عن الحشد الشعبي ينبغي الاعتراف بأن أغلب المجندين فيه ليسوا عقائديين، ولا مؤمنين بولاية الفقيه، ولا بأي شيء آخر سوى المبلغ الذي يُدفع لهم في نهاية كل شهر لإعالة أسرهم، ولحمايتها من العوز الذي يعاني منه أقرانهم وأقرباؤهم وأصدقاؤهم الآخرون العاطلون عن العمل.ومع ذلك فهؤلاء ليسوا أبرياء مما يُخطِط له ويأمر به قادة المليشيات المنضوية تحت خيمة الحشد، وذلك لأنهم جعلوا من أنفسهم أدواتٍ لتنفيذ ما يأمر به الكبار، وأغلبه مخالفٌ للشرع وللقانون والشرف والضمير، وهم غافلون أو غير غافلين.
وعلى مدى أعوام عديدة والشعب العراقي يخرج متظاهرا، كل عام، غاضبا يطالب حكومة المنطقة الخضراء بالعدل والإنصاف، وبوقف المخالفات والتجاوزات وجرائم الاختطاف والاغتيال والاستغلال، وبحصر السلاح بأحهزة الدولة، وبحل الحشد الشعبي أو إبعاده عن حياة الناس وكراماتهم وأرزاقهم، ولكن دون جدوى.
ورغم كل ذلك فقد كان هناك عراقيون، وما زالو، يرفضون اتهامات مليشيات الحشد الشعبي بالتغوّل والتسلط على الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية، ويعتبرونها دعاية استعمارية أمريكية وصهيونية، كما يرفضون، بقوة وعصبية، اعتبار العراق دولةً محتلة، وخاصة حين يُذكر اسم قاسم سليماني ويُحمَّل المسؤولية عن الجرائم والكوارث والدماء والخراب الذي شهدها العراق في السنوات العشر الأواخر.
وذلك لأنهم مؤمنون بأخوة إيران، وقدسية ولاية الفقيه، وحريصون على وحدة الطائفة الشيعية في العالم، بقيادة حسين هذا الزمان، الإمام علي خامنئي، ومن أجل الحفاظ على حكمها القائم في العراق وإيران، وعلى حكمها المحتمل الموعود في سوريا ولبنان واليمن وبلاد أخرى منها البحرين وشرق السعودية والكويت.
إنهم يرون أن الحكم العراقي الحالي، بكل مثالبه وتخبطاته وفشله وعدوانيته وفساده، هو الحكم الذي ينبغي الدفاع عنه، وعدم السماح بإسقاطه، لأي سبب، وبأية وسيلة أو ذريعة، لأن سقوطه يعني أن الطائفة هي التي ستسقط معه، ولن تقوم لها قائمة، من الآن وإلى مئات السنين.
ولكن هذا هو ما كان عليه الحال إلى ما قبل شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وانفجار الجموع (الشيعية) العفوية الغاضبة على الحكم (الشيعي) الذي جوعها وأفقرها وأذلها وسرق خيراتها وأغرقها بالمياه الآسنة والظلام والجريمة والمخدرات، وسهَّل لإيران احتلال بلادها وإذلالها وسلب إرادتها ونهب خيراتها بدون مقابل.
ثم جاءت المذابح التي فاجأ بها الملثمون (الحشديون) بسكاكينهم ومسدساتهم الكاتمة وقنابل دخانهم المميت، (أشقاءهم) (الشيعة) المتظاهرين المسالمين في السنك والخلاني ليتأكد للملايين من أبناء أبناء محافظات الطائفة ومدنِها وقراها أن اعتبار الحكم الحالي حكمَ الطائفة خرافة، وأن القول بأن الاحتلال الإيراني للعراق هو من أجل خدمة الطائفة والحفاظ على بقائها والدفاع عن قيمها وعقائدها كذبةٌ كبيرة لن تنطلي، بعد تشرين الأول والثاني، على أبسط مواطن عراقي شيعي اكتشف أن الحرية والعدالة والنزاهة في حكمٍ وطني عراقي مستقل هي الضمانة الوحيدة لكرامته ولقمة عيشه،والأكثر خدمة لطائفته، والأشد احتراما لحريته العقائدية، وأسلم.
ومن أول تشرين الأول الماضي أصبح يقينا ثابتا وراسخا لدى العراقيين، والشيعةُ قبل غيرهم وأكثرَ من غيرهم، أن النظام القائم في المنطقة الخضراء، بأحزابه ومليشياته، ليس عراقيا، ولا شيعيا، ولا إنسانيا، أبدا أبدا.
ولو سألت أي مواطن، سواء كان متظاهرا أو غير متظاهر ضد النظام الحالي، لوجدته غاسلا يديد تماما من هذا النظام، ومن الشقيقة الكبرى، إيران، ومعتبرا أنْ ليس هناك أحدٌ في المنطقة الخضراء، (من رؤساء ووزراء ونواب وقادة كتل وأحزاب ومؤآزرين متشاركين في الوليمة من سنّة السفارة الإيرانية وكردها)، له قيمة لدى حملة السكاكين والعصي والمسدسات وقنابل الغاز السام. فخدم قاسم سليماني، (هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي وفالح الفياض وأبو مهدي المهندس وعادل عبد المهدي) هم الأقوى والأكثر هيبة من كل الدولة العراقية، برؤسائها ووزرائها ونوابها وضباط جيشها وأمنها المفقود.
مناسبة هذا الكلام إقدامُ بعض المتظاهرين الحمقى في ساحة الوثبة ببغداد على تعليق جثة واحدٍ يُقال إنه مندس وإنه قتل بعض المتاهرين.
إن هذه إشارة لا تبشر بالخير، لأن تصرفا من هذا النوع، سواء كان عفويا أو من تدبير (الطرف الثالث) الذي حاول وما زال يحاول أن يجرّ الثورة إلى الغوغائية والحماقة والفوضى سوف ُتسهل على إيران وأذرعها الجاهزة للاستخدام ذبح هذه الثورة، والفتك بثوارها الشرفاء الآخرين، فينتصر الباطل على الحق، وتدخل القضية الوطنية العراقية في تابوتها الجديد، إلى أن يأذن الله بغيرها بعد سنين.
فالنظام الإيراني المتخلف المتعنت المسكون بالشر وعشق الدماء، والمتعالي على العراقيين، والمصرّ على امتلاكهم عبيدا بلا إرادة ولا كرامة، والمتمسك بسياسة القتل والحرق والخنق، وبتسليط المليشيات على الرافضين والغاضبين، حتى وهُم من أبناء الطائفة التي يزعم بأنه جاء لإنصافها ونصرها على أعدائها أحفادِ معاوية ويزيد، ليسفي وارد التعلم من نكساته المتلاحقة فيجنح للعقل والضمير، ويترك العراق لأهله المسالمين الذين لا يحملون لجيرانهم غير المودة والجيرة الحسنة والعيش بسلام.
أيها الثوار العقلاء الشرفاء، إنه متربص بكم، متأهب للانقضاض عليكم، فتنبهوا، واحذروا الانجرار إلى الفوضى والحماقة، فوراءكم شعب عراقي كامل يخاف عليكم، ويقدس شجاعتكم، وينتظر انتصاركم، يوما بيوم، وساعة بساعة، فهل أنتم فاعلون؟؟؟