افتى الكثير من العلماء والفقهاء المسلمين من الجهابذة والمصلحين بضرورة تبني المبدا ألقائل بان الله تعالى يديم ويقيم الدولة العادلة حتى لو كانت كافرة. ويزيل ويسقط الدولة الظالمة حتى لو كانت مسلمة. إن هذه الفتوى تتوافق مع ما وثقه وحث عليه بل وامر به القران الكريم حول الأهمية الكبرى للعدالة مقارنة ببقية العبادات والالتزامات الإسلامية. “ان الله يامر بالعدل والاحسان” كما ان الله تعالى حرم الظلم على نفسه وحرمه بين العباد. بالنتيجة فقد جعل الاسلام العدل من أولى اولوياته في المعاملات الشخصية والعامة. ففي حديث صحيح لرسول الله ان اول من يظله الله يوم القيامة يوم لا ظل الا ظله الأمام العادل. وفي زماننا الرئيس أو الملك أو الامير أو المسؤول العادل. إن من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا العدل والقسط بين الناس. أن قيمة العدل في الاسلام ايضا مشاعة ومفروضة لجميع البشرية. فلا فرق بين مسلم وغير مسلم او بين كتابي وملحد او بين عدو وصديق. فقد قال تعالى “لا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”.
قد يتسائل محدودي الثقافة أو جهلاء المسلمين عن سبب تخلف وانهيار المنظومة العربية الإسلامية وتوسع رقعة الظلم فيها لا سيما العراق. يتسائل البعض الاخر ايضا الم يعدنا الله بالنصر والتمكين في الارض طالما نحن مؤمنين وفق قوله تعالى “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”. من المؤكد بان الله لا يخلف وعده وان ما اعترى العرب المسلمين جاء نتيجة لفقدانهم صفات الايمان المقصود بالايات القرانية. إذ لم يدققوا في فحواها او لأنهم يجهلون تاويلها. ان اهم القيم التي ينبغي ان يتمتع بها المؤمن كي ينصره الله على غيره هي العدالة أولا وقبل كل شئ ثم التسامح والعلم والعمل والاخلاص والصدق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن مخططات أمريكا واسرائيل كانت ولا تزال تهدف الى تشكيك المسلمين بدينهم وذلك بتسليط مسلمين لا يعرفون من الاسلام غير اسمه ومن القران غير رسمه “يايها الذين امنو لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”. هؤلاء المسلمين الذين سلطهم الاجانب اشاعوا ونشروا الظلم في بلدانهم وعذبوا بني جلدتهم باسم الدين واسم الاسلام. لقد سهل لهم الغرب تأسيس احزاب اسلامية شوهت وسودت وجه الاسلام. لقد فاق نفاقهم وكذبهم ودجلهم وسرقاتهم وفسادهم سياسات الاحزاب العلمانية. لقد وصف الله تعالى هؤلاء الإسلاميين بالقول “هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون”. انهم عملوا على الضد مما اوصاهم الله تعالى به في القران الكريم. لقد مارسوا ظلما كبيرا ضد شعبهم عندما تعاونوا مع الاجانب الظالمين. فقد تحولوا إلى معول تخريب لبسط هيمنة الأفكار والنظريات الغربية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. بعد ان سلمت امريكا لبعضهم الحكم السياسي كما هو الحال في العراق.
لقد تمكن اسلاميو العراق في فترة قياسية من إخراجه من عصر الحداثة والتحضر الى عصر التخلف والظلام على جميع الاصعدة. فقد تبنوا نظام سياسي طائفي متخلف يعود إلى القرون الوسطى. وارسوا محاصصة ظالمة متدرجة في الأهمية وفق ميزان القوى المفروض من قبل المحتل. فالهيمنة السياسية والاقتصادية الاساسية بيد أمريكا وإيران ثم تأتي بالدرجة الثانية هيمنة القادة العراقيين الاكراد الذين تحركهم أمريكا كما تشاء. ثم يأتي دور الشيعة الشعوبيين المدعومين من أمريكا سابقا ومن ايران حاليا. اما ما تبقى من فضلات فاعطيت لانصار أمريكا وإيران من اهل السنة والجماعة كالاخوان وبعض العشائر والتنظيمات السياسية التي فضلت مصالحها الذاتية. بالتالي فإن الضحية الكبرى هم عموم الشعب العراقي بشيعته وسنته.
في نهاية المطاف عندما تنتهك قيم العدالة ويقوى عود الظلم والاستبداد تنحصر قوة الدولة وتضعف لصالح المليشيات والعصابات وتنتشر الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة. عندما تعود العشائرية والجاهلية والتعصب والتحزب والتراهات والخزعبلات يبدأ المجتمع بالتحلل وفقدان الاواصر الاسرية. عندما تغيب العدالة في أي مجتمع فهذا نذير شؤم للسقوط الكبير واتساع حجم الظلم. لقد بات الشعب العراقي اليوم فريسة سهلة الى المشعوذين والمتحجرين والغوغائيين.