لويد أوستن، لا أهلا ولا سهلا

لويد أوستن، لا أهلا ولا سهلا
آخر تحديث:

 بغداد/ شبكة أخبار العراق- حالما تيقن من أن إيران أظهرت ليونة في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد زيارة رئيسها رفائيل غروسي إلى طهران، بدأ لويد أوستن وزير الدفاع الأميركي جولة في المنطقة لبيع “الشراكة الأمنية” في مواجهة إيران. يعني “حج، والناس راجعة”، كما يقول المثل.هذا في المعلن. وذلك على اعتبار أن التهديدات الإيرانية موضوع يصلح للتغطية على كل شيء. فالجولة إذا اقتصرت على الأردن ومصر وإسرائيل، فإنها لا تعني إيران في شيء. لأن الأردن ومصر ليسا هما الطرف الأساسي الذي يواجه التهديدات الإيرانية بالصواريخ والطائرات المسيّرة. إنهما معنيان بتهديدات أخرى من جانب حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة في إسرائيل. فهي بأعمال التصعيد ضد الفلسطينيين، وبالهجمات الوحشية التي يشنها المستوطنون ضد القرى والبلدات الفلسطينية، وباعتزامها توسيع المستوطنات وضم المزيد من أراضي الضفة الغربية، تكون قد شكلت أكبر تهديد لاستقرار المنطقة. وهو ما يدفع مصر والأردن إلى أن يحشرا في زاوية قاتلة. من ناحية تجاه الفلسطينيين، ومن ناحية أخرى تجاه دوريهما في المنطقة.

ولا يملك أوستن، في هذا الصدد، أكثر مما كان يملك زميله وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ولا مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز اللذان أمضيا أياما عدة في محاولة لكبح سياسات التصعيد الإسرائيلية. هذه السياسات قصدت منها حكومة بنيامين نتنياهو أن تدفع إلى تدمير كل ما بقي من تطلعات لإحلال السلام، سواء أكانت على أساس حل الدولتين، أو على أساس أي حل آخر. فالحل بحسب برنامجها هو الأمر الواقع الذي يتم فرضه بالقتل والترويع، وبالتوسع الاستيطاني. لا يوجد لديها حل آخر. ولا يملك أوستن أن يفرض على إسرائيل حلا آخر، إلا من ناحية واحدة، هي أن تتدبر واشنطن أزمة في إسرائيل تؤدي إلى الإطاحة بحكومة نتنياهو. وهذا ليس على جدول الأعمال في العلاقة مع إسرائيل.

ويبيع نتنياهو التهديدات الإيرانية أكثر مما تبيعه إيران نفسها. وهو يعتقد أنه بتضخيم المخاوف من إيران يستطيع أن يقنع الدول العربية بأن إسرائيل هي السد المنيع حيال هذه المخاوف، ويريد أن يقيم شراكة دفاعية لمواجهتها.يعيش نتنياهو في زمن آخر. وربما كان انشغال أوستن بالحرب في أوكرانيا يجعل ساعته متأخرة ولا تتوافق مع توقيتات دول المنطقة، التي أدركت بضاعة المخاوف والتهديدات وتعمدت إبطالها كسلعة وأخرجتها من التداول.العقلانية الإماراتية صنعت توقيتا آخر مختلفا في المنطقة. إنه توقيت لا حرب فيه ولا مخاوف.

أدركت هذه العقلانية بضعة أشياء، منها:

  • أن الولايات المتحدة حليف، ولكن غير جدير بالثقة. وعندما يتعلق الأمر بإيران، فإنه “حليف” مستعد للتواطؤ مع طهران أكثر من استعداده لمواجهتها بالقوة. والدليل على ذلك، تغاضيه المتواصل عما ظلت ترتكبه إيران من هجمات ضد خطوط الملاحة في الخليج.

  • إيران النووية قد تكون مشكلة بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكنها ليست مشكلة دول المنطقة. ومن يشعر أن لديه مشكلة، يحلها بنفسه. لا حاجة لتوريط أحد آخر بها.

  • عندما ظلت دول المنطقة تقول وتكرر إن المشكلة هي: أ- ميليشيات الإرهاب التابعة لإيران، وب- تدخلاتها العدوانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وج- برنامجها الصاروخي، وإنّ هذا ما كان يجب أن يتم تضمينه في الاتفاق النووي، فقد أعطت واشنطن القول وتكراره الأذن الصماء، باستمرار. وحتى عندما كان الأمر يتصل بالهجمات التي تشنها جماعة الحوثي، فقد لاحظ الجميع أن الولايات المتحدة اتخذت موقف المتفرج حيال العديد من الأحداث الخطيرة.

  • دول المنطقة لم تعد تراهن على الحرب، لا مع إيران ولا مع أي أحد آخر. لا تريدها ولا تريد أن تخطط لها، ولا تريد أن تشترك في تحالفات تقصد توجيه التهديد لإيران.

  • مشاكلنا كثيرة مع إيران، ولكن يمكن حلها بـ”القوة الناعمة”. إيران تستطيع أن تدرك في النهاية أنها لا تستفيد من بقاء العلاقات الإقليمية متوترة. وهي تعاني من أوضاع اقتصادية مأساوية. وحالما تكف عن مسالكها العدوانية، فإنها سرعان ما قد تجد الأيدي ممدودة. أما أزمتها الداخلية، فدول المنطقة لا تريد أن تتدخل فيها مثلما أنها لا تريد لإيران أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

  • حالما يتم نزع فتيل التوتر، وإيجاد تسوية سياسية للأزمة في اليمن، فإن دول المنطقة التي لم تنفعها “الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة” والتي لم تر من واشنطن التزامات جديرة بالثقة، تستطيع أن تدير شؤون الاستقرار الإقليمي على قاعدة الأمن والسلام والمنافع المتبادلة.

  • العلاقات مع إسرائيل لا علاقة لها بإيران، لا من قريب ولا من بعيد. ولكن لها علاقة بتطويع إسرائيل نفسها لكي تجد سبيلا للتعايش على أسس السلام. إنها علاقات، تتصل بتصور يحاول أن يقنع إسرائيل بأن خيارات التسوية على أساس مقررات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، هي ما سوف يشكل المفتاح المطلوب لأبواب الاندماج بين دول المنطقة.

  • البرنامج النووي الإيراني لا يشكل تهديدا لدول المنطقة. إنه تهديد لإيران نفسها، لأنه يضعفها ويبدد مواردها، ويجعلها في وضع أسوأ مما هي عليه الآن. وحتى ولو امتلكت إيران قنبلة نووية، فإن ما تعانيه من حصار سوف يزداد تشددا. وأزمتها الداخلية، لن تجد لها حلا بالمزيد من تخصيب اليورانيوم. الإيرانيون يحتاجون إلى تخصيب اقتصادهم المنهك. ثم “ما نفع قنبلة نووية، تزيدك عزلة وفقرا؟” سؤال قد يأتي يوم ليدرك جوابه من لم يدركه بعد. بل وما نفع ميليشيات هدم وتخريب، انتهت إيران من جرّائها على حافة هاوية اقتصادية ومعدلات تضخم خرقت كل السقوف؟

هذه المدركات وغيرها، أبطلت بضاعة التخويف الفاسدة، سواء الإسرائيلية منها أو الأميركية. فإذا كانت هي ما جاء لويد أوستن لكي يبيعها، فلا أهلا ولا سهلا. يكفيه أن يجرب حظه مع نتنياهو. وعندما يفشل ويعود خائبا كما عاد بلينكن وبيرنز، فإنه سيدرك بنفسه، لماذا لم تعد الولايات المتحدة حليفا جديرا بالثقة، لا في الأزمة مع إيران، ولا في الأزمة مع إسرائيل.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *