على الرغم من كل الجهود، التي بذلتها الأحزاب والكتل الحاكمة في العراق، والتي وصلت حد تسول أصوات الناخبين، واستدراجهم بمختلف الطرق،ترغيبا وترهيبا، الى صناديق الاقتراع على طريقة لله يا محسنين، من قبل نمط من المتسولين خناجرهم بأحزمتهم” مجدي وخنجره بحزامه”، أقولعلى الرغم من كل الجهود فشلت هذه الأحزاب والكتل في تشجيع العراقيين على المشاركة في الانتخابات. بل وصل هذا الفشل الى اتباع الأحزاب المنضوية تحت خيمة عملية المحتل السياسية، بعد ان أدركوا عدم جدوى هذه الانتخابات. مثلما فشلت مجاميع المرتزقة، من سياسيين وكتاب ومثقفينواقلام مأجورة، في الترويج للانتخابات، تحت ذريعة عدم فسح المجال امام السيئين للفوز واختيار الوطنيين المخلصين بدلا عنهم. يضاف الى ذلك فشلهم في تجميل وجه الانتخابات بمساحيق متنوعة، من قبيل ايهام العراقيين بمميزات الانتخابات واختلافها عن سابقاتها، وتضخيم التعديلات التي أجريت على قانونها ومفوضيتها، او القبول بالأشراف الدولي عليها، وادخال أنظمة جديدة ومتطورة لمنع التزوير او التلاعب بالنتائج الى اخر هذه الأكاذيب.
اما أمريكا التي تعتبر فشل الانتخابات بمثابة هدم لاهم اليات العملية السياسية، التي تحمي مشروع الاحتلالين، فقد استخدمت نفوذها لدفع الأمم المتحدة باتجاه تزويق وجه الانتخابات القبيح، عبر ممثلتها في بغداد المدعوة جينين بلا سخارت، ومن جهة أخرى، طلبت أمريكا من الدول الإقليمية المرتبطة بها، وعلى وجه الخصوص الامارات الخليجية، توظيف ما يكفي من الأموال للتأثير على بعض القوى والأحزاب والشخصيات المحسوبة على المعسكر الوطني، بهدف دفعها الى الاشتراك في الانتخابات والترويج لها. كما فعلت قبيل الانتخابات الأولى التي جرت في 15/ 12 / 2005، من خلال عقد اجتماع لهذه القوى مع أحزاب الحكومة، تحت رعاية الجامعة العربية، وبحضور رئيس النظام المصري الأسبق حسني مبارك، والذي انتهى بإصدار بيان ختامي، دعا في بنده الثامن وبالحرف الواحد، الى “احترام موقف جميع اطياف الشعب العراقي وعدم اعاقة العملية السياسية والمشاركة الواسعة في الانتخابات المقبلة والاحتكام الى صناديق الاقتراع واحترام راي الشعب العراقي في اختيار ممثليه”.
هذا الفشل الذريع دفع هؤلاء الأشرار، الى استحضار أساليب جديدة غير وسائل الترغيب والترهيب المعروفة او البدائية. وما يمكن ذكره في هذا الخصوص من حقائق ووقائع يدعو الى التأمل والتفكير. فعلى سبيل المثال، أوقف هؤلاء الأشرار صراعاتهم وتقديم تنازلات فيما بينهم تخص تقاسم السلطة والغنائم. وكذلك تسابقوا في إظهار حبهم لثوار تشرين، الذين بطشوا بهم وسفكوا دمهم بالأمس القريب، واعتبروا الانتخابات المبكرة تلبية لمطالبهم. بل ذهبوا ابعد من ذلك وادعوا بان ثوار تشرين أنفسهم سيشاركون بالانتخابات. اما مقتدى الصدر الذي شعر بخيبة امل تجاه هذا الامر، فقد أطلق تغريدة عجيبة تطالب كل عضو في التيار الصدري، التعهد بأقناع واصطحاب عشرة من خارج التيار للاشتراك بالانتخابات. في حين أعلنت المفوضية العليا للانتخابات، مكافئة مالية لكل شخص يستلم بطاقته.
اما رئيس الحكومة المنصبة من قبل المحتل المدعو مصطفى الكاظمي ورئيس البرلمان المزور محمد الحلبوسي ورئيس الجمهورية الصوري المدعو برهم صالح، فقد اختار كل منهم اسلوبه في أطلاق الوعود الوردية، وتعداد فوائد المشاركة في الانتخابات، والتبشير بالخير العميم الذي سيعم العراقيينبعدها. ولم تكن هذه المحاولات بعيدة عن شيوخ العشائر، حيث وعدوهم بالمال والسلاح مقابل اشتراك عشائرهم في الانتخابات. بل لم ينس هؤلاء الأشرار المرجعيات الدينية وعلى وجه التحديد المرجع الأعلى علي السيستاني، الذي أصدر فتوى دعا فيها الناس للمشاركة في الانتخابات،تحت ذريعة انتخاب الصالحين بدل الفاسدين.
بالمقابل لجا هؤلاء الأشرار الى التلويح زورا بخطر انتزاع السلطة من يد الشيعة، عبر شعار الذئب خلف الباب. لكن هذا الذئب أصبح له هذه المرة وجوه عدة، بعد ان اقتصر في السابق على البعثين ولاحقا على داعش. لينسجوا قصصا واساطير ويصنعوا من الحبة كبة كما يقال. وذلك بتذكير الطائفيين الشيعة بمبايعة داعش من قبل عزت الدوري، الأمين القطري لحزب البعث، والتركيز على المؤتمرات التي عقدها البعث في عدد من الولايات المتحدة الامريكية، من اجل اقناع أصحاب القرار الأمريكيبعودتهم الى السلطة. وبالطبع واصل هؤلاء الأشرار كالعادة تشغيل اسطوانتهم المشروخة، المتمثلة بخطر منظمة داعش الإرهابية وعودة نشاطها العسكري وإصدار العديد من البيانات العسكرية عن المعارك التي تخوضها قوات الحشد الشعبي ضد قوات داعش. وذهبوا ابعد من ذلك واعتبروا ان داعش أصبحت على مشارف بعض المدن العراقية.
ولكن هذا ليس كل شيء، فقد عمدوا الى مسرحية بائسة، بعقد مؤتمر في أربيل من قبل مرتزقتهم، وادعوا بان جميع المشاركين هم من الطائفة السنية التي تحاول بكل الطرق العودة الى السلطة والانتقام من الشيعة. ووصفوا بيان المؤتمر الذي يعلن الاعتراف بالكيان الصهيوني، بانه مطلب أمريكامقابل تسليمهم السلطة. وكما يقول العراقيون ” اللي بعبه صخله يمعمع”. فقد ارتضى هؤلاء الأشرار أنفسهم في مؤتمر لندن، الذي عقد قبل الاحتلال بعدة شهور، ما يتهمون الاخرين به اليوم. حين وقعوا على وثيقة الاعتراف بالكيان الصهيوني مقابل تسليمهم السلطة. ولا يغير من هذه الحقيقة ادانة مؤتمر أربيل من قبل هؤلاء الأشرار، فعراب المؤتمر وسام الحردان، هو قائد الصحوات والمقرب جدا من نوري المالكي وهادي العامري، وان التي قرات البيان الختامي المدعوة سحر الطائي هي مسؤولة في وزارة الثقافة العراقية. ومن الجدير بالذكر ان عشيرة الدليم التي ينتمي اليها وسام الحردان قد أعلنت براءتها منه. وان سحر الطائي تنتمي الى المذهب الشيعي والى عشيرة بني لام، والمذهب الشيعي براء منها. والدليلعلى ذلك فان اسمها المثبت في الوثائق الرسمية، هو سحر اللامي وليس سحر الطائي.
لكن الجديد في الامر، انكشاف عملية حسم هؤلاء الأشرار لنتائج الانتخابات قبل اجرائها، ليس من حيث تسمية الكتل الفائزة فحسب، وانما من حيث تخصيص حصة المقاعد في البرلمان لكل طرف او كتلة، وكذلك جرى حسم توزيع المناصب السيادية والدرجات الخاصة، وكذلك حصة كل طرف من الكعكة العراقية كما يقولون. وبالتالي فما يسعى اليه هؤلاء الأشرار، ليس كسب الأصوات من اجل الفوز، وانما رفع نسبة المشاركة في الانتخابات، الى درجة تسمح على الأقل بتزويرها او المبالغة فيها، كما كان الامر يجري في السابق. اذ من دون تحقيق مشاركة واسعة، او مقبولة الى حد ما، سيفقد هؤلاء الأشرار، اية صفة من صفات الشرعية امام الراي العام العراقي والإقليمي والعالمي، وأيضا امام المنظمات والهيئات الدولية المعنية بهذا الخصوص. الامر الذي يؤدي حتما الى مزيد من عزلتهم امام الناس من جهة، ومن جهة أخرى يمنح الشرعية للثورة العراقية ويسهل مهمتها في تحقيق أهدافها وفي المقدمة منها اسقاط العملية السياسية برمتها، ومحاكمة اقطابها لما ارتكبوه من جرائم نكراء وسرقات بمئات الملالين وخيانةوطنية سافرة.
ومهما يكن الامر، فالانتخابات في العراق في ظل الاحتلال ودستوره الملغوم وقانونها المعوج ومفوضيتها المبنية على المحاصصة الطائفية والعرقية،ونتائجها المزورة أصبحت كذبة كبرى لم تعد تنطلي على العراقيين. حيث أصبح واضحا بان الانتخابات ليست دليلا على ديمقراطية النظام، سواء في الدول الديمقراطية المتقدمة او الدول التي تسير على هذا الطريق، وانما هي واحدة من اليات النظام الديمقراطي، والتي اهمها الفصل بين السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية وسيادة القانون والمساواة بين الناس، بصرف النظر عن الجنس والدين والمذهب واللغة.وهذه غير متوفرة في العراق المحتل، سوى من حيث الشكل. بل ان ما يسمى بالدستور العراقي الدائم، الذي قسم البلاد والعباد، قد اقر نظام المحاصصة الطائفية بطرق ملتوية لإدارة الحكم في العراق، التي تتعاكس كليا مع اي نظام ديمقراطي في أدني اشكاله وصوره. ناهيك عن ان الانتخابات الأربعة التي سبقت، لم ينتج عنها سوى تدوير هذه الوجوه الكالحة، التي نفذت مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا. واي حديث اخر يتضمن وعودا وردية، لا يعدو كونه استخفافا بالأخرين، وتلاعبا رخيصا بعقولهم.كاتب هذه السطور على يقين، بان هذه الانتخابات لن تكون الأخيرة فحسب، وانما ستسهل على ثوار تشرين مهمة اسقاط الاشرار والعملية السياسية برمتها. لان الفضيحة هذه المرة ستكون بجلاجل كما يقول المصريون.