لنتفق ابتداء على إن المخدرات التي تفتك بالعرب عامة وعلى غير سبق مثال لم تعد قاصرة على المخدرات الطبيعية “حشيشة الكيف،ماريجوانا،كوكايين،هيرويين،قات”،ولا المخدرات الصناعية” كرستال،كبتاغون،شبو،استروكس ، مركبات الأمفيتامين، زومبي”،ولا المخدرات الرقمية التي راجت في الآونة الآخيرة من جراء ثورة التقنيات والمعلوماتية،وبما سأفرد لها مقالا لاحقا بالتزامن مع حملة الحرب على المخدرات في عدد من الدول العربية ، فهناك مخدرات أخرى تعادلها فتكا وتستشري بالتوازي مع الاولى متمثلة بـ “المخدرات والآفات الفكرية والعقدية ” الناجمة عن قلة الوعي والإدراك ، وعن الأعراف والتقاليد البالية والجهل المطبق وبما يصدق فيها ما قيل في الأمثال الشعبية قديما”اللي حَصله من الحرامي ،انطاه لفتاح الفال” ويضرب شاهدا للمال الحرام الذي يذهب غالبا في أوجه الإثم المختلفة ،والمتخلفة على سواء، وأعني بها ظواهر السحر والتنجيم والدجل والشعوذة واتساع رقعة المقامات و المزارات الوهمية وما يرافقها ويتمخض عنها من بعد تام عن العرف الحسن، والقانون الحاكم، والعقل الراجح ، والمنطق السليم ، والدين الحنيف !
والحق يقال بأن الحلقة (22) من برنامج ” البشير شو ستار اكس” عن المراقد والمقامات الوهمية في العراق كانت مميزة جدا ولاقت استحسان المشاهدين والمهتمين لتحظى بالاف التعليقات المؤيدة ، اضافة الى الاف المشاركات والمشاهدات خلال ساعات من عرض الحلقة ، ولكن وبرغم تطرق مقدم البرنامج احمد البشير، الى مقامات ذات عناوين كوميدية ، ومضامين هزلية تنتشر في عموم العراق ، نحو مقام “الويل المقدس” ومقامات ” الحاصودة ، والتراكتور ، والعربة المقدسة” كذلك مقام ” أم العرابيد ” و” العلوية الحراكَة ” ومقام ” ابو تفكة ” و ” السيد لمهود ” وغيرها الكثير ، إلا أنها لم تتطرق الى الابعاد السايكولوجية ، والميثولوجية ، والسوسيولوجية ، والايدولوجية ، والاركيولوجية والتي من شأنها إثراء الحلقة ووضع السبابة والإبهام على المبهم من تفاصيلها ، زيادة على إضاءة المعتم من كواليسها، والمخفي من تفاصيلها،ومؤكد بأن مرد ذلك كله إنما يرجع الى ضيق الوقت المحدد للحلقة الواحدة اضافة الى بعض المحددات الفنية والضرورات التقنية والخلفيات الموضوعية ولاشك ، مع التنويه الى أن ظاهرة ، بل قل كارثة المراقد والمقامات الوهمية ليست حكرا على العراق فحسب وإنما هي ظاهرة -قاتمة ومحبطة للغاية – تتغول وتتسع رقعتها بإطراد لتنتشر في عدد من الدول العربية ولاسيما في العراق واليمن وسوريا ومصر والسودان وبعض دول شمال افريقيا !
ومؤكد بأن العصف الذهني الذي أحدثه إنهيار مزار يطلق عليه اسم (قطارة الامام علي) في كربلاء عام 2022 ما أسفرعن مقتل وإصابة العديد من الزائرين ولاسيما بعد الكشف عن توصيلة مائية خارجية تغذي القطارة، أعقبه تأكيد ديوان الوقف الشيعي بأن المزار المذكور غير مسجل لديه، ولا موقوف عليه ، قد جدد الشكوك بشأن العديد من المزارات والأضرحة الموهومة في العراق ولاسيما وأن جائحة المقامات والمزارات الوهمية في العراق باتت تنتشر انتشار النار في الهشيم وبصورة مقلقة ومستفزة للغاية، فيما يرى بعض الباحثين بأن 80 % من المزارات تحوم الشكوك حول صحتها = وهمية وفقا لكتاب (المراقد المزيفة… في العراق) لعباس شمس الدين الصادر عام 2018 ، فللخضر وحده في العراق عشرات المقامات، والمقام هو المكان الذي أقام فيه الشخص محط الاهتمام والتقديس لمدة معينة بخلاف المشهد وهو المكان الذي أستشهد فيه ، أما الضريح كذلك المرقد فهو المكان الذي دفن فيه ، بينما (المزار) كلمة جامعة تطلق على مجمل ما سبق ذكره، ومقام – الخضر – في الباب المعظم على سبيل المثال يمثل غيضا من فيض حمى وجائحة المزارات الوهمية ، وكان مهجوراً حتى عام 1982 فيما يؤكد اﻵثاريوين بأن الموقع في اﻷصل بني لصد مياه الفيضان ولم يكشف عنه النقاب الا عند بناء جسر الباب المعظم في الربع الأخير من القرن العشرين !!
المرجع الديني محمد اليعقوبي ، وفي بيان سابق له نُشِر على موقعه الرسمي قال بأن الكثير من المراقد الوهمية قد صنعها بعض ذوي النفوس المريضة ممن لا ورع لهم ولا دين ليجمعوا بها الأموال من السذج والجهلة ويروون لهم كرامات مفتعلة لتشكل ظاهرة ابتلينا بها وقد ثبت بالدليل القاطع بأن لا أصل لها وإنما نُسبت إلى الصالحين لأغراض عديدة ،وفقا لوكالة الاناضول ، بدوره حذر الشيخ رشيد الحسيني ، من المزارات الوهمية ، مطالبا الاوقاف بإقامة دعاوى قضائية ضد القائمين على تلكم المزارات المزورة لإبتزاز الناس وأكل أموالهم بالباطل .
ولعل الهدف من المقامات والمزارات الوهمية في جانب منه هو التأسيس لمنظومة واسعة من الشعائر والزيارات بغية تحويل العقل الجمعي الى عقلية طقسية شعائرية ينفذ من خلالها أصحاب المصالح لنشر الخرافات والاساطير المخالفة للدين والمذهب بحسب السيد كمال بن باقر بن حسن الحيدري ، بدوره لفت الشيخ (شهيد العتابي) الى أن هناك مرقدا كان يسمى بـ” العلوية الزكاطة ” ذكرت قصته في أحد الكتب القديمة كان قد اخترعه فقير يتولى سقي الزوار حاملا قرب المياه على ظهر حماره ،وبعد نفوق دابته بنى لها مرقدا وصار كثير من الجهلة يتبركون به ظنا منهم بأنه ضريح لمرأة صالحة !
والأعجب هو أن كثيرا من هذه المزارات لايعرف لها المؤرخون ولا الباحثون أصلا ولاسندا ولا نسبا وقد أخترعت على حين غرة بناء على رؤى منامية لأشخاص يزعمونها بغرض التربح السريع والإثراء الفاحش من جهة ، وبهدف الاستيلاء على أراضي وعقارات وممتلكات وأوقاف و تمويل أحزاب وجماعات فضلا على حرف البوصلة عن المزارات الحقيقية وإحداث تغييرات ديمغرافية من جهة أخرى ، ولزاما على إدارات الأوقاف ودائرة السياحة والتراث والامانة العامة للمزارات أن تتدخل سريعا للحد من هذه الظاهرة قبل أن تستفحل أكثر وأكثر وبما لاتحمد عقباه !
ولابد من الاشارة هاهنا الى أن محو الهوية التراثية ماض على قدم وساق ، وعلى مدار عقود خلت ، الا أن وتيرة هذا المحو المتعمد قد تضخمت بإطراد بعد عام 2003 لتتخذ مسارات، وأساليب، وأبعادا عديدة ، شمرت عن ساعد الجد لتنفيذها جهات تلاقت مصالحها، وتلاقحت أجنداتها، وتظافرت مساعيها لتحقيق ما تصبو إليه مجتمعة ،بين مُنفذ ومُخطط وعابث ، وبين غاض الطرف عما يحدث من حوله وشعاره(لا أسمع،لا أرى،لا أتكلم)،بوجود من يكثرون من الثرثرة ويطلقون الوعود لمحاسبة العابثين وايقافهم عند حدهم ، فتسمع جعجعاتهم التي تصم الاذان إعلاميا وعلى مدار الساعة ، الا أنك لاترى طحنهم واقعا قط ، محو وابتلاع يبدأ بالمساجد التراثية الحقيقية العريقة أولا ،وبأوقافها ثانيا ، لينتهي اليهما مرورا بمئات الصروح التاريخية والمعالم التراثية المراد إزالتها ومحوها بطريق ما ، عادة ما تتماهى بالتوازي مع – اختراع المقامات والاضرحة والمزارات الوهمية – فكل صرح تراثي ، ومعلم فلكلوري ،ومسجد أثري يمحى ويدرس أثره ، تسبقه أو ترافقه أو تتبعه عملية اختراع لـ ” مزار أوضريح وهمي قريب أو بعيد معظمها لشخوص وهمية ” لتحل محلها جغرافيا فتلتهم عائداتها وأراضيها ووقفياتها تباعا ولو بعد حين !
ولايفوتنا التنبيه الى أن المزارات الوهمية تعد بؤرا للتسول والسحر والتنجيم والشعوذة والعرافة والكهانة مايفسر إهتمام السحرة بنبش القبور وإستخدام عظام الموتى وأكفانهم اضافة الى الماء الذي تغسل به جثامينهم لخداع عشاق السحر والشعوذة وﻻ فرق في ذلك بين متعلم و أمي ، وﻻ بين غني أوفقير ، حيث يواجه العراق اليوم ظاهرة تتنامى بقوة يقودها ما يسمى بـ” الروحانيين ” وهي تسمية يراد منها تجميل الوجه الكالح للمشعوذين والدجالين وبما يشبه اطلاق مصطلح – المشروبات الروحية – على الخمور والمسكرات بأنواعها ، ومن أشهرهم ﻻعب كرة القدم باللغة العربية – ابو علي الشيباني – ومعلمه الذي لم يفصح عن اسمه قط ، اضافة الى ثلة من المدعين ممن يقدمون أنفسهم على أنهم خبراء أبراج وباراسيكولوجي ومتخصصون في العلاج بالطاقة وفنون – الفنغ شوي – وهي فلسفة صينية قديمة تعتمد على الطاقة والتناغم معها – كذلك الأحجار الكريمة والتنويم الأيحائي – المغناطيسي – علاوة على عشرات المنجمين وقراء اﻷبراج والحظ والطالع ، وخطورة هؤﻻء تكمن في أنهم يقدمون برامج متلفزة وتستضيفهم القنوات ولهم صفحات فاعلة يضحكون بها على عقول السذج للحصول أموالهم ، والمحزن هو أن المشرع العراقي لايعترف بالسحر واقعا وفق المادة 456 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 ويتعامل معه على أنه نوع من الاحتيال ، وعقوبته الحبس ، والحبس لهؤلاء إزاء ثرائهم الفاحش من السحت الحرام وعلاقاتهم الواسعة وأذرعهم الاخطبوطية تعني اطلاق السراح عاجلا أو تقليص مدة محكوميتهم !!
الدجالون والمشعوذون والقيمون على هذه المزارات الوهمية مازالوا وعلى خطى أسلافهم يلجأون الى استخدام الحناء والبخور بكثرة وذلك لإضفاء مسحة مقدسة على المكان مشفوعة بصبغ الأضرحة باللون الأخضر مصحوبا بتعليق الخرق والرايات والاكثار من اللافتات التي تزعم شفاء فلان أو علان من أمراضهم المزمنة والمستعصية على جدرانها بعيد زيارة خاطفة فحسب الى أحدها ، واللجوء الى ما يسمى بـ” طقطقة الحرمل ” بعد خلطه بالملح وحرقه قبيل الغروب بزعم طرد الحسد والعين وهي عادة اغريقية وثنية ، إذ إن الحرمل يحتوي على مواد كيمائية تساعد عند حرقها على زيادة إفراز مادة الدوبامين في الدماغ ما يؤدي الى الشعور بالراحة ولهذا فهو يستخدم في علاج مرضى الباركنسون وتسكين الالام وعلاج الصرع والصداع ، اضافة الى أن الحرمل يطرد الهوام والحشرات المؤذية ولعل هذا من أسباب إرتباطه بالروحانيات واكذوبة طرد اﻷرواح الشريرة على وفق تصورهم القاصر !
أما عن حدوة الحصان التي ينصح الدجالون بتعليقها أعلى أبواب المنازل فهذه عادة وثنية إغريقية ورومانية تزعم قدرتها على طرد الشياطين ، وأول من نقلها الى المسيحية حداد اصبح فيما بعد أسقف كانتبري عام 959 بعد ادعائه بأن شيطانا أتاه متلبسا بصورة آدمي فعاقبه بالحدوة ، كما إن للحدوة ارتباط بالمجازر التي ارتكبها الاسبان بحق المسلمين في الاندلس حين وجهوا غير المسلمين بتعليق حدوة الحصان التي تشبه الهلال لتمييز غير المسلمين عنهم بهدف قتلهم فأصبح لدى الناس إعتقاد جازم بأن من يعلق الحدوة يدفع عن نفسه وأهله الموت المحقق والشر المحدق !
كما يوصي المشعوذون ايضا بإستخدام خرزة العين الزرقاء لدفع الحسد وهذه بدورها عادة وثنية فرعونية تمثل عين ما يسمى بالاله ” حورس” عندهم لطرد الارواح الشريرة ، وهي عادة وثنية عند الفينيقيين أيضا وتمثل ما يسمى بإله القمر ،اما سبب زرقتها فيعود الى لون السماء ، أو الى لون عيون الرومان الذين استعمروا شعوبا شرقية واذلوها فكانت تلك الشعوب ترى في لون عيونهم الزرقاء رمزا للشر ، كما ان للون الازرق عند القدماء رمزية قادرة على كبح جماح الشر على وفق أباطيلهم !
وينصح المشعوذون بتعليق ما يعرف بـ” أم سبع عيون ” لطرد الشرور وهذه أسطورة أخرى تتحدث عن عجوز شمطاء من الجن تدعى ” أم الصبيان ” حبسها نبي الله سليمان – حاشاه – وأخذ منها 7 عهود نيابة عن الجن تقضي بعدم التعرض للبشر في حال تم تعليقها في منازلهم ، والطريف في اﻷمر أنك لو وصلت بين الثقوب السبعة في هذه التميمة التي حرمها الإسلام بخطوط مستقيمة لظهرت لك – نجمة داوود – التي تطرز العلم الاسرائيلي !!
أكاذيب السحرة لم تقف عند ما ذكرنا سالفا بل تعدته الى أكذوبتين هما اﻷكثر رواجا بين المغفلين ، اﻷولى ” عظم الهدهد ” والثانية ” عرج السواحل ” أو مايعرف محليا بـ” عرج سويحلي ” ولطالما سمعت من بعض المثقفين وحين يصدمون بمدير عام شجاع وﻻيخشى رؤساءه وﻻ مرؤوسيه ، أو أنه محط إعجاب النساء لقوة شخصيته وربما لوسامته ادعائهم بأنه يحمل – خرزة أو عرج السواحل أو عظم هدهد – وما يحيط بهاتين التعويذتين من أكاذيب تفوق الوصف وتخالف الشرع وتناقض العقل ، وبما يستخف بالمنطق ، فبين مدع يبث هراءه على يوتيوب يزعم بأن ذيل الهدهد نافع لفك عقدة النساء ، الى زاعم بأن جناح الهدهد عاقد للسان الرجال ، الى ممخرق بأن عظم الهدهد جالب للمحبة ، الى متوهم بأن عرج السواحل يستخرج من القنفذ الشوكي البري أو القنفذ الشوكي البحري في حين انه يستخرج من “خلفية انثى القنفذ المدرع التي تعيش في الصحراء بعد حملها اﻷول داخل الحفرة التي تضع فيها ” ويزعم الممخرقون بأن له قوة لجلب الحبيب لما يمتلكه من قوة كهرو مغناطيسية قادرة على تحطيم الزجاج ليصل سعر الاصلي منه الى مليون دولار والمزيف الى بضع مئات والحديث يصدق على ما يعرف بـ “دم الغزال” المصنع من شقائق النعمان ذات التأثير المخدر والتي تورط بعضهم بزراعتها في الحدائق العامة والجزرات الوسطية لأغراض الزينة !!
عن باقي الجرائم الاخلاقية والمفاسد الاجتماعية والمخالفات الدينية التي يرتكبها السحرة من كتابة الايات القرآنية بالنجاسة ، واستخدام الاقفال ورفات الحيوانات وعظام الموتى ، واستعمال ملابس الضحايا الداخلية وخصلات من شعرهم لكتابة الطلاسم ودفنها في المقابر ، وكتابتها على النجاسة تعني ممارسة الرذيلة مع طالبي السحر وأغلبهن من النساء، كذلك الضحك على عقول السذج ببيعهم الاحجار الكريمة – ومعظمها مزيفة – وادعاء قدرات خارقة لكل حجر ولون ، عن الكشف عن المفقودين والغائبين وجلب الأحبة أو تفريقهم لن اتحدث خشية الاطالة، اﻻ انني سأسوق حكم الشرع في السحرة والمنجمين والدجاجلة :
وقال رسول ﷺ” من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ” ، وقوله ﷺ” ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له؛ ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ” ، وقوله ﷺ” من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد”.
ومن المزارات العجيبة في العراق مزار عباس الزغير ( الصغير ) ، ومربط فرس الحمزة ، ومرقد (كمون) ، ومرقد (العلوية هيلة) ، ومقام ( السيد صاروخ ) ، ومزار (السيد ظاهر واخته مظهرية) ، كذلك مرقد (منيهل الشرع ) ، ومزار (ليلة وعليه) ومرقد (سميجة ولطيفة)، ومرقد (خضراوات وبركات )، و( فرزين وحبش ) و ( عالية وفخرية) بنات الحسن ، مع أن بنات الحسن عليه السلام كلهن عشنَّ وتوفينَّ في المدينة المنورة وبناء عليه فإن مزارات بناته في العراق غير موثقة ، وفقا لكتاب( بنات المعصومين) لمؤلفه حسين ابو سعيدة الموسوي .
والحقيقة أن ظاهرة اختراع مزارات ومقامات واضرحة “الإمام زاده ” باتت تتسع أفقيا وعموديا في العراق وهذا المصطلح المستخدم بكثرة في الفارسية والأردية والأذرية يساق للدلالة على ذرية الائمة ولزاما على دوائر ومؤسسات الثقافة والتراث والسياحة فضلا على مديريات اﻷوقاف ورئاستي الوقفين في العراق التحقق من المزارات الوهمية وملاحقة أصحاب المقامات واﻷضرحة المزيفة والعمل الجاد على اغلاقها وتحذير الناس منها للحد من ظاهرة انتشارها ومن بروزها المريب والمقلق احتراما للعقل والمنطق والشرع والعرف الحسن والقانون ولاسيما بعد أن وصل عدد المزارات إلى (3) آلاف مزار مع أن المسجل منها رسميا لاتتجاوز 170 مزارا فقط !!
علما بأن ظاهرة المزارات المزيفة ليست حكرا على العراق بل وتنتشر في كل من مصر وسورية واليمن ، بعضها صوفية ، وأخرى تجسسية استشراقية، أو استخبارية محلية أو أجنبية ، وأخرى مقامات وأضرحة للربح والاثراء السريع ، وبعضها تمهد لتغييرات ديمغرافية في مناطق مختلطة عرقيا ودينيا وطائفيا ، ففي مصر هناك ما يقرب من 6000 ضريح بحسب وزارة الثقافة المصرية، وكثير منها يقع في كفر الشيخ والمنوفية وسوهاج وأسوان والمنيا ،وسبق لمصدر مسؤول في وزارة الأوقاف أن كشف عن إن خمسين في المئة من الأضرحة زائفة وفقا لبي بي سي ، ليكشف عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية،الشيخ خالد الجندى،”من خلال برنامج “لعلهم يفقهون”بأن 95% من الأضرحة فى مصر مزيفة وقد أصبحت “سبوبة”، للثراء السريع وجمع الأموال !
فهناك على سبيل المثال وليس الحصر ، ضريح “راكب الحجر” لعلاج العقم ، ومقام “الشيخ كوكو” و” الشيخ العبيط ” و ” وابو شوال ” و”شيخ العرايس ” ، و ” الشيخ المحروقي ” وفقا لصحيفة ” صوت الامة ” بعددها الصادر في 24 / أب / 2019 ، كذلك مقام الرؤية” الذي بني بناء على رؤية منامية لأحد المدعين ، وآخر مقام ” الشيخ غراب ” ، وضريح” الشيخة نبيلة ” وهي امراة من عامة الناس كانت تملك فندقًا قبل أن يحولها زوجها الثري بعد وفاتها الى ولية من الاولياء من خلال المبالغة بتعمير وتزيين مدفنها عام 2000 ، وفقا لمجلة ” روز اليوسف ” بعددها الصادر في 22 / أب 2020,ولم يختلف الحال في كل من سوريا واليمن والسودان .
ومن المفارقات العجيبة التي تختزل المشهد برمته هو وجود ضريحين مقدسين في كل من العراق ومصر يرجعان في حقيقتهما الى حاخامات اليهود ، أولهما مقام الحاخام اليهودي ” يعقوب بن مسعود ” المتوفى سنة 1880، في محافظة البحيرة ، والذي تحول الى مقام “الولي أبو حصيرة “بنظر الجهال واصحاب الغرض حيث يحتفل اليهود بمولده سنويا بين 26 / كانون الاول وحتى الثاني من كانون الثاني من كل عام، وكانت احتفالاتهم عبارة عن معاقرة خمور واطلاق صيحات وخلع ملابس ، قبل أن يصدرالقضاء المصري قرارا يمنع بموجبه الاحتفال بمولد – الولي المزعوم – وأصله من المغرب ، بعدما شرع اليهود بتنظيم رحلات سياحية ودينية لزيارته اضافة الى جمع التبرعات ، وشراء الاراضي المحيطة والقريبة من المقام لتحويله الى مزار كبير وتم شطبه من قائمة الآثار الإسلامية والقبطية المصرية بحسب (صحيفة الوطن ) المصرية بعددها الصادر في 28 / ايلول / 2020، أما مقام رئيس الطائفة اليهودية في العراق ” اسحاق خضوري ” فقد تحول وبقدرة قادر في منطقة التوراة وسط العاصمة بغداد الى الولي الصالح ” اسحاق بن الكاظم ” وفقا للباحث الموسوعي العراقي الدكتور علي النشمي ..!!
فكفاكم عبثا بعقول الناس وعقائدهم ، واثراءا على حساب جهلهم ، وافلاسا لجيوبهم ، وضحكا على ذقونهم ، واستغلالا لمشاعرهم ، وعلى الجهات المعنية التدخل لكبح جماح الكارثة ولات حين مندم ! اودعناكم اغاتي