تختفي داعش العراقية المُجدَّدة ولا تظهر إلا عندما ينزعج أحد الولاة القيّمين على العراق، أو أحد وكلائه العراقيين. ولا تحب هذه الـ (داعش) أن تجاهد إلا في مدن محافظة ديالى وقراها المجاورة لإيران، وفي بعض أطراف محافظة صلاح الدين، وبعض قرى محافظة الأنبار، ولا شغل لها في غيرها من محافظات العراق.
هل سمع أحدٌ بأن داعش التي قبرت منذ أعوام قد عادت إلى الحياة في طهران، مثلا، أو في قم وأصفهان وتبريز، أو في أنقرة واسطانبول وأزمير؟
وهنا لا داعي لإعادة تفصيل التفاصيل عن الهجوم الذي شنه (مسحلون) يقول هادي العامري وجيش الحكومة وأجهزة أمنها إنهم تابعون لـ (داعش) على قرية الرشاد التي يسكنها مواطنون (تميميون) شيعة أغلبهم مناصرون للتيار الصدري، فأقدموا على اختطاف عددٍ من الأشخاص وطلبوا فدية مقابل إطلاق سراحهم، ولكنهم زرعوا عبوات ناسفة في طريق القادمين لدفع الفدية إلى مكان التبادل ثم قتلوا المخطوفين وسقط في الكمين الملغوم 14 و15 جرحى.
ورداً على هذه الجريمة هاجم مسلحون (مجهولون) قرية (نهر الإمام) التي يسكنها سُنة انتَخبوا صلاح زيني المنشق عن منظمة بدر، فقتلوا 15 وأحرقوا 20 منزلاً ومسجدًا وعددًا من السيارات والبساتين.
وقد عدت الحكومةُ، كعادتها، بالتحقيق وبـ “إنزال أشد العقوبات بالمجرمين من داعش“.
وعلى الفور كان هادي العامري الخاسر الأكبر في الانتخابات الأخيرة أول الواصلين إلى قرية الرشاد (الشيعية) لمواساة أسر الضحايا، وللإعلان عن إصرار (أمة الحشد) على الاقتصاص من الفاعلين.ومن جانبه وعد رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي بملاحقة منفذي جريمة محافظة ديالى، وقال “سنطاردهم أينما فرّوا، داخل العراق وخارجه. وجريمة المقدادية بحق شعبنا لن تمر من دون قصاص، اللهم فاشهد” ، ثم كافأ كل أسرة شهيد 10 ملايين دينار ( 6900) دولار) وكل أسرة نازحة مليون دينار (690) دولار.
وتفقد رئيس أركان الجيش، عبدالأمير رشيد يارالله، ونائب قائد العمليات المشتركة، عبدالأمير الشمري، موقع الجريمة في قرية الرشاد، ولم يجد ضرورة لمواساة أهالي قرية “نهر الإمام”، وغادر عائدا إلى بغداد.
وقال الناطق باسم وزارة الداخلية إن الوضع في محافظة ديالى يواجه عدوا له بعض الخلايا النائمة، وتم مسك قيادات كثيرة عصابات داعش الإرهابية”. وحذر من أن “هناك من يعتاش على الطائفية وحاول أن يستغل الاحداث الأخيرة مشددا على انه ستكون هناك ملاحقة وحساب عسير لكل الأصوات المحرضة على الطائفية” .
وأصدرت هيئة الحشد الشعبي بيانا حول جريمة قرية (الرشاد) نفت فيه ما تم تداوله في بعض مواقع التواصل الاجتماعي والقائل “بأن قرية الرشاد في قضاء المقدادية التي حصل فيها الخرق الإرهابي هي ضمن مسؤولية أبطال الحشد الشعبي، ورغم ذلك، بعد الحادث مباشرة، تم إرسال تعزيزات من قبل عمليات الحشد الشعبي في ديالى إلى مكان الجريمة”.
وصرح الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة قائلا، “بتوجيه من القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي تم إرسال وفد أمني كبير إلى محافظة ديالى بعد الهجوم الإرهابي”.ثم وجه اتهاما لمواطني قرية “نهر الإمام” السنية، ضمنياً، حين تحدث عن “تواجد حواضن تؤوي تلك المجاميع الإرهابية”، وهو ما يقوله هادي العامري وجماعة الحشد الشعبي.
وقال مقتدى الصدر في تدوينة، “لا ينبغي التلهي بالصراعات على المقاعد والسياسة ونسيان الإرهاب”.إلى هنا والعملية كلها، من ألفها إلى يائها، مفضوحة الإعداد والإخراج، ومكشوفة الأهداف. فمزارعون بسطاء في قرية لابد أن يكونوا مجانين وحمقى إذا فكروا، مجرد تفكير، في احتضان داعش، والاستعانة بها لقتل مزارعين آخرين في قرية مجاورة من طائفة أخرى، وهم مطوقون بقوات الحشد الشعبي الممسك الوحيد بأمن المنطقة.وقال الناطق باسم الوزارة إن الوضع في محافظة ديالى يواجه عدواً له بعض الخلايا النائمة، وتم مسك قيادات كثيرة من عصابات داعش الإرهابية”.وطيلة السنوات التي شهد فيها العراق مجازر وحرائق وتفجيرات وخطف ثم ألقيت مسؤوليتها على داعش لم تقدم الحكومة، ولا قواتها المسلحة، ولا مخابراتها دليلا واحدا مقنعا وقاطعا يثبت أن هؤلاء الإرهابيين هم دواعش حقيقيون، ومن مخلفات الخليفة أبي بكر البغدادي.
وحتى لو كانت تملك الأدلة الثابتة والقاطعة على هوية داعش الجديدة، ومالكها وممولها ومسلحها، بالأسماء والتواريخ والأرقام، فهي غير مخولة، وربما غير راغبة في أن تكشف المستور.ثم ماذا عن أمريكا وأوربا وتركيا وروسيا والصين، بكل ما أوتيت به من قدرة على معرفة أدق أسرار الحكومة والأحزاب في الدولة العراقية المفتوحة الأبواب والشبابيك؟.هل يصعب عليها أن تقول للعراقيين المنكوبين بالإرهاب إنها متأكدة، بما لديها من أدلة موثقة، من أن التي تضرب في الأنبار هي داعش القديمة التي يعرفونها ويعرفون جهادها في السبي والاغتصاب وقطع الرؤوس بالسيوف والفؤوس وحرق المرتدين والكفرة وهم أحياء، وأنها هي نفسها التي تسرح وتمرح في محافظة صلاح الدين والموصل وكركوك وديالى؟
سؤال أخير، ألا يمكن أن تكون هناك نسخٌ متعددة من داعش، وأن يكون لكل واحدة منها مالكُها وممولها ومسلحها ومدربها الذي لا يخرجها إلا حين يحتاج لأن يهش بها على غنمه، وله فيها مآرب أخرى لا يعرفها إلا الشياطين؟.