اياد السماوي
ما أن تسمع أنّ الجيش والقوات الأمنية قد استعادت المدينة الفلانية أو المنطقة الفلانية من سيطرة مقاتلي داعش , حتى تصحو على خبر سقوط مدينة جديدة أو منطقة جديدة , فأعداد هذا التنظيم الإرهابي في تزايد مضطرد , حيث أصبح الكلام الآن يدور حول وجود أكثر من نصف مليون مقاتل يقاتلون الجيش والقوات الأمنية العراقية في بغداد والموصل والرمادي وصلاح الدين وبابل وديالى , وبخطط وبمعدّات عسكرية وإمكانات مادية تتجاوز إمكانات المنظمات الإرهابية العادية , فمن هي داعش ومما تتكون ؟ ومن هي الدول التي تدعم وتموّل داعش ؟ وما هي هوية افرادها ؟ وهل أصبحت داعش خيار سنّة العراق ؟ , اسئلة لا بدّ من الاإجابة عليها وكشف ملاباستها بواقعية وبعيدا عن التطرف المذهبي والطائفي , فلا بدّ من تشخيص العلّة من أجل معلجتها والقضاء على المرض .
فداعش هي دولة العراق الإسلامية التي تمددت لتصبح دولة العراق والشام الإسلامية , وهي يد القاعدة وذراعها الضارب في العراق , وبالرغم مما يشاع عن هذا التنظيم بأنه يتكوّن من جنسيات عربية وإسلامية , لكنّ أعداد المقاتلين العرب والمسلمين لا يتجاوزون بضعة مئات , ويشّكل العراقيون أكثر من 95% من مقاتلي هذا التنظيم , وجلّهم من ابناء العشائر في مناطق الغرب العراقي , كما إنّ جميع أعضاء هذا التنظيم هم من أبناء المذهب السنّي , ولا يوجد بينهم شيعي واحد , ومناطق نفوذهم وحواضنهم هي مناطق السنّة في العراق , وهذا التنظيم الذي انتهى تماما بعد مقتل أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر , عادت له الحياة بعد اندلاع الفوضى في سوريا , ووصول الامدادات المالية والعسكرية العربية للمنظمات المقاتلة في سوريا والتي اصبحت داعش جزء منها , لكنّ التمدد والطفرة الأكبر في هذا التنظيم حصلت بعد التظاهرات والاعتصامات التي أعقبت عملية اعتقال حماية رافع العيساوي المتورطة بأعمال إرهابية , حيث وفرّت ما يسمى بساحات الاعتصام الفرصة لهذا التنظيم أن يستقطب الآلاف من أبناء العشائر المعتصمين , تدعمهم فتاوى بعض رجال الدين المحرّضة على الفتنة الطائفية الذين جندّتهم مخابرات النظام السعودي , وتعاون بعض السياسيين المنخرطين في العملية السياسية , وبعض شيوخ العشائر الذين ركبوا موجة الطائفية , فكل هذه العوامل قد تظافرت لتساهم بتغوّل هذا الوحش الكاسر , وأسرى هذا التنظيم وجثث قتلاه التي تتجاوز العشرات يوميا تثبت صحة هذا الكلام .
وبعيدا عن مواقف بعض القوى السياسية اللامسؤولة والتي لا تعبّر عن أي مسؤولية أخلاقية أو أي حرص وطني ¸ فإننا نتوجه إلى كل القيادات السياسية والدينية والعشائرية السنّية ونقول لهم ماذا بعد هذا الانخراط في صفوف داعش ؟ وهل أصبحت داعش هي خيار سنّة العراق في لوي ذراع الحكومة من أجل الاستجابة لمطالب السنّة ؟ ماذا لو استجابت الحكومة للمطالب المتزايدة في إنشاء الإقليم الشيعي ؟ وماذا لو سحبت حكومة هذا الإقليم المفترض يدها عن كل ملفات الخلاف مع الإقليم الكردي بما فيه مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها ؟ ماذا يريد سنّة العراق تحديدا عندما ينخرط أبنائهم في هذا التنظيم الإرهابي المجرم ؟ هل يريدوا منّا أن نصدّق كذبتهم ونضحك على أنفسنا ونقول أنّ داعش هم غرباء وليسوا عراقيون ؟ .
إنّ من يقاتل الجيش العراقي وقواته الأمنية هم أبناء العشائر السنّية , والحرب الدائرة رحاها الآن هي حرب طائفية غير معلنة , ومحاولة التغطية عليها ورميها في خانة الإرهاب الدولي , هو هروب من الحقيقة القائمة على أرض الواقع , وهذه الحقائق أصبحت مكشوفة للجميع , وعلى عقلاء السنّة التصرف بحكمة والاختيار بين داعش والوطن العراقي , فالاختباء وراء الإرهاب من أجل الحصول على المكاسب السياسية لم يعد أمرا مقبولا ولا مستساغا , وصبر العراقيين لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية .