صباح البغدادي
شكلت عملية سقوط محافظة الموصل وما رافقها من انهيار لجميع تشكيلات المنظومة الامنية والعسكرية بهذه السرعة غير المتوقعة بيد تنظيم داعش المخابراتي بالصدمة للشارع العراقي والترويع للحكومة وقيادتها العسكرية وما زال هذا السقوط المخزي يطرح تساؤلات عديدة ومتنوعة وأجوبتها مبهمة وغير مفهومة وفي كثير من الاحيان نراها تكون مسيسة لجهة حزبية بالضد من غرمائهم الاخريين في العملية السياسية وهدفها بكل تأكيد ليس لإيجاد حلول عاجلة للأزمة وإنما لتسقيط الاخر لدى الرأي العام ورجل الشارع العراقي وعلى الرغم من ان معظمهم وبكافة المستويات مشاركين بهذه الهزيمة النكراء بصورة وبأخرى والتي كشفت مدى هزالة منظومة التشكيلات الامنية والاستخبارية لوزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني وغيرها من الاجهزة الامنية والعسكرية السرية منها والعلنية !!؟ ففي ساعات الفجر الاولى من يوم الثلاثاء الموافق 10 حزيران 2014 سقطت محافظة الموصل بكاملها بعد هروب جميع القيادات الامنية والعسكرية من الضباط والمراتب والبالغ عددهم ما يقارب 150 الف ضابط وجندي وموظف كانوا مجهزين بأسلحة ومعدات عسكرية وتقنية مختلفة الانواع والإعداد قاربت وتفوق قيمتها النقدية بمجملها الخمسة عشر مليار دولار مقابل مجاميع مسلحة لا يتجاوز في حينها عددها في احسن الاحوال 1500 مسلح كانوا يستخدمون رشاشات ثقليه ومتوسطة فقط بل رأينا على شاشات التلفزة كيف كانت المهانة والمذلة عندما استبدل الضباط والمراتب ملابسهم العسكرية بملابس مدنية بل وصل الامر ببعض الضباط والمراتب بان يتم استبدال ملابسهم العسكرية بملابس نسائية لغرض الهرب من ارض المواجهة والمعركة وهذا ما نقله المراسلين الصحفيين وشهود العيان الذين كانوا متواجدين بالقرب من الحدث في حينها .
في هذا المقام سوف نحاول أن نكشف قدر الامكان بعض من الحقيقة الغائبة عن الرأي العام ومن هم المسؤولين المباشرين المسببين لهذه الهزيمة المخزية والمسؤولين عليها في حينها هم كل من :
1: رئيس الوزراء نوري المالكي بصفته القائد العام للقوات المسلحة .
2: عدنان هادي الاسدي : الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية .
3: طارق نجم عبد الله / أبو منتظر: مستشار وسكرتير شخصي للمالكي ومدير مكتبه السابق .
4: اللواء الركن مهدي الغراوي : قائد عمليات نينوى .
5: الفريق الاول فاروق الاعرجي : مدير المكتب العسكري للقائد العام للقوات المسلحة.
6: كاطع نجيمان جلود الركابي : المتسمى بالاسم الحركي ابو مجاهد الركابي سكرتير خاص ومدير دائرة التشريفات والمراسيم .
7: الحاج حسين احمد هادي المالكي / أبو رحاب المكتب الخاص وصهر المالكي .
هناك عوامل عديدة اجتمعت مع بعضها البعض اهمها سياسي والأخر عسكري فالغباء السياسي والجهل المزري بالأمور والقضايا العسكرية لرئيس الوزراء السابق واجتثاثه الضباط والقياديين العسكريين من اصحاب الكفاءات والخبرة المهنية كان له دور بارز وحيوي ومؤثر على سقوط الموصل اضافة الى الفشل المروع لجميع اجهزة استخبارات وزارة الداخلية والدفاع وجهاز المخابرات ومكافحة الارهاب في تقديم معلومات حقيقية وموثقة الى الجهات المسؤولة في حالة ورودهم أي معلومة استخبارية خارجية قد تكون مسربة عن تعمد لتحقيق هدف سياسي او اقتصادي بدون أي دراسة او تحليل لهذه المعلومة الاستخبارية وهذا ما حصل بعدها قبل أكثر من شهر من سقوط الموصل حيث وردت معلومات تم تسريبها من قبل الجانب التركي إلى جهاز المخابرات العراقي يفيد بأن مسرور البرزاني وقيادة البيشمركة تنوي شن هجوم على محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها وجعلها امر واقع وتم تقديم هذه المعلومة مباشرة الى المالكي شخصيآ وفي اقل من ساعة بعد وصولها واعتبرها جهاز المخابرات من نجاحاته المتميزة بدون أي تكون أي مراجعة ولو بسيطة لفحوى هذه المعلومات المسربة عن تعمد وقصد حتى لم يتم تكليف أي ضابط او لجنة ليتم ارسالها على وجه السرعة لتحقق من هذه المعلومة على ارض الواقع وفي صورة ارتجالية ومنفعلة امر المالكي بدوره بإرسال تعزيزات من مختلف المعدات العسكرية والاعتدة
لغرض تخزينها في معسكرات محافظة الموصل لمواجهة أي تحرك قريب محتمل من قبل قوات البيشمركة وانطلت الخدعة التركية على المالكي بسرعة كبيرة لم يصدقوها هم انفسهم فبدل من أن تدخل البيشمركة الى كركوك دخل تنظيم داعش الى محافظة الموصل … نتذكر جيدآ عندما ظهر المالكي وأكد انه سيتم اطلاع ابناء الشعب العراقي على الحقائق والملابسات التي ادت لسقوط الموصل وقد توعد في كلمته الأسبوعية كل يوم اربعاء بمعاقبة :” المتخاذلين والمتآمرين من قادة وضباط وآمرين في أحداث الموصل” من دون الإشارة إلى أسماء محددة وصريحة ولكنه كشف في الوقت نفسه عن أن : “هناك متآمرين فسحوا المجال أمام جماعات إرهابية لدخول الموصل هربت من ضغط العمليات العسكرية الجارية في سوريا ” ثم اضاف في كلمته بقوله :”لا نريد حاليآ الخوض في تفاصيل المؤامرة والخدعة التي حصلت في أحداث الموصل “. والى هذه اللحظة لم يعرف الشعب العراقي عن اي مؤامرة تحدث عنها المالكي ولكن من جهة اخرى رد مسعود البرزاني وفي حينها وبطريقة مباشرة وصريحة لا لبس فيها أو تأويل على ما صرح به غريمه ومن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ من محافظة اربيل بقوله :” لقد صبرنا 10 سنوات مع الحكومة الاتحادية لحل مشاكل هذه المناطق وفق المادة 140 ولكن دون جدوى . وأضاف بدوره :” كانت في هذه المناطق قوات عراقية وحدث فراغ أمني وتوجهت قوات البشمركة لملء هذا الفراغ والآن أنجزت هذه المادة ولم يبق لها وجود” وهذا بالضبط ما كان يريده البرزاني من خلال دهائه السياسي ومن خلال ايهام المالكي بأشياء لا وجود لها إلا في مخيلته التي كانت مهووسة في حينها بكيفية الحفاظ على المنصب وكرسي الولاية الثالثة اكثر من أي شيء اخر بعد دخول داعش الى محافظة الموصل وهروب قادة الجيش والضباط والمراتب تاركين ورائهم اسلحتهم واعتدتهم وكافة معداتهم العسكرية وكذلك الانسحاب من محافظة كركوك مما سها وبكل بساطة دخول البيشمركة لمحافظة كركوك لجعلها امر واقع لا منفر منه بعد اليوم .
صحيح أن مهدي الغراوي اتصل قبل ليلة السقوط بالمالكي مباشرة ولكن الذي اجاب على الهاتف كان ابو مجاهد الركابي والذي رفض ان يتم ايقاظ المالكي من النوم باعتباره متعب من جهد العمل اليومي وتم تحويل الهاتف إلى أبو رحاب ومن ثم إلى أبو منتظر وهؤلاء الثلاث الجهلة والأميين شكلوا بينهم مجلس عسكري !!؟ وبعد أقل من ساعة من اجتماعهم أتصل أبو منتظر مباشرة بعدنان الاسدي ليبلغه بضرورة انسحاب الجميع من الموصل إلى مواقع بديلة والذين كانوا يجب ان يتصدوا لأي هجوم مباغت وخصوصآ من اشخاص مسلحين بأسلحة رشاشة متوسطة وخفيفة وثقيلة وهناك معدات عسكرية واعتده فتاكة ودبابات ومدرعات وناقلات جند وصواريخ موجهة اضافة الى وحدات قتالية وبسهولة كان سوف يتم هزيمة أي تعرض ولكن انهزامية العقلية العسكرية التي تحكم هؤلاء الضباط وفسادهم المالي والإداري وعدم وجد الرغبة الحقيقة في المقاومة والثبات في الموقف وعوامل إضافية اخرى ادت الى ان يتم ترك حتى ملابسهم العسكرية وخلعها والاتجاه فورا الى محافظة اربيل من خلال اقصر الطرق المؤدية اليها .
معركة الموصل القادمة وإخراج تنظيم داعش منها لن تكون نزهة عسكرية كما يحاول ان يصورها حشد الاعلامي الحكومي بأنها سوف تكون قريبة وهي حقيقة غيرها التي يريد ان يوصل رسالته هذا الاعلام المهزوم إلى الرأي العام ولكن حقيقة السيناريو والذي اعد له قبل فترة وبمساعدة بعض اطراف العملية السياسية والذين يتباحثون حول كيفية وطرق تطبيقه بأقل الخسائر المادية والبشرية الممكنة مع قادة تنظيم داعش وخصوصآ من العراقيين وأنهم يتفاوضون حاليآ مع ابرز شيوخ العشائر العربية والذين لديهم حظوة لدى قادة تنظيم داعش ومنهم الضباط العسكريين حول شرائهم وعرض عليهم مبلغ النصر الوهمي والاتفاق على اطلاق سراح قادتهم من السجون تحت مسمى وذريعة المصالحة الوطنية والتي سوف تأتي حتمآ فيما بعد بسبب سهولة استغلالها هذا الحدث إعلاميآ ولعدم اثارة الرأي العام بعد وكذلك الانسحاب المؤمن الى سوريا وتامين الطريق بعد ان رأى حيدر العبادي ووزير الدفاع والقادة العسكريين حجم الخسائر الهائلة التي مني بها والزمن الذي استغرق لغرض ان يتم دخول مدينة صغيرة كتكريت قياس لمحافظة الموصل والتي ما زال القتال دائر على أشده من قبل تنظيم داعش في اطراف وما حول مدينة تكريت…
لجنة التحقيق بسقوط الموصل التي شكلها البرلمان برئاسة حاكم الزاملي رئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية لم تكن أكثر من ذر رماد الهزيمة المخزية بعيون الرأي العام ولغرض الاستهلاك الاعلامي فقط لا غير وهي لجنة مسيسة برلمانيآ اكثر من انها لجنة محايدة ومهنية تحاول ان تكشف الحقيقة للرأي العام وتحاسب المقصرين لان ببساطة منظومة القضاء العراقي تعاني هي نفسها من المحسوبية الحزبية الطائفية والفساد والشلل بجميع مفاصلها ولان رئيس الوزراء السابق ومن على شاكلته من القادة العسكريين هم فوق القانون ولا احد يستطيع
استدعاه لغاية هذه اللحظة بتقديم شهادته كونه كان المسؤول الاول بحكم منصبه كرئيس وزراء والقائد العام للقوات المسلحة !؟.
أذآ الاتفاق والتداول حول قيمة المبلغ الذي سوف تدفعه حكومة العبادي لتنظيم داعش لكي يتم الانسحاب من الموصل من قبلهم والخروج بسيناريو حرب مصطنعة لكي تنطلي هذه اللعبة على الرأي العام مع التحضير هناك في اربيل لدخول كذلك في نفس اليوم محافظ نينوى اثيل النجيفي مع ميليشيات الحشد السني والذي سوف يكون نواة للحرس الوطني المزمع تشكيله بعد انتهاء الاحداث وكذلك البيشمركة والجيش لخوض معركة وهمية لإقناع الرأي العام بهذا الانتصار الوهمي … في معركة الانبار حاليآ كل طرف في معادلة المفاوضات يستغل تقدمه وإلحاق الهزيمة بالأخر لكي يقوي نقاط نفوذه وشوطه على طاولة المفاوضات الدموية والتي تجري على حساب امن وحياة المواطن العراقي البسيط … إذا جرت الأمور كلها وفق السياق المتبع لهذه السيناريو سوف يكون لحيدر العبادي الحظوة لرئاسة وزراء للمرة الثانية وهذا ما يطمح اليه حاليآ ويفكر به جديآ مع طاقم مستشاريه وعلى الرغم من أن غريمه الاخر المالكي في نفس الاتجاه المضاد يحلم بعودة لكرسي رئاسة الوزراء للمرة الثالثة لذا هو يعمل مع طاقمه ومستشاريه ليل نهار لهذا الغرض ويحاول ان يستغل تشكيلات ميليشيات الحشد الشعبي الإيرانية لتحقيق مصالحه في هذا السياق … من جهة أخرى ونعتقد هذا هو المهم بأن نائب الرئيس الامريكي جو بايدن يشجع ويدعم العبادي في أن تكون هناك مفاوضات سرية بينهم وبين قادة تنظيم داعش من العراقيين بعد أن رأى الامريكان وقيادتهم العسكرية خلال الشهور الماضية من قصفهم المتواصل على مواقع التنظيم مدى شراسة وإصرار مقاتلي تنظيم داعش على تحقيق اهدافهم ومهما كان الثمن … الايام والأسابيع القادمة حبلى بالمفاجئات للرأي العام والتي كشفنا أهمها في هذا المقام !.