نظرة متشائمة إلى مستقبل العراق

نظرة متشائمة إلى مستقبل العراق
آخر تحديث:

بقلم:فاروق يوسف

الصراع الدائر اليوم في العراق ليس جديدا. كان مؤجلا إلى حين شعور الفرقاء كلهم بالخطر لتبدأ الحرب الضروس في ما بينهم.لقد اجتمعوا من أجل تقاسم ثروات العراق وكان نظام المحاصصة غطاء، مارست من خلاله الأحزاب أسوأ أنواع الفساد في التاريخ البشري.عرفوا كيف يسخّرون الديمقراطية التي انحصرت بالانتخابات في خدمة بقائهم في السلطة، فكانوا يعيدون إنتاج النظام نفسه بكل فضائحه عبر حوالي عشرين سنة لم يشهد العراقيون فيها ولادة العراق الجديد الذي وعد الأميركان بإنشائه على أنقاض العراق القديم.كان البعض منهم يجمع بخبث وخسة ملفات البعض الآخر إلى أن تحل لحظة الحقيقة، يوم ينفرط عقدهم ويصل نظامهم إلى نهاية عمره كأيّ بضاعة تنتهي صلاحية استعمالها.

لقد عملوا على تزييف تاريخ تلك الصلاحية مرات ومرات. غير أن تلك العملية لم تعد نافعة بعد احتجاجات أكتوبر عام 2019.يومئذ قال الشعب كلمته المتأخرة وسحب غطاء الشرعية عنهم. لم يعد نظامهم شرعيا. حتى انتخابات 2021 كانت محاولة ذكية من الشعب لإرباك النظام السياسي من الداخل.كان نظامهم هشا ورثا وآيلا إلى السقوط غير أنه لم يسقط لأنهم احتكروا الحياة السياسية في ظل حماية وفّرتها تسوية أميركية ــ إيرانية كانت قائمة لغايات تتعلق بمصالح الطرفيين.كانوا أحباء الولايات المتحدة وخدم إيران في الوقت نفسه. وكانت دوائر المخابرات في الدولتين تدير شؤونهم. إن اختلفوا فإن هناك مَن يعرف كيف ينهي خلافاتهم ولم يكن في إمكان البعض منهم أن يعلن الحرب على البعض الآخر.

ألا يمكن أن يتصالح الفرقاء ويجلسوا على مائدة واحدة تُعيد إلى نظام المحاصصة اعتباره؟ ذلك احتمال صعب. لقد سقط النظام بصيغته الأولى. انتهت صلاحيته لذلك كانت الغنائم تصل إليهم حسب خرائط موضوعة سلفا. أما حين يستقوي طرف على الأطراف الأخرى فإنه يُلقّن درسا لن ينساه. مثال ذلك ما حدث بعد استفتاء بارزاني على انفصال الإقليم الكردي.

ليس صحيحا ما يُقال عن التوافقية السياسية. كان كل شيء معدا من أجل ألاّ يقوم نظام وطني. وكانت الحكومة تُشكّل بما يحقق فسادا أكبر وهو ما يحفظ للجميع حصصهم لتكون خزانة البنك المركزي خاوية دائما وهذا ما اعترف به حيدر العبادي يوم استلم رئاسة الوزراء.لم تكن توافقية سياسية بل توافقية لصوصية.

كل الصراعات بين الأحزاب التي كانت تتم في السر إنما تتعلق بالغنائم. فأن يتقاضى رئيس الجمهورية الذي ليس عمل محدد راتبا شهريا هو الأعلى مقارنة برواتب رؤساء دول كثيرة فإن ذلك يكشف عن سبب صراع الحزبين الكرديين على ذلك المنصب الرمزي. وإن زعم مقتدى الصدر أنه ذهب إلى المعارضة من أجل الإصلاح متناسيا السنوات الطويلة التي قضاها وهو يدير وزارات شهدت أعلى نسبة فساد فإن ذلك يؤكد محاولته للقفز من مركب النظام الغارق.

صحيح أن نوري المالكي هو الأسوأ بينهم من جهة طائفيته وفساده غير أن ذلك لا يعني أن الآخرين ليسوا طائفيين أو فاسدين. هم سدنة نظام طائفي وفاسد وما من إنسان شريف ونزيه استطاع أن يتسلل إليه. كل الذين عملوا من أجل ترسيخه هم طائفيون وفاسدون.

لقد دافع الكثيرون عن موقفهم المؤيد للغزو الأميركي للعراق بحجة التغيير الديمقراطي وبناء دولة المواطنة، غير أنهم اكتشفوا منذ اللحظة الأولى أن كل ما دافعوا عنه مجرد أكاذيب فأعلن النزيه منهم براءته من ذلك المشروع أما الأكثرية فإنها لا تزال تحفر قبر انحرافها عن القيم الانسانية. وليس الصراع الذي يشهده العراق اليوم إلا تجسيد لمحاولة غسل الذنوب على حساب ضمائر الفقراء.

الكل يكذبون. هم الذين لم يحترموا الحقيقة الوطنية ولم يكترثوا بالعدالة الاجتماعية عبر حوالي عشرين سنة، هل يمكن أن يكونوا صادقين في مأزقهم وهم يرون نظامهم يتهاوى؟ ما الذي يحلم به مقتدى الصدر على سبيل المثال؟ إقامة دولته الدينية. وماذا بعد؟ يستمر في استعمال فقرائه في مسيرات مضللة. سيقول إنه لا يملك عصا سحرية لإزالة الفساد الذي أسس له نوري المالكي.

ولكن ألا يمكن أن يتصالح الفرقاء ويجلسوا على مائدة واحدة تُعيد إلى نظام المحاصصة اعتباره؟ ذلك احتمال صعب. لقد سقط النظام بصيغته الأولى. انتهت صلاحيته. يحاول الصدر أن يستفيد من تلك الفرصة. يعتقد أنها فرصته ليكون سيد العراق، البلد المنكوب والمحطم. سيعيش العراق أكثر حالاته رثاثة إن استولى عليه الصدر. ولكنه احتمال ممكن في ظل تهتّك عُرى النظام وانتهاء صلاحيته.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *