قال “كل ما في العراق من سيئات هو من صنع أميركي”. أحاول أن أشاكسه: “ولكن إيران هي المهيمنة على كل شيء من خلال أتباعها”، فيقول معاتبا “كأنك تسخر مني. ومَن جاء بأتباع إيران إلى الحكم؟”.
سؤال ليس في حاجة إلى إجابة.
مرت السنوات العشرون الماضية ثقيلة على الشعب العراقي الذي كان كعادته في انتظار الفرج. ذلك ما كان قد فعله عبر ربع قرن من الزمن، حكم فيه صدام حسين رئيسا. صنع الرجل ضرورته من خلال حربين ضاريتين فقد العراق فيهما مليونين من شبابه وكانت يد الولايات المتحدة ممدودة من تحت ومن فوق. مرة وهي تمده بالمعلومات الاستخباراتية وأموال حلفائها ومرة أخرى وهي تصفعه ليذهب إلى هلاكه.
لم يتمتع العراقيون بثروتهم حتى في سنوات ما قبل الحروب وهي السنوات التي شهدت صعود صدام حسين باعتباره قائدا لاشتراكية الدولة التي تقدم الخدمات مجانا، في الوقت الذي كانت جيوب العراقيين خاوية.
ولم تخل تلك السنوات من تمارين أجرتها القيادة على الشقاء. فكانت الأزمات الاقتصادية تحل متتابعة من غير أن يكون لها ما يفسرها. “اجعلوا الشعب مستعدا لمواجهة أيام القحط”، تلك هي وصية الرئيس لوزرائه الذين كانوا يشعرون بالحرج. لا يتوقع أحد أن دولة ثرية مثل العراق يمكن أن يعاني شعبها من شحة في البصل أو بيض المائدة أو الطماطم وسواها من المواد الغذائية.
كان القحط المفتعل جزءا من التمرين لمواجهة الأيام الصعبة التي كان صدام حسين يمني النفس بوقوعها. وهو ما حدث فعلا بعد أن فرضت الولايات المتحدة حصارا دوليا صارما على العراق لم تنته فصوله إلا بعد أن أنهته واشنطن يوم غزت العراق ليبدأ فصل طويل جديد من الكارثة التي سُمح لإيران بالمشاركة في استخراج شياطينها من التاريخ.
قبل أن تسمح لإيران بالتدخل المباشر كانت الولايات المتحدة قد مهدت الأرض لقيام الدولة الطائفية التي فرضتها بالقوة حين ارتكبت قواتها مجازر، كان غطاؤها طائفيا أو حين رعت حربا أهلية بمضمون طائفي كانت قواتها تتفرج على وقائعها الدموية.
لا يتعلق الأمر بإطلاق يد ميليشيا جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر فحسب، بل وأيضا بالاستعانة بفرق الموت التي قادها تنظيم القاعدة مذيلة بتواقيع مجرمين، صارت أسماؤهم جزءا من تاريخ العراق المعاصر بدءا من أبومصعب الزرقاوي وانتهاء بأبوبكر البغدادي.
أجرت الولايات المتحدة تمارين على القتل، كان الهدف منها تطويع الشعب العراقي على القبول بالدولة الطائفية التي سيعتقد البعض أنها صناعة إيرانية. دخل القتل بأنواعه إلى معجم الحياة العراقية مثلما دخل البصل والبيض من قبل ليكون الخوف من الأسوأ هو القاسم المشترك.
لقد خيرت الولايات المتحدة العراقيين بين القبول بالدولة الطائفية والقتل على الهوية إلى يوم القيامة فاختاروا أن يخضعوا لممثليهم الذين أخرجتهم الولايات المتحدة من الظلمات لتضع بين أيديهم مصير العراقيين الذي كانوا عبر السنوات الخمسين الماضية يتحدثون عن الحرية أكثر من أن يتحدثوا عن ثرواتهم التي أُنفقت على اشتراكية استعبدتهم أو نُهبت بعد أن صارت فتاوى أصحاب العمائم مرجعا يحلل سرقتها.
فعلت الولايات المتحدة في العراق ما سبق لها أن فعلت في فيتنام. ارتكبت قواتها جرائم من مختلف الأنواع. وعلى الجوار من ذلك فإنها كانت تخطط لمصير العراق لكي يكون في أسوأ حال.وليس مفاجئا أن يختفي العراقيون المتفائلون بالحل الأميركي الذين كانوا يطبلون لمستقبل العراق في ظل الرعاية الأميركية. لقد جعلهم السلوك الأميركي يلحسون آثار خطاهم كما يُقال. لقد تبخرت أوهامهم عن عراق يشبه ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
فالولايات المتحدة استمرت حتى بعد إعدام عدوها صدام حسين تمارس دور العدو الذي لا يرحم. ولو كانت تملك قليلا من الرحمة لما سلطت إيران على الشعب العراقي وهي تعرف جيدا أنها لن ترحمه.عبر التاريخ لم تكن هناك صداقة إيرانية – عراقية. ويكذب بعض العرب حين يتحدثون عن صداقة إيرانية – عربية. فإيران لا تفهم سوى لغة القوة. إن كنتَ قويا تحترمك إيران. تلك معادلة تعرفها الولايات المتحدة لذلك حرصت وتحرص على أن يظل العراق ضعيفا. وحين يكون العراق ضعيفا فإن العرب سيشعرون بخلل في علاقتهم بإيران.“ألم أقل لك إن كل ما جرى ويجري في العراق هو صناعة أميركية؟” قال بيأس.