مهما حاولنا أن نثق ونتفاءل بحكومة السيد محمد شياع السوداني، وأن نبتعد عن الظنون وإستباق الاحداث ومآلاتها، ونبعد عن أذهاننا أفكاراً توحي الى وجود رغبات ونوايا ونزعات للتسويف والمماطلة في الإلتزام بالمسؤولية، ونبذل جهوداً حثيثةً ومنطقيةً لفك طلاسم المشهد المتعلق بعدم تنفيذ أي فقرة من فقرات الإتفاق الموقع مع الكورد وتداعياته، رغم مرور أشهر عديدة . نرى أن المشهد، هذه المرة أيضاً، ودلائله وعلاماته وترك الامور كلها للمجهول، يدفعنا الى تقديم اليقين على الشك، والى الإيمان بأن المشهد الحالي لا يختلف عن المشاهد السابقة التي شاهدناها بعد تشكيل كل الحكومات في بغداد منذ قيام الجمهورية، حيث كانت هناك مراحل لتبادل الرسائل وعقد الحوارات والإجتماعات وإصدار البيانات الإيجابية من جهة، والعمل الجاد في سبيل تثبيت الأقدام في السلطة وتصفية الخصوم والإستقواء والإستعداد والتسلح للرد على المطالب الكوردية بالعنف والسلاح وإعلان الحرب. فحكومة تموز 1958 التي أعتبرت الكورد شركاء في الوطن بموجب الدستور 1958، وبعد أشهر من الوئام والإستقرار النسبي في علاقاتها مع الكورد، ردت على المطالب الكوردية بأغلاق جريدة (خبات) لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني وسحب أجازته وغلق مكاتبه وفروعه بالعراق وملاحقة كوادره وزجهم في السجون والمعتقلات وقصف قرى بارزان، ومن هناك إنطلقت ثورة أيلول المجيدة في كوردستان بقيادة الزعيم الخالد مصطفى البارزاني. أما الحكومة التي جاءت بعد الإنقلاب على الزعيم قاسم في شباط 1963، أي حكومة عبد السلام عارف، وفي الأيام الأولى من عمرها أعلنت إعترافها بالحقوق القومية للشعب الكـوردي في الحكم الذاتي، ولكن في حزيران من ذات السنة استأنفت عملياتها العسكرية في كوردستان. وبعد 18 / تشرين الثاني / 1963 وتدبير أنقلاب عسكري أطاح بالحكومة البعثية من قبل مجموعة من الضباط القوميين العرب بدعم من عبد السلام عارف، أمر رئيس الوزراء العراقي ( الفريق طاهر يحيى ) إيقاف العمليات العسكرية وفتح باب المفاوضات مع القيادة الكوردية. وفي شباط / 1964 أصدر الرئيس عارف وثورة أيلول، في آن واحد، بيانين يعلنان فيه وقف إطلاق النار. وبدأت مرحلة جديدة من المفاوضات بين الجانبين، وبعد هدنة لعدة أشهر تجددت العمليات الحربية بين القوات الحكومية وثورة أيلول، وفي يوم 13 / نيسان / 1966 بعد وفاة عبد السلام عارف، في 13 / نيسان / 1966 أثر تحطم طائرتة العسكرية، وتنصيب شقيقه الفريق عبد الرحمن عارف رئيساً للجمهورية، أكد الرئيس الجديد أنه يقر بالحكم الذاتي الذي يضمن هوية الكورد القومية، وإستنادا الى ذلك أمر البارزاني الخالد بإقاف القتال بين الجانبين وبدأت المفاوضات على أساس أقرار الحقوق الذاتية الكاملة للشعب الكوردستاني، و في يوم 26 / حزيران / 1966 أعلن رئيس الوزراء العراقي (عبد الرحمن البزاز) بياناً أكد فيه إعتراف الحكومة العراقية بالحقوق القومية الكوردية.وفي 17 / تمــوز / 1968 تمت الأطاحة بحكومة الرئيس عارف وتشكيل حكومة برئاسة المقدم عبدالرزاق النايف اشترك فيها أربعة وزراء من الكورد، وفي 30 / تمــوز / 1968 قام حزب البعث بإنقلاب ثان على رئيس الوزراء وأطاح به، وإشترك الوزراء الكورد الأربعة السابقين في الحكومة الجديدة ولكن بعد أسبوع واحد أستقالوا وذلك لتأكدهم من عدم جدية الحكومة بحل القضية الكوردية. وفي 22/ تشرين الأول/ 1968 تجدد القتال مرة أخرى في جبال كوردستان ، وفي أيـار 1969 أبدت الحكومة العـراقية رغبتها في إيجاد حـل عادل للقضية الكوردية. وإتخذت عدة إجراءات لاثبات حسن نياتها تجاه الكورد، وبعد زيارات متبادلة وحوارات ومفاوضات إتفق الجانبان في 1970على إعلان إتفاقية آذار. وفي آذار / 1974 تجدد القتال بين الحكومة العراقية والثورة الكوردستانية. أما بخصوص رؤساء حكومات ما بعد 2003 فقد أعلن الرئيس الذي لم يكن يعرف من أين تنبع نهري دجلة والفرات وسمى الجارة الشرقي بالأرجنتين فقد أعلن عدائه الفاضح للكورد وتم عزله، وبعدها جاء المالكي الذي حرك القوات ضد الكورد ولكن الظروف لم تسمح له بإستعمالها، بعدها لجأ الى خوض حرب إقتصادية ضد الإقليم وقطع رواتب ومستحقات الموظفين والمتقاعدين الكورد، وبعده جاء سىء الصيت الذي إستلم المحاصيل الزراعية من الفلاحين الكورد وإمتنع عن دفع أثمانها، وحرك الجيش والحشد بالتعاون مع الباسدار الإيراني وحزب الله اللبناني ضد الإقليم، ولو كان يملك الأسلحة الكيمياوية لكان يستعملها ضد الكورد كما إستعملها على الكيمياوي. وبشأن ما يقال عن أن عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي كانا صديقين للكورد فإنهما مارسا التجاهل والتسويف والتماطل والتهرب من الألتزامات الدستورية والقانونية بشكل لافت.واليوم جاء دور حكومة محمد السوداني، التي ربما تظهر وفق طريقة ما بعض المقاربات للأمور التي توحي الى الانطلاق نحو تسوية متكاملة بين أربيل وبغداد تشمل الملفات العالقة منذ سنوات، ولكن الكثيرون على يقين بأنها لا تختلف عن الحكومات العراقية السابقة، لذلك فإنها إما تمارس سياسات حكومتي عبد المهدي والكاظمي، أو تقلد حكومتي العبادي والمالكي أو تتجاوزهما لتقلد الحكومات التي تولت زمام الأمور قبل 2003.