“كنز الإنسان الحقيقي هو أخطاؤه التي تتراكم على مدى آلاف السنين”، بهذه المقولة المميزة للفيلسوف الإسباني ( خوسيه أورتيغا إي غاسيت) تناولت مجلة ناشيونال إنترست الأميركية، يوم الأربعاء الماضي، الذكرى الـ17 للغزو الأميركي للعراق.
وتطرقت المجلة، عبر مقال للكاتب روبرت د. كابلان ونشرته الجزيرة نت، إلى بعض دروس احتلال العراق، ومنها:
يتعين علينا أن ندرك أن الأمور يمكن أن تكون دائما أسوأ!
وأنه اكتشف خلال وجوده في العراق إبان الاحتلال العسكري الأميركي، أن الفوضى أسوأ بكثير من الاستبداد، وأن العراق في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان مرعبًا أكثر مما كان عليه في ظل حكم صدام.
ينبغي عدم اتخاذ أي أمر أو قرار على أنه من المسلّمات، ما لم تكن هناك خطة شاملة لإرساء نظام جديد وأفضل!
المعلومات الميدانية أكثر جدوى من التحليل الواسع الأكثر شمولية!
ولقد فشل الأميركيون في العراق لأن صانعي السياسة الكبار لم يكونوا مدركين للكثير من الحقائق التي يعرفها الصحفيون الميدانيون المغامرون.
لا تبالغ في التواضع، ويمثل الإفراط في التعويض عن الأخطاء السابقة أمرًا شائعًا.
باستثناء الحرب الشاملة، لا يجب أن نبالغ في التركيز على دور الجيش، فقد كانت الحرب في العراق حربًا متوسطة الحجم وليست حربًا شاملة.
السياسة الخارجية هي بمثابة تسلسل هرمي للاحتياجات، حيث تُعطى الأولوية لحسابات المصالح قبل القيم. حال حساب تلك المصالح بشكل صحيح، فإن القيم ستحذو حذوها.
7.احذر من إخضاع قرارات السياسة الخارجية للتفكير التاريخي بعيد المدى، ما دامت المخاطر والتكاليف تقاس وفقا لما هو عملي في حينها.
الدروس التي ذكرها كابلان أغلبها تتعلق بالجانب الأمريكي، وهي دروس مهمة، ولا نريد التقليل من أهميتها، إلا أن ما يعنينا هنا هو محاولة التركيز على بعض الدروس المستفادة من مرحلة الاحتلال الأمريكي ومرحلة العملية السياسية في العراق بعد العام 2004.
العراق بعد العام 2003 دخل في حقبة مظلمة لم يخرج منها حتى الساعة مع الأسف الشديد!
وسنحاول هنا ذكر بعض تلك الأهداف التي يمكن قراءتها من مرحلة الاحتلال الأمريكي، وإلا فإن محاولة حصر كل تلك الدروس أتصور أن الأمر بحاجة لدراسات أكاديمية موسعة!
ومن أهم الدروس التي تعلمناها منذ العام 2003 وحتى اليوم:
الوطن أغلى من كل ما يملكه الإنسان، والوطن ليس قطعة أرض يلجأ لها الإنسان في آخر النهار
والوطن هو المظلة التي يحتمي بها الإنسان في وقت الأزمات، وسنده الداعم له في كل الأوقات، وذلك عبر الدولة المتمثلة بالحكومة التي يجب أن تكون مهمتها الأولى هي توفير مستلزمات العيش الكريم ومتابعة أوضاع المواطنين في داخل البلاد وخارجها!
الحكومات التي تتفق مع المحتل لا يمكنها أن تعمر الأوطان، بل هي (منظومة) ساحقة للوطن والإنسان. ولم تنفذ تلك الحكومات أي سياسيات جامعة للبيت العراقي، ولم تبن أي مشروع صناعي أو زراعي أو نفطي جديد في العراق.
العراق السد الذي بانهياره دمرت العديد من دول المنطقة، ولم يحصل ما حصل في المنطقة من تغيير للسياسات إلا بعد انهيار السد العراقي، وصارت الدول الكبرى الأجنبية هي المحرك لتلك البلدان.
المستفيد الأكبر من احتلال العراق هي إيران التي حصدت تلك اللحظة التاريخية بشكل مدروس وليس عبثياً، وتمكنت من بسط نفوذها على ارض الرافدين، والسيطرة على كافة الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية !
ضياع أكثر من ألف مليار بسبب الفساد المالي والإداري، وباعتراف الحكومة تم نهب وتضييع 300 مليار، وهذه كلها أموال الشعب العراقي الذي وضعها ( أمانة) بيد الحكومات التي قسمتها على مشاريع وهمية، وممتلكات شخصية ودعايات انتخابية وترفيه لم يشهد له العراق مثيلاً في أي عهد من عهود الحكم الماضية، وبقاء أكثر من ثمانية ملايين مواطن ضمن خطوط الفقر القاسية.
لعب الإعلام الرسمي المدعوم الدور الأكبر في توجيه رؤية العراقيين لتقبل الحالة القائمة بعد العام 2003، وكل من لا يتفق معها يعد من الإرهابيين، ولكن بالمقابل تمكن الإعلام الوطني الواضح من بيان حقيقة الأوضاع في العراق، ونقل الواقع العراقي بلا رتوش، وكانت الحصيلة هي وعي شعبي متميز.
تفهم الغالبية العظمى من العراقيين، بما فيهم غالبية المستفيدين من أقطاب الحكم، أن الحكومات المتعاقبة لا يمكن أن تصل لمرحلة بناء الدولة، وهذه الحقيقة ساهمت في تغذية روح التحدي لدى جماهير العراق، وكانت المحصلة عدة ثورات جماهيرية كبيرة، وأبرزها مظاهرات المدن المنتفضة في 2013، وآخرها مظاهرات تشرين المستمرة حتى اليوم، والتي خرجت من أجل مطالبات محددة، ومن أبرزها عدم بقاء كل من ساهم في قتل العراقيين في أي منصب رسمي، وتقديم قتلة العراقيين إلى المحاكم، وغيرها من المطالب الحافظة للإنسان والهادفة بناء الوطن!
هذه المطالب تؤكد أن الوعي العراقي لم يعد بالإمكان خداعه لا بالوعود المعسولة، ولا بالإعلام.
هذه الدروس وغيرها ليست دروساً جافة بل هي دروس حية تبث الأمل والشجاعة والثبات في قلوب العراقيين وأفكارهم، وستكون النبراس الذي يضيء للناس طريقهم للخلاص من هذا الظلام الدامس.