آخر تحديث:
رياض هاني بهار
يشكل الاغتيال Assassination تهديداً خطيراً للأمن والاستقرار الاجتماعي من حيث اتساعه وشموله لفئات اجتماعية مهمة، خاصةً وإن اغلب عمليات الاغتيال، طالت وتطال الخبرات والكوادر الوطنية، المطلوب تصفيتها في إطار تدمير قدرات العراق العلمية والأكاديمية. وعند البحث في اروقة القضاء والشرطة لم تتوفر أرقام احصائية وطنية متيسرة للباحث الجنائي، والتي يمكن الاعتماد عليها، حيث أن القضاء مازال يصنّف “جريمة الاغتيال” من ضمن جرائم القتل العمد Murder، وهذا يُعزى إلى عدم جدية المصنف الاحصائي الجنائي العراقي واعتماده النمطية الجاهزة، لذلك إلتجئنا إلى الاستعانة ببعض مواقع دولية جنائية تهتم بالشأن العراقي، ومراكز بحث تهتم برصد الحوادث العراقية.
وقبل الدخول بلغة الارقام، لابد لنا من إلقاء نظرة عاجلة على مفهوم الاغتيال، فهو مصطلح يستعمل لوصف عملية قتل منظمة مع سبق الاصرار والترصد تستهدف شخصية مهمة ذات تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي وذات دوافع عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية تستهدف شخصاً معيناً يعتبره منظمو عملية الاغتيال عائقاً لهم في طريق انتشار أوسع لأفكارهم أو أهدافهم، و يتراوح حجم الجهة المنظمة لعملية الاغتيال من شخص واحد فقط إلى مؤسسات عملاقة وحكومات، وتقدم عليها في الغالب جماعات مغلقة سواء كانت من مجموعات سياسية متناحرة أو جماعات إرهابية أو مجموعات متطرفة، اوجماعات عصابات منظمة مأجورة من تلك التي برزت في الساحة العراقية، والتي تقوم بأعمال الاغتيال لغيرها. ويشير الواقع أيضاً إلى حقيقة أخرى أساسها عجز جماعات الاغتيال السياسي عن إقناع المستهدفين بآرائها ومواقفها، الأمر الذي يجعلها تأخذ قرار تصفيتهم جسديا في إطار حسم اختلاف المواقف أو الآراء معهم وعلى أمل فتح المجال من أجل تنفيذ استراتيجيتها وخططها، أو انتقاما من تلك الشخصيات، إذا كانت قد سبّبت لجماعات الاغتيال ومن يقف خلفها خسائر أو إرباكات سياسية، فبعض الجماعات تلجأ إلى أسلوب تصفية أو إغتيال عناصر سابقة فيها ممن تخلوا عن أفكار وأهداف الجماعة فتلجأ الأخيرة لتصفيتهم ليكونوا عبرة للآخرين، أو لمنعهم من كشف أسرار تلك الجماعات والمنظمات.
تشير الإحصاءات إلى أنَّ مجموع حوادث الاغتيال في العراق مابين عام 2006 ولغاية 2013 بلغت (19470) حادثة اما الشروع بالاغتيال فبلغ (3575) حادثاً وفقا للاتي:
في عام 2006 سجلت (8480) حادث اغتيال
وعام 2007 سجلت (5930) حادث إغتيال و (1302) شروع بالاغتيال
اما عام 2008 فقد سجلت (2320) حادث و (780) شروع بالأغتيال
وفي عام 2009 سجلت (1200) حادث و(530) شروع
أما عام 2010 فقد سجلت (750) حادث و (390) شروع
وفي عام 2011 سجل (500) حادث إغتيال و(180) شروع بإغتيال
وفي عام 2012 سجل (750) حادث إغتيال و (203) شروع بإغتيال،
وفي عام 2013 سجلت (780) حادث إغتيال و(195) شروع بإغتيال،
ويتضح من الجداول أعلاه ان أعلى معدلاتها كان في محافظة بغداد وتليها محافظات نينوى وديالى وكركوك والانبار، وقد نتج عن هذه الحوادث هروب جماعي للكفاءات والخبرات الى مختلف شتات الارض، وبهذا تصَحَّرَ العراق من الطبقة الوسطى الأكاديمية المثقفة والتي كانت تقود المجتمع وحلت مكانها فئات لاتحمل أية مؤهلات لقيادة نفسها وهذا ما شَكَّلَ خسارة وطنية كبيرة واستنزاف للموارد البشرية الضرورية لنهضة العراق.
ومن المؤلم ان نشير هنا الى اننا في اطار بحثنا في الارقام انفة الذكر والوقائع والأحداث والحالات الجنائية، اكتشفنا انه لايوجد على أرض الواقع ما يشير الى رصدها من قبل مراكز الدراسات الحكومية العراقية او مركز البحوث الاكاديمية من اجل دراستها، للتعرف من خلالها على التغيّرات الواضحة التي تنبّيء عن درجة التوتر الاجتماعي، وتكشف عن القضايا المختلف عليها والتي تشكل موضوعاً للصراع، ومعالجتها تقتضي المتابعة وعدم الإكتفاء بتسجيلها، فنتائج الإحصاء عبارة عن مُكبر يُبرز الظاهرة ويعلن عنها، لأن الإحصاءات الجنائية تشكل جُزءاً من التقارير التي تعدها الشرطة، والمفروض بالاحزاب السياسية النافذة بالسلطة او من يعارضها ان تركز على الإحصاء للتأكيد على استتباب الأمن، وبالتالي إظهار نجاح السلطة في تحمل مسؤولياتها وممارسة صلاحياتها ومدى تقبل المواطن لسياساتها وعدم اعتراضه عليها بأي شكل من الأشكال، وهي تشكّل كذلك فحص لكفاءة أجهزة الأمن بمدى كشفه للجرائم من هذا النوع ، فعلى سبيل المثال فقد تم إغتيال ( 220 ) صحفي واعلامي عراقي لم تكتشف لحد الان، كما تم إغتيال أكثر من ( 67 ) قاضي وأيضاً لم تكتشف هذه الجرائم وبقيت مقيّدة ضد مجهول!!.وطبقاً لما تؤشره الحقائق المحيطة بنهج الاغتيال، فإن هذا المنهج ينتمي إلى عالم السياسة المتخلفة المعتمدة على البطش والتصفيات من كافة اطراف الصراع والتي جرى تجاوزها على مستوى العلاقات الإنسانية والدولية، الا في المجتمعات المتخلفة فقد بقي الإغتيال هو الوسيلة للتفاهم السياسي المجنون!
رياض هاني بهار