مقابر السجناء، والتلاعب السياسي بالقضاء!

مقابر السجناء، والتلاعب السياسي بالقضاء!
آخر تحديث:

بقلم:جاسم الشمري

اتّفق العقلاء عبر العصور على أن السجون وضعت لتكبيل الأشرار، وتقليل ضررهم على المجتمع، والسعي لإصلاحهم ليعودوا ثانية، بعد أن ينالوا جزاءهم العادل، ليساهموا في بناء المجتمعات!

ومن هنا تُعتبر السجون حالة صحّيّة لتصفية المجتمعات من المجرمين والمخرّبين والإرهابيّين والمرضى النفسيّين، لكن بالمقابل تعتبر تلك السجون حالة مرضيّة حينما تكون مقبرة لدفن الأبرياء، ومحجرا لكلّ من يُراد التخلّص من دورهم الإيجابيّ من قبل قوى الدولة واللادولة!

وتُعتبر حكاية سجون العراق قصّة لها أوّل وليس لها آخر، وبدايتها كانت بعد الاحتلال الأمريكيّ، أما نهايتها فلا يمكن تحديدها بسهولة لأنّها حتّى الآن مستمرّة بمآسيها وأحداثها التراجيديّة والمأساويّة السوداء!

وقبل يومين حدّثني صديق عراقيّ بأنّه اعتقل في الشهر الرابع من العام 2017، دون مذكّرة اعتقال، وبعد شهرين من الاعتقال تمّ ترتيب مذكّرة الاعتقال، وفي الشهر العاشر من ذات العام قدّمت أوراقه للقضاء، وقد أخبر القاضي بأنّ مذكّرة الاعتقال مؤرّخة بتاريخ حزيران بينما الاعتقال تمّ بشهر نيسان، وحينها أخبره القاضي بأنّ (الأمور تسير بأوامر عُليا)!

وخلال تواجد صاحبنا في السجن، وبسبب إتقانه للغة الإنكليزيّة، اعتمدت عليه الإدارة في الترجمة مع المنظّمات الحقوقيّة الأجنبيّة التي كانت تزور السجن!

وعبر هذه العلاقات عرف السبب الحقيقيّ لاعتقاله وغيره، وذلك لأنّ كلّ سجين مخصّص له يوميّا (12) دولارا، كبدل طعام، والواقع كانت الموادّ الغذائيّة الموزّعة عليهم من أسوأ النوعيّات، وربّما تكلّف أقلّ من دولارين، ولهذا كانوا يجمعون الناس الأبرياء من المنازل والشوارع وكأنّهم يجمعون دولارات متناثرة على الأرض!

ويوجد في تلك المدينة لوحدها ثلاثة سجون، وتضمّ ما لا يقلّ عن 13 ألف معتقل، حينها، وكلّ معتقل يساوي، في حسابات إدارة السجن، 10 دولارات يوميّا، ولكم أن تتخيّلوا حجم الكارثة!

وهنالك مئات آلاف القصص المماثلة والأبشع من قصّة هذا الرجل المطارد حاليّا، وجميعها حكايات مليئة بالظلم والظلام والخراب وتدمير العوائل!

وبمناسبة كلامنا عن السجون وحكايات الظلم لا يمكن أن نقفز على قصّة النائب السابق أحمد العلواني، الذي اعتقل ليلة 28 ديسمبر/ كانون الأوّل 2013، من منزله بمحافظة الأنبار الغربيّة، حيث هاجمت قوّات الطوارئ (سوات) منزل العلواني، واعتقلته بعد أن قتلت شقيقه، وجرحت ابن عمّه إضافة إلى 15 آخرين من حمايته وأفراد أسرته!

ومن يومها غُيّب العلواني، وحكم عليه بالإعدام في يوم 23‏/11‏/2014 بتهمة القتل العمد لجنديّين عراقيّين!

وقد كشف علي الحاتم شيخ عشائر الدليم، الذي عاد، قبل أسبوع، لمنزله في الأنبار بعد ثماني سنوات من التهجير والمطاردة، بأنّ العلواني سيُطلق سراحه يوم الخميس (28/4/2022)، وهذا ما لم يحصل، وكأنّ جهة ما ورطته بهذا التصريح، الذي يُعدّ بداية غير جيّدة للحاتم في ميدانه الحقيقي، مدينة الأنبار!

وقد أكّد لِي أحد الشخصيّات النافذة أنّ العلواني نُقل إلى سجن المطار قبل بضعة أيّام تمهيدا لإطلاق سراحه!

ويأتي تصريح الحاتم بعد أسبوعين من براءة الوزير السابق رافع العيساوي، ولا ندري كيف اتّهم الحاتم والعلواني والعيساوي وغيرهم وهم أبرياء قطعا، وقد ظُلموا بشكل علنيّ (وقانونيّ)، ثمّ اليوم يتمّ تسوية ملفّاتهم وفقاً لسياسة المقايضات القضائيّة الهادفة لضرب (الشركاء) والتي فرضت نفسها على الواقع نتيجة الانغلاق السياسيّ المستمرّ منذ سبعة أشهر، ولكنّ السؤال المفروض الآن:

إذا كان هؤلاء (المتّهمون (الأبرياء) الكبار) يمتلكون الأوراق الضاغطة على القوى السياسيّة، بشخوصهم أو كياناتهم، للحصول على براءتهم، فمَنْ سيكون لعامّة السجناء المظلومين الذين لا يملكون حتّى قوت يومهم، ومَنّ سينصفهم، وينقذهم من سجون ومقابر الموت البطيء؟

ولا ندري هل الحلول، أو تصوّرات (بناء الدولة) تكون بزجّ الأبرياء في دهاليز قاتلة مميتة؟

لقد أثبتت التجارب أنّ السجن في العراق ليس المكان الذي يُقيّد حرّيّة السجين وحَسْب، بل هو المدفن الذي يُهان فيه البريء، ويموت فيه الضعيف والسقيم، ويُطمر فيه الصبور المحتسب، ويُغيّب فيه المسكين الذي لا يجد من يُدافع عنه، ويُنحر فيه مَنْ دافع عن القيم الأصيلة دون أن يكون له أيّ حزب يسانده أو كيان يصونه!

ما يجري في العراق من تناحر وخراب، قد يكون بسبب دعوة سجين مظلوم، أو أمّه أو زوجته أو أخته، وهذه الدعوة سرت في جنح الليل، والظالم نائم، ولكنّ الله لم ينم!

يفترض أن تكون الخطوة اللازمة والفوريّة هو إطلاق سراح جميع الأبرياء، وتخليصهم وعوائلهم من العذاب والبؤس والشقاء المرافق لهم في حالة (اللاحياة واللاموت) المفروضة عليهم بسبب الظلم وتغييب الأبرياء في دهاليز السجون المظلمة والقاتلة!

لنجعل من السجون دوائر إصلاحيّة وليست مدافن لزرع الأحقاد والكراهية والإرهاب!

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *