معضلة “الوطنية” في العراق

معضلة “الوطنية” في العراق
آخر تحديث:

بقلم: سمير داود حنوش

يُقال والعُهدة على القائل إن وزير الطاقة الياباني انحنى عشرين دقيقة أمام شعبه على التلفزيون مباشرة، وهي المدة التي قُطعت فيها الكهرباء عن بعض المناطق في اليابان. تخيّلوا لو طبّقنا نظام العين بالعين، تُرى كم سينحني وزراء الكهرباء الذين تعاقبوا على الوزارة في العراق ومن ورائهم قادة وزعامات أمام الشعب العراقي رُكّعاً سُجّداً، هذا إذا كانت أعمارهم تكفي للتوبة.

في العراق تسمى منظومة الطاقة الكهربائية بـ”الوطنية”، ولا أدري من أين اشتُقّت هذه التسمية، مع العلم بأنها من أكبر أفعال الخيانات العظمى التي أجرمت بحق الشعب العراقي ولا تمُتّ بأي صلة للوطن أو المواطن.

أزمة الوطنية قضية بات لدينا يقين بأنها غير قابلة للحل، وكارثة بعناوين إنسانية يجري ترحيلها من حكومة إلى أخرى، بحيث كلما دخلت أمة لعنت أختها في أسباب التردي بمنظومة الكهرباء.

“الوطنية” أصبحت من أبواب الدعاية الانتخابية التي يتبجّح بها كل من يريد دغدغة مشاعر الشعب.تذكرون نُكتة حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة في حكومة نوري المالكي الثانية، عندما بشّرنا بأن العراق سيُصدّر الكهرباء الفائض في عام 2013، أصبحت نُكتة سخيفة تتداول للطرافة والاستهزاء والسخرية من فشل حكومات متعاقبة لم تستطع أن تجد حلاً لتحسين “الوطنية” ونحن على أعتاب عام 2024.

أزمة الطاقة في العراق سياسية بامتياز وليست فنية، تستخدمها جماعات الضغط لممارسة سياسات الترويض والإلهاء واستمرار المعاناة لأغراض في نفس السلطة، ولذلك يرى المواطن تحسناً في تجهيز الطاقة واستقرارا ملحوظاً في مواسم الانتخابات والشعارات السياسية.

عندما تخبرهم أن العراق أعاد إعمار منظومة الطاقة التي استهدفتها طائرات الغزو الأميركي عام 1991 إلى ما كانت عليه خلال فترة لا تتجاوز الأشهر وبأيادٍ وخبرات عراقية، يتم اتهامك بأنك من الذين يروجون للنظام السابق.

الوعود بتحسن “الوطنية” أدام الله سالبها وموجبها، أصبحت من شعارات غوبلز التي تعودنا على سماعها بداية كل صيف من تصريحات مكررة، بالمناسبة “غوبلز” هو وزير الدعاية الألمانية في عهد هتلر الذي كان يُردد دائماً مقولة “اكذب ثم اكذب.. حتى يُصدقك الناس”.ويبدو من تكرار هذه الوعود جعلتنا نعتقد أن في نهاية النفق الطويل لا يوجد حتى ذلك الضوء للاستدلال عليه.

منظومة الكهرباء عالم متسلسل من المافيات تتحكم بها، ابتداء من أصحاب المولدات الذين تحول بعضهم إلى وحوش بشرية تتحكم بمصائر العباد وتنهش من قوتهم، مروراً بدول إقليمية لا ترغب للعراق بـ”الوطنية” لأنها من أكبر المستفيدين من الأزمة، وصولاً إلى بعض أصحاب القرار السياسي الذين يستكثرون على المواطن البسيط أن ينعم ببعض “الوطنية”، وماذا سيبقى له من مطالبات إذا حصل على هذه النعمة منهم، وبماذا سيفكر لاحقاً؟

يعتقد العراقيون أن حلول أزمة “الوطنية” لا بد أن تكون إما فرجاً من السماء، أو قرارا دوليا يخرج من دهاليز الأمم المتحدة يقضي بمعالجة حقيقية.

قصص وحكايات فساد ونهب ومليارات ضائعة، كل واحدة منها تستحق أن يُطلق عليها عنوان “سرقة القرن” تُسمع وتُرى بالعين المجردة لكنها في النهاية تُحفظ في أدراج النسيان والإهمال، أو تستقر لتراها في جيوب الذين يعتاشون على نهب أموال وثروات الوطنية.

“الوطنية” نوعان في وطننا. النوع الأول، هو الطاقة الكهربائية التي نُسميها زوراً وبُهتاناً بـ”الوطنية”. والثاني، وطنية بعض السياسيين الذين باعوا وارتهنوا البلد لقاء حفنة من الدولارات، أو حين تُصيبهم أزمة ضمير وشرف لا تفارقهم، وفي كل الأحوال كانت “الوطنية” ضائعة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *