أزعم أنني لست من خبراء الاقتصاد ولا من الغارقين في بحور المال والاقتصاديات، إلا أنني أمتلك من العقل والفهم ما يجعلني على يقين وإدراك أن أغلب أزمات ارتفاع سعر الدولار والفقر والتجويع هو إنتاج أو صناعة حكومية بامتياز، وسيناريوهات مُعدّة سلفاً من أصحاب الأوداج المنتفخة والكروش الممتلئة لسياسيين ارتزقوا من السُحت، لا ينظرون إلى واقع البلد الذي يأكلون من خيراته لما هو أبعد من تحت أقدامهم.في مبررات لا يمكن البوح بها أن السلطة الحاكمة بهؤلاء مصممة على شفط آخر دينار من جيوب المواطنين، نهباً واقتداراً، دون شرط المجاهرة بذلك.
تعددت الأزمات بأشكالها المتنوعة في هذا الوطن المنهوب، كان آخرها أزمة الدولار الذي أسقط الدينار العراقي بالضربة الموجعة،لا نستطيع ابتلاع فكرة أن حكومة الخدمات التي أعلنت عن نفسها في شعارات تأسيسها، تركت الدولار يتقافز أمام أنظارها، في حين يتهاوى الدينار العراقي إلى حضيض التعويم، دون أن تملك زمام المبادرة في كبح جماحه، ذلك الصعود الغريب والمريب للدولار والهبوط المخزي للدينار، لم تحاول الحكومة تفسير ما يحدث من أسباب ذلك للشعب، أو على الأقل تقديم تبرير مقنع لحالات الغلاء التي تفتك بالفقراء جراء تلك الأزمة، بل ذهبت على العكس في زيادة الأزمة واتساعها.
لو كان العراقيون يشعرون بشيء من الدولة على الأرض التي يحيون عليها، لرأيتم أروقة القضاء وقاعات المحاكم تغص بالدعاوى والقضايا ضد حكومة محمد شياع السوداني، بعد أن أخبرهم رئيسها و”ورّطهم” من على شاشات التلفاز بضرورة أن يتخلصوا من الدولار في بيوتهم لأنه مقبل على انهيار مؤكد، لكن القادم من الأيام أثبت العكس.أصبح للدولار سعران، الأول الذي أقرته الحكومة في الموازنة وهو سعر البيع الرسمي، والثاني هو في السوق الموازي (السوق السوداء) الذي يشتري به المواطن العادي الدولار من الأسواق المحلية، وبين السعرين فارق ليس بالقليل يذهب فرق سعره إلى جيوب أحزاب وشخصيات تملك مصارف وبنوكا لبيع الدولار، لتصبح مبالغ الفروقات مئات الملايين من الدولارات، ستخرج قريباً إلى العلن وفي أيام الانتخابات كهدايا ورشاوى وعطايا للناخبين من أجل تجديد العهد وانتخاب الفاسدين مرات أخرى.
فصول جديدة من أزمات متتالية لإشغال الناس بمتواليات المشاكل بدلاً من استكمال الأسئلة وانتظار إجابات القرارات القديمة.لا يُعرف هل هو نوع من أنواع معاقبة الشعب عن طريق شفط أموال العراقيين ومرتباتهم، التي بدأت تتضاءل من جراء التضخم وغلاء الأسعار وفحش التجار في استغلال الأزمة، أم أنه قرار أميركي فُرض على الحكومة وتريد من الشعب أن يشاركها الأزمة وكأنه السبب في صناعتها.
ارتفاع سعر الدولار جراء جريمة تهريبه إلى دول الجوار، بعد أن تحول إلى مُسيّرات وعتاد وأسلحة تُصنع في مصانع الجارة، لتوضع في أيادي الروس بحربهم ضد أوكرانيا، مما جعل الفاعل الأميركي يتدخل وبشدة لوأد هذا التدفق الدولاري.يعجز العقل عن إفهامهم أن عقوبات الخزانة الأميركية على اقتصادهم تتخطى الاقتصادية إلى السياسية، وهي بداية لمعاقبة نظام سياسي ارتبط وجوده بسعر الدولار، مستعد أن يتهاوى أو ينهار في أي لحظة يشاء فيها صُنّاع الدولار ذلك.عقوبات الخزانة الأميركية تختص بصناعة سياسات دول وإستراتيجيات أنظمة، وليس الاقتصار على اقتصاد أو تجارة عملة.أزمة الدولار في العراق هي معضلة سياسية وليست اقتصادية، ولا زلنا نكرر القول إن من يدّعون السلطة لا ينظرون إلى أبعد من تحت أقدامهم، وتلك هي مشكلتهم التي تسببت بجروح وإفقار للشعب.