ابراهيم الزبيدي
ثلاثة فرقاء تحدثت عن الاتفاق الإيراني الأمريكي الأخير. فريق العشق الإيراني عده نصرا ربانيا حققه الولي الفقيه، بتوجيهاته وحكمته وشطارته. أما الأسرع في الزغردة للاتفاق الإيراني الأمريكي من أعضاء هذا الفريق فقد كان بشار الأسد وفؤاد معصوم وحيدر العبادي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحسن نصر الله ونبيه بري والحوثيون، وآخرون كثيرون ممن بنى أمجاده الزعامية ببركات العباءة الإيرانية، ودعوات الولي الفقيه وهداياه وسلاحه وجنوده.
أما فريق الحقد العربي العنصري الطائفي المغلق نهائيا على كل ما هو إيراني، سواء كان أبيض أم أسود، صالحا أم طالحا، فلم يجد في الاتفاق، دون الاطلاع على ملاحقه السرية، سوى باب جديد لجهنم جديدة ستأكل نيرانها الحارقة أخضر الأمة العربية ويابسها، ومنطقة الشرق الأوسط برمتها. وأكثرُ المتشنجين من هؤلاء ساسةٌ وكتابٌ ومحللون يأكلون خبزهم من نظرية أنصر أخاك الحاكم العربي على إيران، ظالما أو مظلوما، (وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ، كما أن عين السخط تبدي المساويا).
وبين هذا وذاك هناك فريق ثالث من دعاة الحوار والسلام الأبله أو المصطنع وصف اتفاق الشيطان الأكبر مع الدولة المارقة بأنه معجزة. وبشرنا بأنْ ما من محبة بعد عداوة، وأن أسهل الأمور تحويل عدو الأمس إلى صديق اليوم بالتسامح على طريقة (من ضربك على خدك الأيمن أدر له الأيسر) ليشبعه ركلا ورفسا وعضعضة.
والحقيقة أنْ لا أحد من أعضاء الفرقاء الثلاثة، ولا من الغارقين في علم السياسة، في العالم كله، يستطيع التنبؤ بما يحمله الآتي من الأيام.
نعم، لا أحد، إلا الأحمق أو الشرير، لا يتمنى أن تهدأ الخواطر، وأن تستفيق العقلانية في المجانين، وأن يتوب المذنب، وأن يسغفر ربه وعباده، وأن تولد في أعماقه الرحمة والعطف والحق والسلام بعد خراب البيوت.
فمغفلٌ أو مزورٌ من يحلم بأن النظام الإيراني يستطيع أو يريد أو يجرؤ على تغيير دمه، وتبديل لحمه وعظمه، وهو يعلم بأن التخلي عن قبضته الحديدية الضاربة هو انتحار أكيد.
بمعنى آخر. لا يستطيع ولا يريد ولا يجرؤ على أن يتحول إلى نظام مدني يحكم دولة داخل المجتمع الدولي، تلتزم بأصوله وأعرافه وقوانينه السائدة، وهو الذي أقام وجوده كله على ثقافة المكاسرة والتطرف، منذ ولادته عام 1979، وعلى احتلال السفارات، واحتجاز الرهائن، وقتل المخالفين، حتى لو كانوا من عظام الرقبة أتباع الإمام الراحل والولي الفقيه، وقمع القوميات والأديان والطوائف غير الفارسية الشيعية، دون رحمة، وخلق الأزمات وإشعال الحروب لإرهاب شعوب الخارج.
فهل يمكن أن يتخلى النظام الإيراني، طواعية، عن العراق، مثلا، ويترك العراقيين يختارون حكامهم بحرية، خصوصا في ظل وجود البعبع الداعشي المختلَق الذي تخذه قاسم سليماني ذريعة لتكديس عساكره الغازية في العراق بحجة مساعدة العراقيين على تحرير بلادهم من الاحتلال؟
وهل يحمل عصاه ويرحل عن سوريا ويترك بشار الأسد لكي يسقط في ساعات تحت أقدام الجيوش والفصائل المتدفقة، فيقطع (سبيل المعروف) عن ذراعه الضارب في لبنان وسوريا والعراق واليمن ولبنان، حسن نصر الله؟ وهل يرفع يده عن اليمن تماما، وعن البحرين وفلسطين؟
إن المتوقع والأكثر معقولية ألا يتخلى عن هذه الأوراق الأمنية الاستراتيجية العديدة التي اكتسبها، بعرق الجبين. بل سوف يزيد من تمسكه بها، وربما يعمل على كسب أوراق جديدة أخرى، مستفيدا مما سيوفره الاتفاق الجديد الذي لم يشترط أن تتخلى إيران عن دعمها للإرهاب، وتتوقف عن تدخلها في دول المنطقة، مقابل رفع العقوبات وإعادة أموالها المجمدة.
السؤال الأهم، هل لدى أوباما أمل، بأي مقدار، ومن أي نوع، في أن نظاما من هذا النوع يمكن أن يتغير؟ وهل هو يريده أن يتغير؟ وهل يريد باتفاقه أن يعيد الاستقرار إلى المنطقة، أم يزيدها اشتعالا وضراوة، خصوصا وهو يعلم بأن ربح إيران لا يجعله يخسر العرب، وذلك لأنهم في جيبه الصغير، مهما فعل بهم، ومهما لم يفعل. خصوصا وقد ثبت له أن إيران قوة انتزعت مكانها، في قلب النفوذ الأمريكي، بالمعاندة والمشاكسة وليس بالرضوخ والتذلل والهوان، وغزت نصف المنطقة دون مقاومة جدية فاعلة تحسب له أي حساب؟.
إن أكبر الظن أن مكرا كبيرا يحيق بالمنطقة، وأن الذي يراد لإيران، بهذا الاتفاق، ما أريد لقابيل. ولا عزاء للمغفلين ولا للضعفاء.