بالرّغم من مرور سبعة أشهرتقريباً على إنتهاء الانتخبات البرلمانية في العراق، إلا ّ أنّ الكتل والقوائم الفائزة، فشلت في تشكيل حكومة ،بسبب التدخل الايراني المباشر، في فرض مرشحها لوزارة الداخلية فالح الفياض على التشكيلة، لا بل تصر وبقوة على ذلك وترفع شعار( يا ألعب يا أخرّب الملعب)،في حين يصرُّ مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، وقائمة المحور الوطني على رفض الفياض لمنصب الداخلية، في حين ترفض أجنحة إيران الفائزة مرشح وزارة الدفاع التابع لأئتلاف الوطنية بحجة ألإجتثاث، فهل سيكون إصرار ايران على فرض مرشحها ،هو القشة التي ستشعل حرباً – شيعية –شيعية- تريدها إيران لكي تصدّر أزماتها الداخلية والخارجية مع أمريكا ،وتشغل الرأي العالمي في العراق ،لينسى الحرب الحوثية المهزومة في اليمن وينسى التصعيد الاسرائيلي مع حزب الله وقضية الأنفاق، أو في أزمة الميليشيات الايرانية في سوريا والعراق ،وإصرار الادارة الامريكية وضعها على لائحة الارهاب ،وتهدد من يتعامل معها ويمولهاهو في خندق إيران، وبهذا المشهد الملتهب عراقياً ، دخلت أزمة تشكيل حكومة عادل عبد المهدي نفقاً جديداً ،بعد ماجرى من مهزلة وفوضى داخل جلسة مجلس النواب قبل 3أيام،وفشل المجلس في التصويت على بقية المناصب الوزارية، اليوم يقف العراق بكل أوضاعه السياسية ، بأحزابه وكتله الفاشلة الفاسدة، على مفترق طرق ، أولها إشعال حرب بين الميليشيات التابعة لإيران ومع التيار الصدر الواسع الانتشار والمسيّطر على الشارع العراقي، وأولى مؤشرات هذه الحرب ، هي إصرار زعيم التيار على رفض الفياض لوزارة الداخلية ، ثم إغتيال قائد سرايا السلام حسين الحجامي في بغداد ، وبعدها نقد المرجعية العليا أمس للسيد مقتدى الصدر، وتعنّيف تياره في مجلس النواب، وتحمّيله ماجرى داخل قبة البرلمان، وهذا مؤشر آخر على إعطاء الاخرين الضوء الاخضر، للمواجهة مع السيد الصدر وتياره وتحمّيله وِزر تأخر تشكيّل حكومة عادل عبد المهدي، بل والتخلي عنه امام الكتل الاخرى ،إذن مظاهرات البصرة وبغداد ، وتهدّيد السيد الصدر بالعودة لإقتحام البرلمان ثانية، وإعطاء عادل عبد المهدي مهلة ستة أشهر ، هي أيضا رسالة من التيار الصدري له وللأحزاب، فماهو موقف إيران أزاء إصرار الصدر على إفشال مشروعها في العراق، الذي تعتبره إيران مسألة مصيرية لها ، لأنها تواجه حصاراً امريكياً ودولياً قاتلاً، إضافة الى إعلان جريدة الواشنطن بوست أن الادارة الامريكية ،تعدّ لضربة عسكرية إستباقية لأيران في آذار القادم ،إذا لم يؤثر عليها الحصار التأريخي الاقسى، وهذا يجعل إيران بموقفها الضعيف في سوريا ولبنان واليمن والعراق ، خاصة بعد هزيمة داعش والحوثيين في العراق وسوريا واليمن.
لذلك نرى أن الموقف الايراني في العراق، أمام إمتحان عسير، يقابله تصلّب شديد لموقف مقتدى الصدر، ورفض لإملاءاتها عليه ( جيراننا أصدقاؤنا وليس أسيادنا)، إيران وأمام تشدّد الصدر ومعه بعض الكتل الاخرى ، يجعل من الموقف الايراني ضعيفاً ، لاتحسد عليه، لهذا أرسلت أيران قاسم سليماني الى بغداد ليحسم هذا الصراع، ونعتقد إنه سيفشل هذه المرة في الحصول على موافقة ،وتنازل وتمرير مرشحه فالح الفياض، لذلك سيستخّدم ورقته الاخيرة، التي يلوح بها لخصوم ايران، وهو سلاح التهديّد، وإشعال الشارع العراقي، بتنفيذ إغتيالات واسعة بدأها بقائد سرايا السلام حسين الحجامي، كرسالة تهدّيد أولى للصدر، ولربما الرسالة الأخرى، هي إغتياله شخصياً كما أعلن الصدر أكثر من مرة للعالم وحان الآن وقت التنفيذ، وهذا السيناريو نراه الأقرب، لتنفيذ بقية المشروع الايراني في العراق، وهو إدخال العراق بحرب أهلية شيعية شيعية، يخطّط لها منذ سنوات ، ولكن في المقابل ،هل يستطيع سليماني تنفّيذ مخططه الجهمني هذا، ( تسريب معلومات نشرتها الصحف العالمية بإرسال فرق الموت للعراق لقتل رموزه الوطنية التي تعارض التواجد الايراني والتدخل الايراني،)، لانستبّعد أي سيناريو مهما كانت أشكاله ، وامام هذه السيناريوهات الايرانية، تواجه الادارة الامريكية وضعاً معقداً لها في العراق، لمواجهة إيران وما تنفذه في تأخير تشكيل حكومة تابعة لها، ألادارة الامريكية تعمل بصمت وبعلن، بصمت هي تدفع بالعملية السياسية وتدعمها بقوة ولو من خلف الستار لمواجهة المشروع الايران.
وبعلن حينما تدرج الميليشيات العراقية المسلحة التي لها مقاعد في البرلمان على لائحة الارهاب، وتفرض على الحكومة العراقية عدم التعامل معها وسحب اسلحتها وفرض عقوبات مالية وعسكرية ، وتهدّد الحكومة بعدم التعامل معها ، وهكذا تضغط الادارة الامريكية على حكومة عادل عبد المهدي ،وتخيرّه بينها وبين الميليشيات ، هذا من جهة وتلعب إيران أيضاً على وتر اقليم كردستان، الذي يشهد تعقّيداً وصراعاً بين الحزبين الكبيرين في تشكيل حكومة الأقليم ، وتدعم حزب الاتحاد الوطني ،على حساب الحزب الديمقراطي الكردستاني ،الذي إستحوّذ على أكبر عدد من مقاعد برلمان كردستان ، ناهيك عن أصل الخلافات والصراعات، التي إنفجرت بينهما بعد الاستفتاء، وعودة كركوك والمناطق المتنازع عليها الى حكومة بغداد ، بتواطؤ الاتحاد الوطني الكردستاني مع بغداد ( حسب إدعاءات ) الديمقراطي الكردستاني، والذي يصفونهم ( بالخونة)، إعاقة تشكيّل حكومة في بغداد، وفرض الأمر الايراني على القوائم والكتل بات واضحاً، ثم تأجيج الخلافات والصراعات بين الحزبين في الاقليم، بدعم ودفع من إيران، هو هذا مايعّقد الوضع في العراق، ويوصله الى حالة الإنفجار، والعودة الى المربع الاول كما تريده إيران ،للافلات من العقوبات والإلتفاف عليها، أي تفجّير الاوضاع الأمنية والسياسية في العراق، بإشعال حرب شيعية – شيعية وكردية –كردية .
هذا هو أحد السيناريوهات الإيرانية حالياً، وهُنا على الكتل والأحزاب بكلِّ توصيفاتها ، أن تّعي المؤامرة الإيرانية لصالح مشروعها ووجودها، الذي تدرك أن المجتمع الدولي ضاق ذرعاً بنظامها، ويسعى لتغييّره بشتّى الطرق،حتى بالقوّة العسكرية ، وبتحالف دولي جاهز لتنفّيذ الضربة، وتحالف عربي أنشأ نواته الرئيس ترمب والامير محمد بن سلمان في واشنطن، وهو الناتو العسكري العربي لمواجهة إيران، وتغيّير نظامها بالقوّة والحصار التاريخي ، ونحيلكم لتصريح الرئيس الايراني حسن روحاني قبل يومين قائلاً( إذا منعنا من تصدير نفطنا سنمنع الآخرين، من تصديّر نفطهم)، ويقصد دول الخليج العربي والسعودية، وهو يدرك تماماً أن الحرب على نظامه لتغيّره قادمة لامحالة ، خاصةً بعد هزيمة الحوثيين في اليمن، ومحاصرة حزب الله عسكرياً ،وتوجّيه ضربه إسرائيلية قريبة له ،بعد (فضيحة الأنفاق ) ، والإعترافات الامّمية لها، وحلّ أزمة النظام السوري ،بفرض السلام هناك، وطرد داعش من الاراضي السورية ،والتفاوض مع المعارضة السورية ،للوصول لحلِّ أممي سلّمي مع النظام، لم يبق إلا إيران التي تتغوّل وترعى الإرهاب العالمي ، وتهدّد العالم به ، كما ثبتت الأحداث ،وفضحت العصابات الاجرامية وفرق الاغتيالات، التي تموّلها وترسلها إيران الى أوروبا وأمريكا وغيرها، وإنفضحت اللُعبة ،في الارجنتين وفرنسا وبلجيكا ،وألقّت القبض على أعضائها وإعترفوا بمسئولية النظام الايراني، أنه هو من أرسلهم لتصفيّة المعارضين له .
العراق الآن يعاني شلل سياسي، وصراع حكومي وحزبي بين الكتل ، وتدعم هذا الصراع وتؤجّجه إيران بكل قوتها، وعلى الكتل أنْ تَعي الدرّس وتذهب الى حلول سياسية ، لأنها ستواجه داعش ثانيةً ،في المدن التي تحرّرت بدماء العراقيين ، ولأن صراعها على المناصب والمغانم، هو في صالح تنظيم داعش وأعداء العراق بالدرجة الأولى ، يستثمرون صراعتكم وخلافاتكم ،من أجل عودة الارهاب للعراق، فالإرهاب والفساد الذي تمارسه أحزابكم هو وداعش وجهان لعملة واحدة في خراب العراق وتدميره، فلا مناص ولا منجى، إلاّ برفض التدخل الايراني علناً ،كما فعل الصدر ،والذهاب الى حكومة عراقية ،بعيداً عن إملاءات إيران وأمريكا، لإيجاد أرضية سياسية فيما بعد ،تؤدي الى إنفراج أمني وسياسي بمصالحة وطنية حقيقية شاملة، تنقذ العراق من الإنهيار الأخير ،والدخول في نفق لن يخرج منه أحدٌ منكُم …