ليس المطلوب من العرب أن يساندوا حماس وهي التي أشهرت عن تبعيتها لإيران. في المقابل فإن سيل الشتائم الذي انصب عليهم منذ بدء حرب غزة ليس جديدا وهو جزء من المشروع الإيراني الرامي إلى عزل غزة عن فلسطين وتجريد القضية الفلسطينية من غطائها العربي.الموقف العربي المرتاب من حماس لا يعني بالضرورة أن عجزهم عن إنهاء العدوان جاء نتيجة لإدارة ظهورهم لمأساة أهل غزة وما يعانونه بسبب العدوان الإسرائيلي غير المسبوق بهمجيته بل لأن كل محاولاتهم في ذلك المجال اصطدمت بالجنون الإسرائيلي المدعوم بشكل مطلق من الولايات المتحدة وأوروبا، ناهيك عن موقف حماس غير المسؤول الذي نتجت عنه مغامرة السابع من أكتوبر الماضي، وهو الموقف ذاته الذي لا يزال يتحكم بمفاوضات وقف إطلاق النار التي رعتها غير دولة عربية وكانت بإشراف الولايات المتحدة. ذلك لأن النصر الذي تفكر فيه حماس في ظل ما شهدته غزة من دمار وقتل وخراب وتشريد هو مطلب بعيد المنال وهو لا يتسق مع الواقع. ما يفكر فيه فلسطينيو حماس وهم يشتمون العرب يقع في مكان فيما تقع المعطيات الواقعية التي يتعامل معها العالم وضمنه العالم العربي في مكان آخر.
ما لا تريد حماس وأنصارها الاعتراف به أن مسألة غزة لا يمكن فصلها عن المسألة الفلسطينية حتى لو رغبت إسرائيل في ذلك، ولا يمكن أيضا تجريدها من الغطاء العربي حتى لو تعارض ذلك مع المشروع الإيراني الذي وضعت حماس نفسها في خدمته.كل الحلول المطروحة تذهب إلى ضرورة وضع حد للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من خلال إقامة دولة فلسطينية بدءا من إعادة غزة إلى حاضنتها الفلسطينية والانتهاء من مسألة احتكارها من قبل تنظيم ديني مسلّح أثبتت الوقائع بحروبها الست السابقة أنه ينفذ مفردات من الأجندة الإيرانية التي لا علاقة لها بالنضال الوطني الفلسطيني ولا بالأهداف التي كافح من أجلها الفلسطينيون عقودا، أثبتوا عبرها أنهم يمشون على الطريق الصحيح.
كل ذلك لا تريد حماس الاعتراف به، ولا يهمّها أنها قد أوقعت أهل غزة في مكائدها من خلال نجاحها في استثارة الجنون الإسرائيلي. ليس نوعا من الظن القول إن هناك مَن يفخر بالقتلى الألف والمعتقلين الثلاثمئة من الإسرائيليين ولا يلتفت إلى 35 ألفا من القتلى الفلسطينيين ومئات الآلاف من المشردين. يريد فلسطينيو حماس فرض رؤيتهم التي تتطابق مع رؤية وزير الحرب الإسرائيلي الذي اعتبر الفلسطينيين مجرد حشرات.
بالرغم من أن جو بايدن قد تصرف بخرف مع ما يحدث في غزة، وهو تصرف متوقع من رئيس أميركي، كل المؤشرات تؤكد أن إزاحته من البيت الأبيض باتت بحكم الواقع فإن الإدارة الأميركية حاولت أن تتفهم المبادرات العربية بعيدا عن موقفها من حماس وإيران. غير أنها فشلت حتى الآن في فرض الحل الذي من شأنه أن يؤدي إلى إنهاء الصراع.
لقد فلت الصراع من منطقه. حتى لو لم ترتكب الولايات المتحدة حماقتها في استعمال الفيتو في مجلس الأمن فإن قرارا من ذلك المجلس لن يوقف الحرب. ذلك لأن طرفيها محشوران في زاوية لا علاقة لها بحق الفلسطينيين بالحياة. وإذا ما كانت إسرائيل غير معنية بمصير الفلسطينيين فإن حركة حماس أظهرت هي الأخرى عدم اكتراثها بذلك المصير. وبما أن حركة حماس غير منفتحة أصلا على الطرف العربي بقدر انفتاحها على إيران فإن العرب لا يملكون ضمانات تؤهلهم لتأكيد مبادراتهم. فهم يتعاملون مع حماس باعتبارها طرفا غير موثوق به.
أما التنكيل بالعرب، وهو عادة تدخل في سياق الإعلام الغربي والصهيوني، فإنه وإن بدا متزامنا مع الحرب في غزة لا يخرج من دائرة محاولة فك ارتباط قضية فلسطين بالعرب واعتبارها قضية عائمة يمكن لأطراف كثيرة أن تتدخل فيها من ضمنها إيران. وليس مستبعدا أن يكون المشروع الإيراني الذي تقوم حماس بتنفيذه والقاضي بتحويل غزة إلى إمارة إسلامية هو الأقرب لتوجهات السياسة الأميركية بناء على رؤيتها لمستقبل المنطقة وهو ما كانت إسرائيل قد دعمته لولا ما حدث في السابع من أكتوبر. وقد يكون برنامج التنكيل بالعرب بمناسبة غزة هو جزء من تلك الرؤية. هناك من ينكر الحقيقة وهو يقول إن العرب قد تخلوا عن غزة.