هل يقود الصدر انقلابا في العراق؟

هل يقود الصدر انقلابا في العراق؟
آخر تحديث:

بقلم:سمير داود حنوش

استقراء الأحداث ومُخرجات النتائج التي وصل إليها التحالف الثلاثي، الذي يضم مقتدى الصدر ومسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي، تشير خواتيمها وتوقعاتها في المحصلة إلى أن مقتدى الصدر سيبقى وحيدا في ساحة الحرب.وربما هو التوصيف الأنسب لما يحدث من صراع شيعي – شيعي في كتابة عنوان الحكومة القادمة، إن كانت أغلبية، كما يُريدها مقتدى الصدر، أو توافقية كما يرغبها وينادي بها الإطار التنسيقي الشيعي المنافس للصدر وبعض شركائهم من الكُرد (الاتحاد الوطني) وآخرين من زعامات سنية منفصلة عن تحالف الحلبوسي. وذلك الاستنتاج والاعتقاد الذي كان متوقعاً أن الصدر لن يستطيع المحافظة على تماسك التحالف الثلاثي من هجمات مرتدة تُطيح بأركانه، حيث كانت المشكلة في غايات هذا التحالف، على اعتبار ما ستؤول إليه الأمور وكيفية التصرف لمواجهة هذه المشكلة.

استراتيجية مقتدى الصدر مبنية على إدراكه أخيرا أن السفينة قاربت على الغرق، بسبب سياسات التوافق التي دأبت عليها الحكومات السابقة وعلى مدار خمس دورات انتخابية ما بعد عام 2003 وإلى غاية الآن، حيث لم يجلب ذلك التوافق سوى المزيد من الانهيار والفساد والخراب لبلد يُعتبر من أغنى بلدان المنطقة، لذلك حاول أن ينتهج سياسة مغايرة لما هو متعارف عليه في المنظومة السياسية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حُطام هذه السفينة الغارقة، متناسيا أن محاولاته ربما كانت في الوقت الضائع، حيث لم يبق ما يكفي من الوقت لإنهاء اللعبة في ظل متغيرات إقليمية ودولية ستكون كالإعصار الذي يأخذ في طريقه كل شيء، خصوصاً بعد التراجع الأميركي الواضح لدعم النظام السياسي في العراق وانشغاله بأحداث حرب الكبار، ولا وقت لعبث الصغار ومراهقاتهم السياسية.

وفي حقيقة الأمر أن الانسحاب لم يغير من مقادير المكاسب والمصالح النفعية للشركاء في تحالف إنقاذ وطن، فالطرف الكردي دأب دائماً على استنباط نظريات في منهاج سياساته بأن الغاية تُبرر الوسيلة، ولذلك كان هذا الطرف مستعداً للتحالف حتى ولو مع الشيطان من أجل مصالحه وغاياته، وهو الذي يسعى لنيل منصب رئاسة الجمهورية من خلال مرشحه ريبير أحمد، وزير داخلية إقليم كردستان. وعلى ما يبدو فإن بارزاني مستعد للتنازل عن هذا المنصب لشريكه الآخر، مرشح حزب الاتحاد الوطني، والتفاوض من أجل الحصول على ضمانات بديلة ومنافع ربما أكبر في تشكيلة الحكومة القادمة دون الاكتراث للحليف أو مع من سيتحالف.

أما الطرف المتمثل بالحلبوسي فهو بعد أن ضمن منصب رئيس البرلمان العراقي بات هذا المنصب يؤمّن له الاستقرار في التحالفات والاطمئنان بأن أي اتفاق مستقبلي مع أي طرف لن يسلبه حصته في المصالح، بل قد يدفعه إلى تفاهمات أكثر لنيل رضا الأطراف الأخرى للحصول على منافع أكثر.

الطلاق البائن الذي صدر من الصدر في تحالفه الثلاثي بفعل تكتيكي قد يُصور المشهد أنه لا يعدو كونه استراحة محارب في شهر رمضان، لتبدأ جولته في شهر شوال، وهي مدة 40 يوماً أعطاها للآخرين لتشكيل الحكومة، لأنه يُدرك جيدا أن لا حكومة ستتشكل دون الفائز الأول في الانتخابات، ولن تستمر عجلتها بالدوران في ظل وجود الثلث المُعطل الذي انقلبت بوصلة اتجاهاته من الإطار التنسيقي لتستقر باتجاه تيار الصدر، ويضم ما يقارب 73 نائباً في البرلمان، وتلك من مفارقات السياسة في العراق في تغيير البوصلة حسب اتجاهات الرياح الآنية للتفاهمات والاتفاقات.

الصدر بإحراجه للآخرين وخروجه من دائرة التحالفات وإمهاله حتى التاسع من شوال لتشكيل الحكومة، ربما أراد بذلك إرسال رسائل علنية وسرية، فالعناوين المُعلنة للآخرين أنكم غير قادرين على تشكيل أي حكومة بغياب اللاعب الأساسي والفائز الأول في الانتخابات كنوع من أنواع التحدي، أما المضامين السرية فهي أنه قادر على استنهاض الشارع العراقي وجمهوره من أبناء الطبقات الفقيرة في الأحياء المُعدمة للانقضاض على من يتحدى أو يروم اللعب بعيداً عن ملعب الصدر. وذلك هو المشهد الأكثر قتامة وسوداوية في العملية السياسية بالعراق والخوف من أن تتحول إلى حلبة نزال للأقوى والأكثر مطاولة.

ما صدر عن القضاء العراقي من إيحاءات عدم رضاه واستهجانه للانسداد السياسي ومطالباته بضرورة تعديل بعض فقرات الدستور، ومنها أن يتحول النظام السياسي في العراق من برلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي لتجنب هذا الإخفاق، وإشارات كثيرة إلى تعديل النظام السياسي في العراق وتغييره من قبل البرلمان لسد الثغرات وإيجاد بدائل سياسية بعيدة عن تجارب آخرين أوجدها الاحتلال الأميركي، مثل توأمة التجربة الإسرائيلية في النظام السياسي العراقي، وما رافقها من إعطاء صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء، وتقييدها لرئيس الجمهورية واختصار واجباته في حماية الدستور الذي لم يستطع حمايته من أغلب الكتل والأحزاب السياسية التي كانت تضرب بهذا الدستور عرض الحائط عندما كان ذلك يتعارض مع مصالحها وتنادي به عندما يتفق معها. وفي كل الأحوال ربما ستكون هذه المخارج حلولاً للخروج من هذا الانغلاق السياسي.

الصمت السياسي الذي أقره الصدر طيلة شهر رمضان وألزم أتباعه به مع محاولات القضاء وتصريحاته تعني أن هناك تدخلاً، ربما يكون عاجلاً في الأيام القادمة، لتصحيح مسار عملية أو نهاية لا بد من كتابة خاتمتها لنظام سياسي مرتبك ليخرج من نفق مظلم، ليس شرطاً أن تكون تجارب الآخرين ناجحة في واقعه السياسي. لكن يبقى السؤال كيف الخروج ومتى وأين؟.ذلك ما ستقرره الأيام القادمة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *