بغداد/شبكة أخبار العراق- قابل المحتجون في ميادين المحافظات العراقية خطبة مرجعية النجف بالتشكيك والرفض، معتبرين أن المرجع الأعلى علي السيستاني صار صمام أمان لحكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي المتهم بارتكاب مذبحة بحق المتظاهرين العراقيين.واعتبروا أن السيستاني أراد، في مطالبته بالإصلاح والتحذير من سقوط الحكم من يد الشيعة، إيجاد حكومة شيعية بديلة من الموالين له يحفظون مركزية تأثيره ولا يفكرون في وضعه ضمن المراكز التي تتحمل مسؤولية مأزق البلاد.وحذر السيستاني النخبة الشيعية الحاكمة في بغداد من ضياع الحكم، مشيرا إلى أن الثورات تقوم بسبب الظلم، وذلك في تعليقه على استمرار الاحتجاجات في العراق ومستوى الاستجابة الحكومية للمطالب التي رفعتها.وقال عبدالمهدي الكربلائي، ممثل السيستاني، خلال خطبة الجمعة يوم 22/11، إن “سفك الدم يؤدي إلى زوال الحكم وانتقاله إلى آخرين”، موضحا أنه “لو تأملنا صفحات التاريخ لوجدنا أن الكثير من ثورات الشعوب وتمردها إنما هو بسبب الظلم الذي استشرى فيها ولم يجد هؤلاء غير ذلك سبيلا للخلاص”.
وقرأ الكربلائي نص بيان من مكتب السيستاني، جاء فيه إن “المرجعية الدينية قد أوضحت موقفها من الاحتجاجات السلمية المطالبة بالإصلاح في خطبة الجمعة الماضية من خلال عدة نقاط، تضمّنت التأكيد على سلميتها وخلوها من العنف والتخريب، والتشديد على حرمة الدم العراقي، وضرورة استجابة القوى السياسية للمطالب المحقة للمحتجّين”.وأضاف أن “المرجعية إذ تؤكد على ما سبق منها، تشدد على ضرورة الإسراع في إنجاز قانون الانتخابات وقانون مفوضيتها بالوصف الذي تقدم في تلك الخطبة، لأنهما يمهدان لتجاوز الأزمة الكبيرة التي يمر بها البلد”.
وانقسم المراقبون في قراءة دلالة خطاب المرجعية، الذي يعتمد الصيغ غير المباشرة للإفصاح عن مواقف السيستاني. ورأى جزء منهم أن الطبقة السياسية، في حال استجابت لرغبة المرجع الأعلى بتشريع قانون انتخابات عادل، فإنها ستخسر جميع مكاسبها ونفوذها، فيما ذهب آخرون إلى أن السيستاني يريد تغييرا مسيطرا عليه من قبل النخبة الحاكمة نفسها، لأن خلاف ذلك يعني المجازفة بخسارة الشيعة للحكم.ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن السيستاني إنما يسعى لحماية نفوذه من خلال حماية الحكومة الشيعية، بغض النظر عمن يشكلها أو يشارك فيها، لأنها تصون مكانته وتعترف له بالتأثير الكبير، في إطار تخادم متبادل.
ويبدو أن المحتجين في ساحة التحرير فهموا هذا الأمر بشكل جلي، إذ وزعت فور نهاية الخطبة ظهر الجمعة، رسومات كاريكاتورية تضم السيستاني وعبدالمهدي، مع جملة تنص على أن “المرجعية هي صمام أمان الحكومة، وليس الشعب”.وانتقد متظاهرون، في مجموعة خاصة على فيسبوك أطلقوا عليها “جبل أحد” وهو الاسم الذي اختاره المحتجون للمطعم التركي القريب من ساحة التحرير، تعليقا على خطاب السيستاني، “برود المرجع الشيعي الأعلى، وهو يراقب قتل الشبان يوميا في مختلف ساحات الاحتجاج”.
وكتب آخرون أن “شعبية السيستاني تنزف بسبب مواقفه المواربة، ومحاولته التوفيق بين مصالح متعارضة، فهو يحمي الحكومة لأنها تضمن له نفوذه، ويدعم المتظاهرين حتى لا يخسر شعبيته بينهم”.وأضاف هؤلاء أن منوال خطب المرجعية، الذي يشهد تراجعا متزايدا لموقف تأييد المتظاهرين، سيدفع الكثير من مقلديها إلى تغيير مواقفهم.ونقل ناشط مدني عن ساحة التحرير قولها إن “جميع الحكومات منذ 2003 تعيش في ظل المرجعية، وهي الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع، لأن المصالح مشتركة بين الطرفين، لذلك لن تأخذ تلك المرجعية خطوة كبيرة، وسيقتصر موقفها على مساندة التظاهرات والحكومة معا، حتى لا تخسر شيئا”.وعبرت متظاهرة ثانية في تصريح عن استغرابها من صمت المرجعية عن أحدث عمليات القتل التي طالت المتظاهرين الخميس قرب جسر الأحرار في بغداد، برغم تعهد الحكومة بعدم استخدام العنف المميت ضد المحتجين.
إلا أن الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف اعتبر أن السيستاني صار يدرك أن ما يمكن أن يقوله لجماهير المحتجين لن يجد آذانا صاغية، بسبب المسافة الكبيرة التي تفصل بين خطابه ومطالبهم.وقال يوسف في تصريح صحفي، “صارت لغة السيستاني تتضمن الكثير من التحذيرات المعلنة من إمكانية أن يفقد سياسيو الشيعة القدرة على إدارة الحكم في البلاد، وهو ما يشكل عنصر فزع بالنسبة للمرجعية التي تتمتع اليوم بمكانة لم يسبق لها أن تمتعت بها في أي وقت”.
ومسك السيستاني العصا من الوسط في محاولة منه لكي يظهر بصفته راعيا للجميع، أي الحكومة ومعارضيها، وهو ما جعل موقفه محل التباس وتساؤل. والعنف الذي مارسته الحكومة والأحزاب الملتفة من حولها قد أدى إلى سقوط المئات من القتلى إضافة إلى الآلاف من الجرحى، تلك نقطة حرجة دفعت بالمحتجين إلى التشكيك بسلامة النوايا وصحة الموقف الذي تتخذه المرجعية.وتبين أن المرجعية وعلى رأسها السيستاني كانت ولا تزال حريصة على الإبقاء على النظام السياسي الذي يطالب المحتجون بإسقاطه من غير أن تشعر بشيء من المسؤولية في مواجهة مشهد القتل اليومي الذي صار يتكرر في المدن العراقية المنتفضة.