من الصعب الإجابة على سؤال من نوع “لِمَ سلمت الولايات المتحدة العراق الذي احتلته عام 2003 إلى إيران لتهيمن عليه؟”. مسألة تحيط بها الكثير من الألغاز التي لا يمكن تفكيك عناصرها في ظل عزوف المجتمع الدولي والنخب المثقفة عن النظر إلى الكارثة التي ضربت العراق بحجمها الطبيعي.هنالك صمت عالمي في كل ما يتعلق بالعراق هو أشبه بالمشاركة في الجريمة من خلال النأي بالنفس عمّا يمكن أن يسببه قول الحقيقة من متاعب، لا لشيء إلا لأن الولايات المتحدة هي الطرف الذي صنع كل المعادلات السائبة التي تحكمت، وتتحكم، بمصير العراقيين، حاضرا ومستقبلا.
كان الوعد أن يكون العراق أميركيا، وهو الأمر الذي كان أكثر احتمالا بسبب ما أنفقته الولايات المتحدة من أموال هائلة، ناهيك عن الأربعة آلاف جندي أميركي الذين قتلوا من أجل أن يكون الاحتلال ممكنا بعد إسقاط النظام الوطني.كان ذلك الوعد مقبولا لبعض الفئات العراقية باعتباره نتيجة طبيعية لحوالي ربع قرن من الحروب العبثية التي خاضها النظام السابق، ولكن حلم ذلك البعض برعاية أميركية سرعان ما تبخر. لقد فتحت الولايات المتحدة باب الحكم على مصراعيه للأحزاب الدينية الموالية لإيران. بل فعلت الأسوأ حين سمحت لميليشيات عراقية تم تدريبها في إيران بدخول الأراضي العراقية وفرض سيطرتها.
يومها انطفأ الحلم الأميركي البراق والواعد بمستقبل مدني زاهر من وجهة نظر المتحمسين للأمركة، ليبدأ الكابوس الإيراني بكل تفاصيل دروبه الطائفية المتشعبة. ولهذا يزعم الكثيرون أن المرحلة الأكثر عتمة من مراحل المشروع الأميركي في العراق بدأت يوم أقرت الولايات المتحدة بالهيمنة الإيرانية باعتبارها واحدة من مسلمات الحياة في العراق. ترى ما الذي حدث لكي تسلّم الولايات المتحدة غنيمة حربها التي شنتها خلافا للقانون الدولي إلى عدوها الذي هو في الوقت نفسه عدو العراق؟
يعتقد البعض أن الإدارة الأميركية لم تخطط لمرحلة ما بعد الاحتلال. إضافة إلى أن معلوماتها الاستخبارية عن المجتمع العراقي لم تكن كافية إلى الدرجة التي تؤهلها لفهم واستيعاب ردود أفعاله. وهو اعتقاد ساذج، بالنظر إلى ما تملكه الولايات المتحدة من خبرات في ذلك المجال. وبالأخص أنها مهدت لغزوها بسنوات طويلة من الحصار المضني الذي انتقل بالعراق إلى العصور الحجرية كما وعد الرئيس جورج بوش الأب.لم يكن إنقاذ العراق إذاً من الاستبداد والانتقال به إلى عصر الديمقراطية إلا شعارا مضللا، رفعته الإدارة الأميركية مسوّغا لغزوتها. كان الهدف شيئا آخر. وهو ما كشفت عنه عملية تسليم العراق لإيران، بطريقة لا لبس فيها. فالعراق الإيراني هو صناعة أميركية خالصة.
ما لا يقبله العقل أن يُقال إن إيران تسللت إلى العراق في غفلة من الولايات المتحدة. في القبول بذلك الرأي نوع من تضخيمٍ للقوة الإيرانية لا يستقيم مع منطق ميزان القوى في العالم.في سياق ذلك المنطق لا يمكن لدولة منبوذة مثل إيران أن تفرض إرادتها على القوة العظمى في العالم. ولكن ما لا يمكن تصديقه أن الولايات المتحدة كانت قد احتلت العراق لتهبه لإيران هدية من غير مقابل. شيء من الجنون الأميركي يمكن أن يحل تلك المسألة المعقدة.
لقد تم تدمير الدولة العراقية. كان ذلك هو الهدف. ما بعده عدم صار على إيران أن تديره بطريقتها الخاصة، وهي طريقة تنسجم مع المعتقدات الشعبية السائدة في العراق. وهو ما تعرفه الولايات المتحدة جيدا. لم تخسر الولايات المتحدة شيئا حين تخلت عن العراق.ما فعلته إيران بالعراق هو ما كانت الولايات المتحدة تحلم بوقوعه. وهو ما يعني أن كل شيء قد دُبر من أجل أن يكون العراق ضحية دائمة.