بسم الله الرحمن الرحيم
” إن الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل، لأن أغلبية من الحمير ستقرر مصيرك”. برنارد شو.
منذ الأيام الأولى لدخول قوات الغزو الأمريكي للعراق صدحت أفواه الشيعة بنشيد مثير” كلنا وياك سيد علي” ولم يكن المقصود علي بن أبي طالب بل حفيده الإيراني علي السيستاني، ولا نعرف هل كان النشيد يعني التفاعل مع فتوى السيستاتي بالتعاون مع قوات الإحتلال؟ أم أن السيد كان منظرا في الحرب الغادرة على العراق شأنه شأن القادة العسكريين الأجانب؟ المهم في بداية الإحتلال وبإعتراف الرئيس العراقي آنذاك (المندوب السامي) بول بريمر لم يُتخذ أي قرار سياسي دون الرجوع الى السيد علي. حتى ان سكرتيرة بريمر تصورت بأن بريمر إعتنق مذهب السيد علي بسبب تبعيته له.
كان تشكيل مجلس الحكم، وتعيين أعضائه، والتصويت على الدستور، والإنتخابات المبكرة، وتشكيل أول حكومة إحتلالية، كلها تمت بتوجيهات مباشرة من السيد علي، وبتنسيق وتفاهم خماسي بين واشنطن ـ قم ـ نجف ـ تل أبيب ـ كردستان العراق. و عندما وضع الألماني اليهودي نوح فيلدمان الدستور العراقي، كان أهم نص دستوري عند الزعماء الشيعة هو تثبيت هيبة المرجعية، والحفاظ على كيانها، وإستشارتها في كل واردة وشاردة تخص العراق الجديد. وأصبحت المرجعية غرفة عمليات سياسية ـ دينية ملحقة بإدارة البيت الأبيض. وكان الزعماء الشيعة خلال السنوات الأولى من الغزو في حج إسبوعي الى النجف، للحصول على مباركة المرجع، وحذا زعماء السنة حذوهم، حذو النعل بالنعل.
من البديهي إن المرجعية تتحمل المسؤولية كاملة عن تشكيل الحكومات السابقة والألغام الدستورية، وبالنتيجة فهي تتحمل إضافة إلى حكومات الإحتلال، مسؤولية الفساد المالي والسياسي والأخلاقي الذي شهده العراق منذ الغزو ولحد الآن. وان ما يصدح به مراجع الشيعة ووعاظ السلاطين من خطباء المنابر وممثلي السيستاني من إنتقادات للحكومة لا يعفيها مطلقا من المسؤولية، فهي التي دقت مسامير كرسي المالكي لدورتين سابقتين. وحتى مسألة الوقوف على مسافة واحدة من القوائم الإنتخابية التي طرحتها المرجعية، كسياسية للتنصل من المسؤولية، كانت مسألة فيها نظر، وتثير الكثير من علامات الإستفهام؟ لأن هذه السياسة تعني ان المرجعية تقف على نفس المسافة من الصالحين والفاسدين، من اللصوص والأمناء، من المزورين وغير المزورين، من المرتشين وغير المرتشين، من السماسرة والعاهرات من جهة والشرفاء والشريفات من جهة أخرى. ولا يعتبر الموقف حياديا عندما تعمل المرجعية بقاعدة الأواني المستطرقة مع جميع الأطراف في الساحة.
مع هذه كانت محاولة المرجعية الأخيرة لإنقاذ ما تبقى من ماء الوجه ـ هذا إن ما بقي لها ماء وجه بعد ظهور نتائج الإنتخابات ـ من تحريم إنتخاب المالكي لولاية ثالثة، هي أشبه ما تكون بنثر الرمال في العيون، ففي سابقة متأخرة عن أوانها أربع سنوات على أقل تقدير، حرم المرجع الهندي بشير النجفي ـ لاحظ ينتحل لقبا يوحي للسامع بأنه من النجف ـ إنتخاب المالكي للحكومة القادمة. فقد ذكر “كنا نأمل في وقف نزيف الدم والحفاظ على الارواح والاعراض والاملاك العامة والخاصة، ويعيش العراقيون بأمان، لكنّ شيئًا من هذا لم يتحقق بعد 11 عاماً من رحيل صدام”. وقال إنه يسقط يوميًا في ظل وجود حكومة العراق الحالية المئات من القتلى، إضافة إلى أنّ 30 بالمئة من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر وتنتشر بينهم البطالة والغلاء بالرغم من موازنة العراق العالية التي تعادل قيمتها موازنات اربع دول في المنطقة”. يبدو ان النجفي مصاب بالزهايمر وهو يتحدث عن(11) سنة متناسيا إن الدورة الإنتخابية الثانية(2010) قد تمت بدعم ومباركة المراجع الأربعة للمالكي كالدورة الأولى، والمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين! كما أن مشكلة الفقر والجوع والبطالة والغلاء وضياع المليارات، لم تكن وليدة المرحلة الإنتخابية الثانية بل موروثة من الدورة الأولى.
فإذا صح قول النجفي ” أن ديننا ودينكم ووطننا ووطنكم وضميرنا وضميركم يجبرنا بدلاً من ذلك على انتخاب الكفوء الصادق الامين”. نسأله: إذن لماذا حرضتم أتباعكم على إنتخاب المالكي لدورة ثانية وقد كُشفت جميع أوراقه منذ الدورة الأولى؟ ثم كيف نفسر قولك ” انتخبوا عمار الحكيم فهو ابني وابن المرجعية”. نسأله بدورنا: أليس عمار الحكيم جزء من حكومة المالكي الفاسدة؟ أليس للحكيم وزراء ومحافظين ورؤساء مجالس محافظات؟ أليس للحكيم نواب في البرلمان؟ هل كان أتباع الحكيم من الأتقياء في حكومة المالكي؟ أم كانوا كغيرهم من الفاسدين وعادل عبد المهدي أقرب نموذج؟ أليس الحكيم يحمل الجنسية الإيرانية؟ أليس عمار الحكيم ومقتدى الصدر هم من وقفوا ضد سحب الثقة من المالكي؟ أليس كلهم بضائع إيرانية فاسدة، فعلام الترويج للحكيم فقط؟
من جهة أخرى يذكر النجفي” سنقف ضد كل حاكم اذا مشى بشكل معوج واذا ظلم الشعب”ّّ نسأله أيضا: هل وقفتم فعلا ضد المالكي؟ هل أن رفض المرجعية لإستقبال المالكي يعني الوقوف ضده؟ وهل هذا كافِ لوقف الفساد الحكومي ومعالجة مشاكل الماء والكهرباء والفقر والأمية والبطالة والرشاوي والتزوير والعقود الفاسدة وإنتفاء الخدمات وسرقة مواد البطاقة التموينية وغيرها؟ ألم يكن المالكي نفسه إبن المرجعية قبل أن ينقلب عليكم؟ أم كان لقيطا وتبنته المرجعية؟ ثم لماذا جاءت فتواك في الوقت الضائع؟ بعد إنتخابات الجيش(مليون وثلاثة وعشرين ألف صوت كسب معظمها المالكي) وبعد إنتهاء إنتخابات الخارج، وفي وقت ضيق جدا من إنتخابات الداخل.
كما إن النجفي ذكر أمرا خطيرا وجب على المنظمات الدولية أن تأخذه بنظر الإعتبار من خلال تسائله عمن يقف وراء الإرهاب في العراق” لكن من الذي خلق الارهاب؟ إنه ـ أي المالكي ـ هو السبب! فقد اهمل حدود العراق وجعل دخول البلاد سهلاً على الارهابيين الذين يجتازونها بالعجلات المحملة بالاسلحة، ولم يتخذ أي اجراءات ضدهم”. إنها إدانة وافية وصريحة لصانع الإرهاب.
بالطبع أن حصيلة الإنتخابات كانت الخيط الذي بفصل بين شروق أو غروب دور المرجعية عند أغلبية الشيعة؟ ومدى إلتزامهم بفتاويها. التصريحات الجوفاء بأن المرجعية راشدة ومقدسة، وهي خط أحمر، وغيرها من العبارات الطنانة والشعارات الرنانة، ليست سوى هراء، أو كما يسميها العراقيون قيطان الكلام. النتائج فقط هي الفيصل الحاسم. وهي الدليل الحاسم على إحترام الشيعة لمرجعيتهم أو عدم إحترامها.
وتجدر الإشارة بأن خذلان الشيعة لمراجعهم ليس بالأمر الجديد، فالذي يخذل حفيد الرسول الأعظم(ص) يهون عليه أن يخذل غيره من المراجع. يذكر محسن الأمين وهو من أعيان الشيعة وصاحب موسوعة الغدير بأنه”بايع الحسين عشرون ألفا من أهل العراق، غدروا به، و خرجوا عليه، و بيعته في أعناقهم و قتلوه “. (اعيان الشيعة1/34). ويذكر مؤرخ الشيعة اليعقوبي ” لما دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نسائها يبكين ويصرخن! فقال: هؤلاء يبكين علينا، فمن قتلنا؟”. (تأريخ اليعقوبي1/235).
إن حصول المالكي على أكثرية المقاعد وبزيادة ثلاثة مقاعد نيابية عن الدورة السابقة، يرجع أولا: إلى النزاهة والإستقلالية المفرطة للمفوضية العليا للإنتخابات. ثانيا: إلى إعجاب الشيعة بشخصية المالكي وقناعتهم به كحاكم يناسبهم. ثالثا: تنفيذ الشيعة للأحندة الإيرانية على حساب المواطنة العراقية. وهذا يفسر أسباب سفر قاضي القضاة (رئيس مجلس القضاء الأعلى، رئيس المحكمة الاتحادية العليا) مدحت المذموم الى طهران لتلقي آخر التوجيهات حول الحكومة القادمة! وإلا ما علاقة رئيس الجمهورية الإيرانية، ورئيس البرلمان ورئيس مجمع تشخيص النظام بزيارة القاضي مدحت المذموم، ليلتقوا به؟
إن أكثرية المقاعد التي حصدتها ماكنة المالكي بالتزوير والرشوة وشراء الذم سيما مجلس المفوضية العليا للإنتخابات، ووسائل الترغيب والترهيب للقطعان المسلحة، تفرز عدة أشياء.
. ان الشيعة ما زالت مصرة على إختيار مختار العصر ليحكم العراق، فليس من المعقول ان ينتخب الأكراد أو أهل السنة وبقية الأقليات العراقية المالكي. الشيعة فقط هم الذين إنتخبوا المالكي وأعطوه أصواتهم.
. فضيحة أكذوبة الملايين من الصدريين التي صدعوا بها رؤوسنا خلال التظاهرات والزيارات المليونية! أين ذهبت هذه الملايين من الصدريين؟ وقد حصل مقتدى على عدد مخزِ من المقاعد، لا يتناسب مع مليون واحد وليس الملايين
. إن الشيعة ترى في المالكي هو الفارس الوحيد من فرسانها الذي يمكن أن يقود جيش الحسين ضد جيش يزيد، ويصفي الحسابات مع أهل السنة(تصفية الحساب كان الهجوم الفاشل السابع للمالكي على الفلوجة، حيث لقنوه درسا قاسيا، إضطر معها لسحب قواته من المواجهة وطرح مبادرة جديدة للتفاوض، لكن بعد خراب الرمادي). أي المنظور الطائفي كان الدافع الرئيس لإنتخاب المالكي.
. أفول نفوذ المرجعية، فالشيعة تقول للنجفي والسيستاني ـ الذي دافع عن النجفي عندما هاجمه النائب خالد العطية القيادي في ائتلاف دولة القانون ـ معذرة سادتنا ومراجعنا وافرة الظل! المال أولا! فسحر فتاويكم غير قادر على حل عقدتنا مع إغراءات المالكي.
. يبدو أن الشيعة في غمرتهم ساهون، وعن حقوقهم لاهون. فهم لا يرون إن لهم حقوق في ثروة البلد. والفساد السياسي والمالي والإخلاقي لحكومة المالكي لا يمثل لهم أية مشكلة. لذا فهم مصرون كل الإصرار على إنتخاب الفاسدين، ربما بسبب عقيدة المنتظر الذي يحتاج الى مزيد من الظلم والفساد ليخرج من حفرته ويملأ الأرض عدلا، وهذا لا يتم إلا عبر حزب الدعوة ودون كيشوت الفساد الحزب نوري المالكي.
. مفوضية الإنتخابات إنهت مهمتها في تزوير النتائج لصالح المالكي على أكمل وجه، وعليها منذ الآن تستعد للدورة الإنتخابية الرابعة لصالح المالكي وحزبه العميل.
. الشيعة لا تريد التغيير وهي قانعة بالرفاهية والتنمية الكبيرة التي حققها المالكي على كافة الأصعدة. وربما شعار الشيعة الجديد: لا! لا للتغيير! المالكي، وغيره ميصير!
. لا يحق للشيعة بعد فوز المالكي بأعلى نسبة من المقاعد البرلمانية ان يخرجوا بتظاهرة ضده، أو ضد حزبه، لأنه صنيعتهم، وهم يتحملون وزر الإخطاء القادمة، سواء تسلم رئاسة الوزارة من عدمها، فهو صاحب ثقل كبير في البرلمان القادم.
. ساهم الشيعة في تحقيق المالكي لشعاره الديمقراطي (ما ننطيها ـ أي السلطة)، بغض النظر عن الوسائل اللامشروعة التي إتبعها.
. فوز المالكي بأعلى المقاعد، يعني إن الشيعة خذلوا المرجعية، وخذلوا الشعب العراقي، وخذلوا المواطنة والحق والعدل والضمير والدين.
في الختام هنيئا لشيعة العراق الفترة المظلمة الثالثة من تأريخهم العاثر في غياهب الباطل وأزقة الظلال.
ونقول للمرجعية: يا لخيبتكم في أتباعكم! ولكن لا أسف على أفول دوركم عند الشيعة! فعلى نفسها جنت براقش.
علي الكاش