سعد كمبش هو الرئيس السابق لديوان الوقف السني في العراق. كمبش كان نائبا لرئيس الوقف السني قبل أن يودع في السجن الذي هرب منه بطريقة لم تكشف عنها السلطات الأمنية. أما حين تم إلقاء القبض عليه بعد يومين على هربه فإنه فضل الذهاب مع عزرائيل في رحلة أبدية. مات كمبش الذي كان متهما بالتصرف بـ36 مليون دولار.كان كمبش معتقلا في السجن المخصص لفاسدي الطبقة السياسية. سجن خمس نجوم فيه كل ما يحتاجه رجال الأعمال من متطلبات بالرغم من أن نزلاءه هم عبارة عن حفنة من اللصوص الذين لو كانت هناك دولة حقيقية لما كان حلمهم يتجاوز الدرجات الدنيا من سلم التوظيف فيها. لقد صاروا قادة تسيل بين أيديهم الأموال بسبب نظام محاصصة طائفي فرضته الولايات المتحدة على العراقيين واستفادت منه طبقة كانت تنتظر بلهفة سقوط الدولة لتقع ثروة العراق بين يديها.
الرواية الرسمية تقول إن كمبش كان قد اشترى (بإيعاز من رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي كما تقول الرواية المجاورة) فندقا في أربيل هو عبارة عن كازينو للقمار وبيت للدعارة بأموال الوقف السني. ولأن ذلك الفندق يقع ضمن أراضي الإقليم الكردي فإن حكومة بغداد لن تتمكن من السيطرة عليه. لا يرغب أحد في أن تكون هناك أزمة مزدوجة بين المكونات الشيعية والسنية والكردية بسبب فندق. لذلك كان الأفضل الاكتفاء باعتقال كمبش وسجنه أربع سنوات ومن ثم تنتهي الفضيحة.
كان هروب كمبش من سجنه ميسرا. كما أن القبض عليه في الموصل قبل أن يهرب إلى الإقليم الكردي ومن خلاله إلى تركيا لم يكن صعبا. غير أن موته كان هبة مجانية لكي يُطوى الملف كله. ذهب كمبش. ذهبت معه الأموال المسروقة. ليست هناك ضرورة للتفكير في الفندق الذي استثمرت فيه أموال الوقف السني. سيكون هبة من حكومة بغداد لحكومة أربيل مقابل تكتمها على ما جرى. ذلك لأن كمبش وقد مات مضى بالأموال التي سرقها وليست هناك ضرورة للكشف عمَن وقف وراءه.
لم يكن كمبش مجرد واجهة. كان الرجل بعنوانه مرجعية طائفية يستند عليها نظام المحاصصة. وهو في ذلك إنما كان يمارس سرقاته لا ليسرق الوقف الشيعي، بل ليكتفي بحصته التي نص عليها نظام الطوائف. لسان حاله يقول “سرقوا حصتهم وعلينا أن نسرق حصتنا”. كان كمبش فاسدا في حفلة فساد كبرى.هل كان كمبش ضحية تجاذبات بين أطراف، وجدت في التضحية به نوعا من الحل؟ من الصعب إطلاق صفة ضحية على فاسد احترقت ورقته قبل أن يتم سجنه. فلقد سبق أن أزيح الرجل من منصبه ليحتفظ بمنصب قد يكون رمزيا. كان ذلك إنذارا هو جزء من حكاية سينشغل بها العراقيون عن أوجاعهم وهمومهم وعذاباتهم اليومية التي لا نهاية لها.
ولأن الصراع بين الفاسدين في العراق يأخذ طابعا طائفيا فإن هناك كثيرين يعتقدون أن كمبش هو ضحية مؤامرة طائفية. وهو ما يجعلهم يتعاطفون معه متناسين حكاية الفندق الذي سيطوي النسيان ملفه كما طوى ملفات أكثر ضخامة منه في الماضي. وكل ما يجري من نسيان للحقائق إنما هو جزء من تبعات النظام الطائفي الذي لا يرى في الوطن إلا فريسة تتقاسمها الأحزاب التي تم تكليفها باحتكار حصص الطوائف من غير أن يكون للعراقيين رأي في ذلك.
اختفى كمبش بموته كما اختفى الكثيرون من قبله بموتهم أو بهروبهم خارج العراق أو باكتفائهم بما غنموه. سلسلة تجر أخرى في بلاد، أسقط الأميركان دولتها ودمروا بنيتها التحتية ومزقوا نسيجها الاجتماعي وشوهوا قيمها الإنسانية قبل عشرين سنة من غير أن يسمحوا لأبنائها على الأقل بإعادة بنائها على أسس وطنية. فـ”الوطنية” هي المفردة الأقل استعمالا في العراق بل إنها غائبة بشكل كلي عن الخطاب السياسي الرسمي العراقي.
حكاية كمبش لن تكون الأخيرة. وقد لا تكون الأهم بعد فضيحة ما سُمي بـ”سرقة القرن” التي نتج عنها اختفاء أكثر من مليارين ونصف المليار من الدولارات التي لم تتخط الرقم القياسي للأموال المنهوبة من العراق بالرغم من كل ما أحيط بها من دعاية، كان الغرض منها إلهاء الشعب العراقي عن مهزلة تخلي مقتدى الصدر عن أصوات ناخبيه والتبرع بها للأحزاب الموالية لإيران والتي تحكم الآن تحت لافتة الإطار التنسيقي.