دولة الفساد في العراق هي الدولة العميقة وهي التي تحكم وتدير كافة مؤسسات الدولة العراقية , وكما يقول المثل ( من الباب إلى المحراب ) , ودولة الفساد هذه لا تقتصر على حزب بعينه أو مكوّن بعينه , فالجميع قد اشترك في بناء هذه الدولة التي باتت اليوم وجه العراق المشرق أمام العالم ( لا أقصد رئيس وزراء الظل مشرق عباس فهو بكل تأكيد أشرف من الشرف وأطهر من الطهر ) .. حيث لم يعد هنالك حزب أو كتلة سياسية أو مكوّن من مكوّنات الشعب العراقي قد تخلّف عن المساهمة في شرف بناء صرح الفساد العظيم في العراق .. والحقيقة لم يبقى في حاضرنا شيء نتغنّى به غير الفساد والانحطاط وانعدام الشرف والوطنية .. فالفساد أصبح هويتنا وشرفنا ووطنيتنا في هذا الزمن الأغبر .. والذي يدير دولة الفساد في العراق هي مجموعة العصابات السياسية التي استولت على مقاليد الحكم في العراق بعد زوال الديكتاتورية , حيث تمرّست هذه العصابات على النهب والسرقة والقتل والخطف والتهديد , ولم يعد يردعها قليل من مخافة الله أو قليل من الضمير .. وهنا مبعث القلق والخطورة ..
وفي عراق ما بعد الديكتاتورية .. أصبح البحث عن المسؤول النزيه كمن يبحث عن أبرة في كومة من القش , فما أن تفيق من صدمة من صدمات عقود الفساد حتى تصحو على صدمة جديدة للفساد .. وصدمة العراقيين الجديدة هي ( مشروع ماء البصرة الكبير ) الذي يقال أنّه أحيل إلى شركة ( بي ووتر أنترناشيونال ) البريطانية , وكما تسرّب من أخبار أن قيمة العقد الذي تنوي حكومة الكاظمي توقيعه مع هذه الشركة يبلغ أربعة مليار دولار .. وقصة هذه الشركة تعود إلى عام 2016 وفي زمن حكومة حيدر العبادي عندما قدّمت عرضا إلى الحكومة العراقية مقداره 2,8 مليار دولار للفوز بمشروع ماء البصرة الكبير .. وبعد مفاوضات بين وزارة الإعمار والإسكان وبين هذه الشركة والتي استمرّت لثلاثة سنوات لدراسة عرض هذه الشركة والوقوف على إمكاناتها الفنية والمالية , تبيّن أنّ هنالك شركتين بهذا الأسم , الأولى هي شركة بي ووتر القابضة والثانية هي شركة بي ووتر الدولية صاحبة العرض المقدّم , وانتهت الوزارة بعد دراسة وتمحيص لوضع الشركة المالي والفني , أنّ الشركة غير مؤهلة لتنفيذ مشروع ماء البصرة الكبير .. وحتى اختصر الطريق على القارئ الكريم , سأورد بعض ما جاء من معلومات مستخلصة من الموقع الرسمي عن مراقب الشركات البريطاني عن الحسابات الختامية للعام المحاسبي المنتهي في 30 / 06 / 2019 ..
العوائد لهذه السنة المالية هي .. ( 10063000 ) عشرة مليون وثلاثى وستون ألف باون استرليني ..
الخسائر هي .. ( 6775000 ) ستة مليون وسبعمائة وخمسة وسبعون مليون باون الناتجة من العمل ..
موجودات ورأس مال الشركة قبل استقطاع مخصصات الضمان الاجتماعي هي ( 4436700 ) أربعة وأربعون مليون باون وثلثمائة وسبعة وستون ألف ..
النقد في البنوك هو ( 861000 ) ثمنمائة وواحد وستون ألف باون ..
عدد الموظفين .. ( 64 ) موظف في بريطانيا وأوربا .. ( 4 ) موظفين في الشرق الاوسط .. ( 19 ) موظف في أفريقيا .. ( 75 ) موظف بالأمريكيتين الشمالية والجنوبية .. مجموع الموظفين ( 168 ) موظف ..
النقد الحر في المصارف تحت اليد هو ( 396000 ) ثلثمائة وستة وتسعون ألف باون مودعة بحساب أمانات لشخص ثالث .. النقد الحر المصرّح في التصرّف به ( 465000) أربعمائة وخمسة وستون ألف باون ..
القروض .. ( 9199000 ) تسعة ملايين ومائة وتسعة وتسعون ألف باون .. ضرائب مؤجلّة ( 6888000 ) ستة ملايين وثمنمائة وثمانية وثمانون ألف باون ..
إيرادات الشركة للسنة المالية المنتهية في 30 / 06 / 2019 هي :
( 22100 ) مائتان وإحدى وعشرون ألف باون إيرادات من أوربا وشمال أمريكا .. ( 6156000 ) ستة ملايين ومائة وستة وخمسون ألف باون إيرادات قارة آسيا .. ( 1951000 ) مليون وتسعمائة وواحد وخمسون ألف باون إيرادات قارة أفريقيا .. ( 173500 ) مليون وسبعمائة وخمسة وثلاثون ألف باون إيرادات أمريكا .. المجموع ( 1006300 ) عشرة مليون وثلاثة وستون ألف باون .. ولا توجد أي إيرادات من الشرق الأوسط .. هذا هو الموقف المالي لشركة بي ووتر الدولية البريطانية كما جاء في تقرير مراقب الشركات البريطاني للسنة المالية المنتهية في 30 / 06 / 2019 ..
السؤال المطروح أمام الهيئات الرقابية ورئيس الادعاء العام العراقي .. شركة صغيرة ومفلسة وغير مؤهلة فنيا تعطى عقد في العراق بقيمة 4 مليار دولار ؟ من وراء إحالة هذا العقد لشركة بي ووتر البريطانية التي رفضتها وزارة الإعمار والإسكان في عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي ؟ وهل ما يشاع أنّ مدير مكتب رئيس الوزراء رائد جوحي ومدير مصرف التجارة العراقي سالم الجلبي هما وراء هذه الصفقة المشبوهة ؟ وهل قدر الشعب العراقي أن يصحو يوميا على فضيحة من فضائح الفساد الكبرى في عهد حكومة الأفّاقين برئاسة مصطفى الكاظمي ؟ ما الذي جناه العراقيون ليوّلى عليهم مصطفى عبد اللطيف مشتت ؟ .. إنا لله وإنا إليه راجعون ..
السادة / رئيس الادعاء العام ورئيس هيئة النزاهة .. كل الوثائق والتقارير المتعلّقة بهذا الملّف موجودة عندي ..