استثناء (لولاكم ماحل الخراب بأرضنا ولاذبحوا الولود من الوريد بروضنا ولا لعب الطغاة بأرضنا وعرضنا) .