قبل الحكم على الموضوع والإتهام بالبعث والوهابية والتكفير تعال معي خطوة بخطوة وبعقل منفتح بعيدا عن التعصب المذهبي لنسبر أغوار ما يسمى بسقوط مدينة الموصل ونحلل تداعياتها بمنطق سليم، ونكشف الهدف الحقيقي من عملية إسقاط المدينة بطريقة تثير العجب، ونحلل وفق المنطق النتيجة التي ترتبت على تخريب المدينة، ورفض إعادة تعميرها من قبل الحكومات السابقة، وهل كان الجيش العراقي متخاذلا فعلا ولم يستطع مواجهة (300) داعشي جاءوا راكبين عجلات وليس دبابات و مدرعات وبلا غطاء جوي فأحتلوا المدينة خلال ساعات؟ وكيف تمكنت أبواق سيارات داعش (بيكب) من هزيمة ثلاث فرق عسكرية علاوة على قوات الشرطة وقوات الطواريء وغيرها؟ ولماذا ترفض الأحزاب الحاكمة فتح الملف؟ ولماذا يخشى المدعي العام والقضاء العراقي نفض الغبار عن ملف يضم مئات الصفحات وترتب عليه ضحايا من البشر لا يزال بعضها تحت الأنقاض علاوة على خسائر المليارات من الدولارات؟ لمصلحة من سكت القضاء العراقي وأخرس المدعي العام؟
لقد كانت مؤامرة كبيرة أبطالها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وقائد الحرس الثوري المقبور الجنرال سليماني، والمرجع الشيعي علي السيستاني، أي الغطاء الرسمي متمثلا بنوري المالكي، الغطاء التنظيمي متمثلا بسليماني، والغطاء الديني متمثلا بعلي السيستاني. بلا شك أن جمع هذه العناصر المتجانسة في بوتقة واحدة يؤدي حتما الى نتائج ناجحة، وهذا ما حصل بتشكيل الحشد الشعبي الذي يقف وراء هذه المؤامرة الخبيثة.
لنعود بالذاكرة الى الوراء، ونسترجع تصريح نوري المالكي بأنه هو من أسس الحشد الشعبي، وانه سبق علي السيستاني في فتواه، وهو محق تماما في تصريحه الذي أطلقه في لقاء مع (ايلاف) بتأريخ 13/11/2016 حيث قال” انا لست القائد الميداني للحشد الشعبي، لكن اذا قلت من أسس الحشد الشعبي، فاقول: نعم أنا من اسس الحشد الشعبي، وفكرتي عن تأسيس الحشد الشعبي موجودة منذ عام 2012، وخاصة في نهاية 2012″. بمعنى قبل وجود داعش في حزيران 2014 ، وكان السبب حسبما زعم “كان لدي اعتقاد بأن العراق سيتعرض الى هجمة شرسة من خلال الحواضن الموجودة في المنطقة الغربية وامتداد السلاح من سوريا الى هؤلاء، وقلت في وقتها بأن الجيش العراقي سينحل، سألوني لماذا؟ فقلت: لان الهجوم طائفي، والتعبئة طائفية، والجيش جزء من الحالة الشعبية”. علما ان 90% من الجيش العراقي هم من الشيعة، وجميع قادة الفرق والألوية والأفواج والسرايا من الشيعة، وهذا ما أوضحه عدد من النواب عندما زعم المالكي “ان القوات السنية في الموصل لم تحارب داعش”، فقد كشفوا عبر في احصائيات رسمية ان 85% من القوات في الموصل كانوا من الشيعة. بالطبع المالكي لم يكن يتوقع هزيمة الجيش لأنه قائده العام والفشل سيعود عليه قبل غيره، كما أن الأمور كانت مستتبة نوعا ما في حينها، سيما ان العشائر في الأنبار التي اتهمها المالكي بالتآمر هي التي حاربت تنظيم القاعدة وحررت المناطق الغربية منه، وليست قوات المالكي.
وأضاف المالكي في اللقاء”عندما سألوني ماهو البديل اذا انحل الجيش العراقي، فقلت لهم: ليس لدينا بديل سوى التعبئة الجماهيرية وبعد ذلك جاءت تسمية الحشد الشعبي، والحشد الشعبي بدأ منذ الشهر الثالث اي قبل سقوط الموصل”، لم يحدثنا المالكي عمن سأله، وربما كان المقبور سليماني، على أي حال، فقد راح عقله المتحجر الى تأسيس ( الحشد الشعبي) دون التفكير بتقوية الجيش وتطوير اسلحته والإعتماد على المعلومات الإستخبارية وإعادة تنظيم ونشر الوحدات العسكرية، او احياء فكرة الصحوات التي حاربت تنظيم القاعدة الارهابي، وطردته شرٌ طردة. ان موقف المالكي بشأن هروب الجيش وتخاذلة كقائد عام للقوات المسلحة دون إتخاذ أي تدابير إحترازية يثير الشك والريبة، ويدل على أمر مبيت له، وهو فعل لا يمكن ان يبنى إلا بتوجيهات من انظمة مخابراتية على مستوى دولة وليس أفراد، والًاصابع تشير الى ايران بما لا يقبل الجدل.
الأمر الثاني يتمثل بهروب حوالي الف عنصر من تنظيم القاعدة الإرهابي من سجني ابو غريب والتاجي بطريقة تثير التساؤل وتضع الف علامة تعجب أمامنا. بتأريخ 22 تموز 2013 هاجم بضعة مسلحون سجني أبي غريب والتاجي وكلاهما في العاصمة بغداد، علما ان دوائر الإستخبارات العسكرية أكدت ان لديها معلومات عن عمليات تهريب سجناء من تنظيم القاعدة الإرهابي، ولكنها لم تُفعِل المعلومات لسبب لم تحدده، ربما بطلب من رئيس الوزراء وهذا على الأرجح، لأن المقبور أبا بكر البغداد أعلن بأن خطة تهريب السجناء (هدم الأسوار) أعدت قبل عام من تنفيذها. وهنا تُثار التساؤلات التالية:
ـ من المعروف ان الحراسة كانت مشددة على السجنين وان هناك حوالي (350) من عناصر الشرطة الإتحاية تقوم بحماية وحراسة السجنين، فكيف ينجح بعض العناصر (6 إنتحاريين) مع عناصر اخرى لا تزيد عن عشرات الإرهابيين بهذه العملية الكبيرة؟ علما أن هناك دوريات يومية من لواء(55) العائد للفرقة (17)، علاوة على وجود أبراج المراقبة على أسوار السجنين يمكنها ان ترصد اي جهة تتقرب.
ـ لم يفتح أي تحقيق حول عملية الهروب من قبل حكومة المالكي، ولم يحدد عدد السجناء الذين هربوا من السجنيين. علما ان (اللواء حامد الموسوي) مدير عام دائرة الإصلاح في وزارة العدل نفي عملية هروب السجناء في باديء الأمر، بمعنى ان الحكومة حاولت التغطية على عملية الهروب، لكن الموضوع انفضح رغما عنها.
ـ ما يثير الإستغراب ان هؤلاء الهاربين كانوا أصلا في (سجن الناصرية) جنوب العراق، وتم نقلهم قبل يومين من عملية الهروب الى (سجن أبي غريب)، دون ان تفسر الحكومة سبب النقل وتوقيته المريبين. علما ان النائب (حيدر الملا) حذرفي تصريح صحفي في البرلمان العراقي قبل يومين من عملية الهروب” أن نقل هؤلاء السجناء، وبينهم أكثر من (15) قياديا كبيرا في تنظيم القاعدة، وراءه هدف معين”. وأكد الملا ما جاء في تصريح وزير العدل في حديث للجزيرة نت، مضيفا” إن هناك تسهيلات من شخصيات حكومية ومسؤولين كبار في الملف الأمني، وشخصيات من مكتب المالكي لتنفيذ هذه العملية وبخطة أعدت سلفاً، أن عملية تهريب سجناء القاعدة وبينهم قادة كبار وتمت وفق سيناريو إيراني بامتياز”.
ـ أكد وزير العدل في حكومة المالكي (حسن الشمري) وهو من قيادات حزب الفضيلة الشيعي بتأريخ 6/1/2014 ” أن قوات حماية سجني التاجي وبغداد المركزي (أبو غريب) انسحبت منهما قبل اقتحام عناصر تنظيم القاعدة لهما وتهريب رفاقهم، وكان هناك ترتيب خاص لإخراج هؤلاء القتلة بسبب التزامن مع قرب صدور قرار من الكونغرس الأميركي لضرب سوريا.
ـ عند هروب السجناء كان في إنتظارهم باصات مكيفة نقلتهم الى الحدود العراقية السورية بكل راحة، دون ان تلاحقهم أي قوة عسكرية عراقية، او تتم مطاردتهم من قبل الطائرات السمتية! وهذا امر يثير العجب، ويؤكد صحة تصريحات وزير العدل والنائب حيدر الملا.
ـ ان السجنين يقعان في العاصمة بغداد وهناك الكثير من القوات القريبة منهما كالفرق العسكرية، وقوات سوات، وقوات عمليات بغداد، والشرطة الإتحادية، وقوات مكافحة الإرهاب، وافواج الطواريء، الأمر الغريب ان القائد العام للقوات المسلحة لم يصدر امرا عسكريا لهذه القوات لملاحقة السجناء الهاربين، نسأل لماذا؟
ـ أشار تقرير اللجنة البرلمانية للتحقيق في أسباب سقوط الموصل بأن نوري المالكي أصدر أمرا للقيادات العسكرية في الموصل بالإنسحاب فورا، دون مقاتلة داعش، وهذا ما اكده القادة العسكريين الذين فروا من الموصل الى إقليم كردستان كالغراوي وقنبر، فقد ذكروا انهم تلقوا أمرا بالإنسحاب من القائد العام للقوات المسلحة، وهذه الإعترافات موثقة بالفيديو ويمكن الرجوع اليها.
الآن يمكن الجزم بأن الإرادة السياسية لتشكيل الحشد الشعبي قد توفرت بقول المالكي”انا طالبت بالتعبئة”.
كان لابد من توفر غطاء ديني للتغطية على المؤامرة الايرانية، وتحفيز الشيعة دون غيرهم للإنخراط في التشكيل الجديد بحجة المحافظة على العتبات الشيعية من داعش، ونصرة المذهب لأن داعش يهدف إلى إنهاء الحكم الشيعي في العراق، وهذا ما حذرت منه المرجعية الشيعية عبر وكلائها وخطباء المنبر الحسيني وذبابها الالكتروني، فصدرت فتوى السيستاني بما يسمى بالجهاد الكفائي، صحيح هو طلب من جميع العراقيين الإنخراط في القوات المسلحة لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ولكن سنة العراق عربا وأكرادا لا يلتزموا بفتوى أي مرجع شيعي ولا يهمهم مطلقا ما يفتي به، هذه الفتوى تتعلق بالشيعة من مقلديه فقط. ومن المعروف ان علي السيستاني ذو نزعة فارسية، وهو يعتز بقوميته، وسبق أن رفض الجنسية العراقية التي قدمها أقزام ايران من العراقيين له، وهو لا يختلف عن الخامنئي كولي فقيه في العراق، إنه يرفض ولايه الفقيه كلاما ولكنه ينفذها عملا، فكل القرارات السياسية منذ عام الغزو 2003 بما فيها التصويت على الدستور والإنتخابات وغيرها من القرارات تتم بموافقته، بإعتراف رؤساء الحكومات من الجعفري ولغاية الكاظمي وفق عبارة مؤدلجة (نقتدي بأوامر المرجعية الراشدة)، فإن كانت راشدة وأوصلت العراق الى الهاوية، فكيف سيكون الأمر لوكانت قاصرا؟
الآن توفر الغطاء الديني، وبقي الغطاء التنظيمي، ويتعلق بتنظيم وتمويل وتسليح التشكيل الجديد، وهنا برز دور الجنرال المقبور سليماني، بإعتباره الراعي الأول للحشد الشعبي بالتعاون مع أبرز عملاء ايران في العراق وهم نوري المالكي، فالح الفياض، هادي العامري، قيس الخزعلي، مقتدى الصدر وبقية الذيول، وفعلا تم تشكيل وتنظيم الحشد وفق رؤية ايران المشابهة لتشكيل حزب الله اللبناني وتأهيل الحشد للسيطرة على العراق، أي لبننة العراق. كانت القيادة الميدانية للجنرال سليماني وليس المالكي بإعتراف الأخير” انا مؤسس الحشد الشعبي وهذا يصدق عليٌ، وصاحب فكرة تشكل الحشد الشعبي لكن كقيادة ميدانية فلا”.
تلخصت رؤية سليماني بأنه لابد من إضعاف الجيش العراق وإلحاق الهزائم المنكرة به، لكي نبرر للرأي العام العراقي والدولي أهمية تشكيل قوة رديفة ونغذيها تدريجيا لتحل محله كما فعلنا مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، فمع وجود جيش عراقي قوي منظم منضبط لا يمكن تبرير تشكيل الحشد الشعبي، إن نكسات الجيش العراقي تقع في سلة الحشد الشعبي، علما ان معظم مراتب الجيش العراق هم من عناصر الميليشيات الشيعية، وضباطه دمج أي لا علاقة لهم بالجيش، ومنهم من لم يخدم يوما واحدا خدمة العلم، والبعض الآخر بما فيهم القيادات الشيعية كهمام حمودي وجلال الصغير وهادي العامري وقاسم الأعرجي وعمار الحكيم خدموا في الجيش الايراني خلال الحرب العراقية الايرانية.
بدأت حلقات مسلسل تشكيل الحشد الشعبي بالسخرية من قيادات الجيش العراقي وتعييرهم بالهزائم التي لحقت بهم والتشهير بالجيش بطريقة مبتذلة، والإشادة بالحشد الشعبي، وإعتبارالجيش عاجزا عن حماية البلد بدون الحشد، دون أي يعلق القائد العام للقوات المسلحة على هذه التهكمات. وأخذت الأضواء تتسلط يوم بعد آخر على الحشد الشعبي وتكبير دوره وتقزيم دور الجيش العراقي، وانهالت الأموال والأسلحة عليه من ايران، وتم نهب أسلحة الجيش ووزعت على عناصره، ونستذكر المدرعات التي أهدتها قطر الى الجيش العراقي فصادرها الحشد بإعتراف رئيس الوزراء السابق (إياد علاوي)، وجُيرت الإنتصارات في الموصل الى الحشد علما ان قوات الجيش العراقي والشرطة الإتحادية وقوات مكافحة الارهاب كان لهم الدور الثاني بعد قوات التحالف في تحرير وتدمير الموصل، فقد شنت قوات التحالف(13000) غارة على الدواعش، وكات مدفعية الحلفاء تدك الموصل وتهجم البيوت على سكانها الابرياء، والمعلومات الإستخبارية كانت منوطة بقوات التحالف فقط عبر الأقمار الصناعية، لذا كانت مساهمة الحشد في النصر على داعش محدودة جدا ولا قيمة لها، وبدونها يمكن تحقيق النصر.
ومن هذا يتبين ان الحشد الشعبي كان مؤامرة رسمت ونظمت من قبل سليماني بالتنسيق مع نوري المالكي وعلي السيستاني، لذلك لا أحد يجرأ على فتح هذا الملف.
ونود ان نبين ان ما يؤكد كلامنا هو ان داعش استهدف معظم دول العالم لكنه لم يستهدف ايران مطلقا، وعدائه كان مع المملكة العربية السعودية وليس ايران الصفوية كما يزعم، ولم يتهجم المقبور ابو بكر البغدادي لا على السيستاني الذي افتى بمحاربته ولا على الخامنئي الذي شارك في الحرب ضده، ولا على الحرس الثوري والحشد الشعبي وقائدهم الجنرال سليماني مطلقا، إنصب تهجمه على جلالة ملك السعودية وأمراء الخليج، وكانت هجوماته الإرهابية الأشد على العراق وسوريا والسعودية.
الخاتمة
زعم المالكي في تصريحه آنف الذكر” ان الحشد الذي جاء من المناطق الجنوبية سينسحب الى مناطقه الاصلية فلماذا الخوف؟ اولاً لم يستأثر الحشد بأية منطقة، ثانيًا هناك حشد سني موجود في مناطقهم، وثالثاً الحشد سينسحب بعد تحرير المناطق”.لكن هل انسحبت فصائل الحشد الى الجنوب؟ وهل فعلا لم تستأثر بأية مناطق؟ وهل انسحب من المناطق التي تم تحريرها كالموصل والأنبار وديالى وجرف الصخر يا مالكي؟ فعلا صح هتاف الشعب العراق (كذاب كذاب نوري المالكي)