لم ينجح السياسيون في العراق حتى في أختيار عناوين و يافطات لقاءاتهم و اجتماعات اللامنفعة واللاحلول، فقد أختاروا بالأمس عنوانا استفزازيا انه ” وثيقة الشرف”، التي يريدون من خلالها المحافظة على الثقة شبه المفقودة فيما بينهم ، ويؤسسون على جرف هار تحالفات جديدة بابهض الأثمان المادية والاعتبارية، التي تغيب عنها مصلحة الشعب ، حتى لو أجهش بعضهم بما يشبه العويل على الضحايا العراقيين، وكأنهم قبل المؤتمر لم يعرفوا حجم تأمرهم على وحدة و استقرار النسيج الاجتماعي العراقي.
لا نعرف ما هي الأسرار الخطيرة التي عجلت بانعقاد لقاء” السمرالسياسي”، و كيف اتفق المتخاصمون على التصالح بهذه السرعة، و ماهي التوصيات السرية العاجلة التي وصلت الى مسا فتعاملت بها عقولهم التوفيقية، وكيف سيتوقف نزيف الدم العراقي و التفاهم يتم التوصل اليه في منطقة معزولة، و من يكذب على من و الى متى!!
يعرف المجتمعون قبل غيرهم ان لقائهم مضيعة اضافية للوقت وضحك على ذقون المقربين قبل المواطنين، مثلما هو التفاف” لعين” على الحلول الحقيقية، لأن الميليشيات تتحرك بتوجيهاتهم و التفجيرات تنفذ تحت أنظارهم و مسامعهم و العنف الطائفي ابتكرته عقول غيرهم و يسيرون عليه بلا وعي، و الأخطر أن أحدا من المشاركين لا يأتمن الأخر لبضع ساعات، ورفع الحصانة و التخوين بالارهاب و سحب الثقة و الادارة الطائفية، مفردات لم تتوقف ألسنهم عن تداولها ، فمن أين يأتي الفرج وبعضهم يتباهى بحصوله على دعم هذه العاصمة و ذلك الأجنبي!!
سؤال لن نجد له اي جواب لأن الجماعة اتفقوا على اللاضمانات واللا مسؤولية، و اشاعة القنوط لدى المواطن بحيث لا يطالبهم بأكثر من هذا، ويبدو ان الفقرة الأخيرة هي الهدف و الغاية، حيث غسل العراقيون أياديهم من قدرة التشكيلة الحكومية الحالية على تحقيق الأستقرار و منع الانزلاق الى متاهات طائفية، لأن “حكومات الظل” من ميليشيات و جماعات مسلحة أكثر تنظيما و فاعلية من السلطتين التشريعية و التنفيذية، بدليل أن انفجارات “المذهبية السياسية” شوشت على كلمات المشاركين و مع هذا تشدقوا بالاستقرار الأمني و الاجتماعي أكثر من اللازم.
يتوهم المسؤولون في العراق بدرجات عالية من الذكاء و القدرة على تضليل المواطن، و يبالغون في التنكر لشرف المسؤولية قبل المؤتمر، لذلك لم تحقق لقاءات ” الصدفة و اللغط” نتيجة تذكر، فما اتفق عليه أمس كان من بين نتائج اللقاء الموسع في بيت السيد عمار الحكيم قبل أسابيع، و مقررات الأمس ظلت محور المساومات منذ 10 سنوات، لذلك يستمر الذبح السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الطائفي، ما يكشف عن خلل كبير في مكان أخر، انه غياب الارادة العراقية!!
لن تحل مشاكل العراق بالمؤتمرات و الابتسامات الجافة و عبارات المجاملة وطلب العون من خارج الحدود، مثلما لن يتقدم العراق خطوة الى الأمام طالما تحكمت بالقرار عقلية الاقصاء و التهميش و عدم القدرة على طي صفحة الماضي،و العيش في دهاليز الخوف من كشف الأوراق السرية، وغياب الصدق في القول و العمل و الاحتماء وراء نصائح ملغومة بفشل اصحابها، اضافة الى انعدام تجربة الحكم والادارة و التبعية للمرجعيات الدينية والارادات الخارجية، انها معضلة متعددة الأوجه و التراكمات، فلم يمر العراق بمرحلة انهيار عام مثلما يحدث في الوقت الحاضر ولم يتعرض السلم الاجتماعي لهزة كالتي تهدد وجود اصلا بسبب مزاجيات حزبية و عقائدية، ولن يكون العراق مستقلا بهذا العدد من الأنتماءات المتداخلة سياسيا و مذهبيا و عرقيا، وسيبقى الخطر على الأبواب مع انتشار هذا الكم من الميليشيات و الجماعات المسلحة التي تنشط حسب العرض و الطلب، ولن تتوقف المجازر البشرية الا عبرقضاء مستقل وقوي، يمنع تحويل المتهم الى بريء و بالعكس، مثلما يكون مؤهلا لملاحقة الرئيس و العامل بنفس اللوائح القانونية!!
لايحتاج العراق الى وثائق شرف سياسي أو مؤتمرات للنخبة الحاكمة، بل الى عقول تعمل و تجتهد و تقرر بمزاج عراقي يحترم 4 مقدسات .. حرمة الدم العراقي و قدسية النهوض بالقرار السيادي و تجريم نهب الثروات و منع مظاهر التسلح العسكري و المذهبي، عندها سيحمل العراقيون قلوبهم قبل أياديهم لمؤازرة قرار الحكم، و الوقوف صفا وحدا لقمع السياسيين المتطرفين قبل المسلحين المتشددين، لكي لا يبقى بيت العراق من زجاج شفاف!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]