ان مفهوم “السيادة” هو اكبر عملية احتيال قامت بها البرجوازية في العالم المعاصر وسوقتها وباعتها بثمن باهظ على الطبقة العاملة. وليس هذا فحسب بل وعن طريق هذه العملية عومت البرجوازية العمال والشرائح الاجتماعية المسحوقة كي تحولها إلى وكيل مزيف ورأس حربة لها في معاركها مع منافسيها من برجوازيات البلدان الأخرى التي يقف معها عمالها الخاضعين لخداع تلك “السيادة”. وفي نفس الوقت تبادر البرجوازية في لعب دور المحامي للدفاع عن تلك “السيادة” باسم العمال ومحرومي المجتمع كي تنتزع تنازلات مادية وسياسية من منافسيها الآخرين في الدول الأخرى، والتمهيد لعقد الاتفاقيات والصفقات، التي في اغلبها تكون سرية تجري خلف الكواليس ومن وراء ظهر الجماهير.
ان “السيادة” بالنسبة للبرجوازية وحسب حاجتها؛ من الممكن ان تكون مقدسة وتسفك الدماء من اجلها، ومن الممكن ان تكون معدومة أو لا يكترث احد لها كما حدث مع احتلال العراق. المهم ان الوقوف إجلالا للسيادة واخذ تحية العلم لها وعزف النشيد الوطني “موطني” لها، أو الدوس عليها دون اي عناء أو اكتراث مرتبط بموافقة البرجوازية الحاكمة منها. ففي الأول تقام الدنيا ولا تقعد وتدق الطبول الإعلامية والدفوف، وتشحذ الهمم وتعبئ المجتمع سياسيا وإعلاميا ووجدانيا وأحيانا عسكريا، إذا كان من ينتهكها لم يدفع ثمن بطاقة الدخول، في حين يغض الطرف عن الدوس على السيادة إذا كان من ينتهكها هم من أصحاب كارتات الدفع المسبق، حصلوا عليها ممن امتهنوا مهنة العمالة باحترافية عالية كما يحدث اليوم في العراق.
المفارقة المضحكة والتي تثير السخرية، هي أنه وعندما يتحدث عن السيادة العراقية والتبجح بالدفاع عنها (رئيس الجمهورية) ومرشح جميع القوى السياسية ممن قتل المتظاهرين والمتواطئين معهم من القوميين والطائفيين ، ومستذكرين هذا العنوان “السيادة” في ذكرى سقوط بغداد ٩ نيسان وإعلان احتلال العراق. ولا يقف الموضوع عند هذا الحد، بل ان الكاظمي وفي كلمته بعد تكليفه لاستلام منصب رئيس الوزراء أطلق جمل إنشائية طنانة حول السيادة، ومستخدم بعض مقولات المرجعية الشيعية، كي يضفي مشهد درامي مثل السينما الهندية على السيادة، عندما قال ان سيادة العراق غير جدلية، وظل يكرر مقولة السيادة بين سطر وسطر في كلمته، وكأن اشتعال شرارة انتفاضة أكتوبر والتي قتل فيها المئات من المتظاهرين العراقيين واختطفوا واغتيلوا كان من اجل “السيادة”، وليس من اجل رغيف من الخبز والقليل من الكرامة الإنسانية مع مساحة صغيرة من الأمن والحرية.
حقيقة لا ندري ماذا نصف كلمة الكاظمي المكلف الجديد لرئاسة الوزراء حول إفراطه باستخدام مقولة السيادة، في الوقت الذي يحي ذكرى سقوط النظام في ٩ نيسان، هل نصفها بالنفاق السياسي أو بازدواجية المعايير في ذكرى سقوط بغداد. أو ليس شن الحرب على العراق واحتلاله عام ٢٠٠٣ ودون موافقة مجلس الأمن الدولي وعن طريق سياسة البلطجة الدولية هي انتهاك لسيادة العراق؟ أم انه نيران صديقة، وان هذا النوع من الخرق الفاضح طبعا للسيادة البرجوازية لا يعتبر انتهاك للسيادة، لان من احتل العراق وداس ببساطيله على كل القيم الإنسانية وقتل مئات آلاف من جماهير العراق إضافة إلى الأهوال الأخرى التي احدثها في مجال الصحة والتعليم والخدمات والنهب والسلب والفساد، هو من نصبت هذه الكتل السياسية على السلطة في العراق وهي من رشحت سيادة مصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء.
وليس هذا فحسب فما دمنا بصدد السيادة اليوم في ذكرى احتلال العراق، لنذكر أيضا ان مساعد وزير الخارجية الأمريكي أعلن انه سيدعم حكومة الكاظمي إذا التزمت باحترام سيادة العراق ومحاربة الفساد، في حين كانت جيوشه عام ٢٠٠٣ هي من علقت سيادة العراق إلى إشعار آخر. وهنا يقصد مساعد وزير الخارجي الأمريكي بالسيادة، مجرد تحجيم النفوذ الإيراني في العراق. بينما توغل النفوذ الأمريكي وتحويل العراق أرضا وسماءً إلى ساحات حرب لتصفية عملاء الجمهورية الإسلامية في العراق ومنطقة حرة للشركات الأمريكية ومؤسساتها المالية، فلا يدخل في خانة انتهاك السيادة.
بيد ان المفهوم النسبي الذي تتمتع به “السيادة” يأخذ شكلا آخر عند تحالف المليشيات التي قتلت المتظاهرين، فبالنسبة لقيس الخزعلي وأبو ولاء الولائي والبطاط والكوثراني.. فأن ضرب القواعد العسكرية العراقية بالصواريخ الإيرانية بحجة وجود القوات الامريكية وضرب المعارضين الإيرانيين في كردستان العراق وتوغل الجيش التركي وبناء قواعد عسكرية فيها ليس انتهاك للسيادة. كما ان إطلاق عدة تصريحات ومن معممين مسؤولين إيرانيين بأن العراق هو الحديقة الخلفية لإيران، لا يعد انتهاكاً للسيادة ولم يحرك وجدان وقلوب “الغيارى” من القوى الإسلامية التي رفعت لواء الدفاع عن سيادة العراق.
ما نريد أن نقوله أن التلاعب بمفهوم السيادة هو جزء من ترهات البرجوازية، ومحاولة لجر أنظار الجماهير إلى مكان آخر، وذلك لتمويه الجماهير عن الاطرفا الحقيقية في انعدام أمنها وسلامتها، وإشاعة فقرها وعوزها، وفي نفس الوقت تعبئتها لزجها في حرب ليس حربها إنما هي حرب اللصوص وعرابيها من الأنظمة المافيوية في إيران وأمريكا.
ان مفهوم “السيادة” هو جزء من قاموس الترهات السياسية للبرجوازية، ولا اي مصداقية أو معنى لها. وإن تلك الطبقة مستعدة ان تبيع كل شيء بما فيها ممارسة مهنة السمسرة والبلطجة والعمالة السافرة وتدوس على كل شيء من اجل مصالحها. أما بالنسبة لنا نحن الشيوعيين فأن نظرنا إلى السيادة هي من زاوية سيادة الإنسان، كرامته وقيمته، أمنه وسلامته وصحته ورفاه. ان انتهاك هذه السيادة تجري في كل لحظة وبشكل يومي ومتكرر من قبل نفس القوى الإسلامية ومن قبل أمريكا والجمهورية الإسلامية. فإذا استطعنا الوقوف بوجه انتهاك سيادة الإنسان ووضع حد له فيمكننا حينئذ ان نضع حدا لمن يخرق سيادة امن وسلامة وحرية جماهير العراق.