لم يعد سوى أن نقول الآن حصحص الحق وحان وقت امتثال العراق للشروط الأميركية، التي صاغتها السفيرة الأميركية ألينا رومانوسكي وتمت مناقشتها في تركيا والتوقيع عليها في واشنطن.لم ينتظر أو يجد رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني حرجا من إبلاغ قادة الإطار التنسيقي أن شهر العسل مع الجارة إيران قد انتهى وحان موعد النجاة بالنفس، والقفز من مركبها الغارق وإلا فإنهم سيغرقون معها، حيث لم يعد ينفع الالتفاف والمراوغة فالجميع أصبح تحت مجهر مُراقبة البنك الفيدرالي.بات النظام السياسي في العراق تحت وصاية الخزانة الأميركية، التي تكون قراراتها أهم وأقوى من قرارات وزارتي الخارجية والبنتاغون.أخبرهم السوداني بأن أي محاولة هي كاللعب بالنار أو كمن يُحرق جسده كاملا وليس أصابعه، فالقرار أصبح مُلزَما وقد يتخطّى الاقتصاد ليُصيب النظام السياسي برمّته ويقلبه رأسا على عقب، “إذا أردتم البقاء في السلطة عليكم بتنفيذ قرارات الخزانة الأميركية وإلغاء المطالبة برحيل القوات الأميركية من العراق وإلا فالزلزال السياسي قادم إليكم لا محالة”.
في الاجتماع الذي ضم قادة الإطار التنسيقي لمناقشة الواقع السياسي والاقتصادي صمت الجميع، ينظر بعضهم إلى بعض وهم يسمعون كلام السوداني واعترافه بالشروط التي وضعتها أميركا، لكن لا مناص من القبول.حاول البعض التنصّل من تلك الشروط أو المُكابرة، حتى ولو كانت التضحية بالشعب ثمنا لإرضاء غروره وعدم التنصّل من دعم ومساندة الجارة الشرقية المنهارة اقتصاديا. لكن، وجه السوداني وملامحه كانت تدل على أن الأمر أصبح واقعا وحقيقة لا بد من الاعتراف بها.
انتهى الاجتماع وخرج الجميع وعلى وجوههم ملامح الرضوخ والاستسلام وحتى الانكسار. أول الغيث كان التوقيع مع شركة جنرال إلكتريك الأميركية عقدا لتطوير قطّاع الكهرباء التي كانت أدبياتهم وصراخهم ترفض مجرد التلميح أو الخوض في تفاصيله. كان التوقيع بحضور السفيرة الأميركية ألينا رومانوسكي، فهل سيبقى لشركة سيمينز الألمانية أي نصيب أو حصة لتحسين الطاقة في العراق؟أصبحنا تحت الوصاية الأميركية، هو المعنى أو المقصد من الكلام للإطاريين حيث لا مفر من هذا الأمر الذي أوصلتم إليه حال البلد، هو ما كان يوحي إليه حديث السوداني حسب بعض المصادر.
“أيها الإطاريون انتهى زمن تحميلكم الدولار إلى الجارة الشرقية سواء رضيتم أم لم ترضوا”. هكذا أنهى رئيس الوزراء خطابه إلى المجتمعين من قادة الإطار، وأخبرهم بأن السلطة التي في أيديهم باتت مُهددة بالزوال.القرار تلو القرار الذي بدأت أميركا تستخلصه من قادة الإطار التنسيقي الذين يمثلون الحكومة الحالية برئاسة السوداني، وصولا إلى القرارات المصيرية الأخرى، لقد وقعوا في الفخ الذي نصبته لهم واشنطن حين وافقت على تشكيل الحكومة الإطارية المقرّبة من طهران. إيران لم يعد بوسعها أن تستلم دولارا واحدا من العراق، وباتت بنوكها ومصارفها التي كانت تموّلها بالدولار وتشترك في سوق العملة لشراء الأوراق الخضراء وتهريبها مُهددة بالإغلاق والخسارة، لعدم قدرتها على المراوغة والتحايل على أنظمة الرقابة الأميركية المشددة. هذا ما دعا إيران إلى فتح حدودها ومعابرها لتسهيل وتشجيع حركة الدولار لدخوله إلى أراضيها دون أي معوقات.بعض المصادر تؤكد أن واشنطن رفعت من سقف المطالب حين خيّرت العراق بأن يكون معها أو ضدها في موقفه من إيران ومن التطبيع مع إسرائيل، وأن يتحمل نتائج قراراته فيما لو رفض الانصياع لها.قديما قالوا “عِش رَجباً ترى عَجباً” ويبدو أن العراقيين وهم على أبواب توديع شهر رجب باتوا يرون العجائب والغرائب من أفعال السياسة وقرارات ساستها ومتغيراتها، ويبقى السؤال.. إلى أين يسير العراق؟.