محمد العصيمي
حسن نصرالله أخذ على عاتقه نصرة إيران سياسيا وإعلاميا ضد عاصفة الحزم، وكعادته حين يتعلق الأمر بشأن عربي فارسي، رش قليلا من ملح الحق على كثير من موائد الباطل.
السواد الأعظم من العرب، على المستويين الرسمي والشعبي، أيّد الحرب ضد الحوثي في اليمن، من باب أن القضاء على تمرد الحوثيين واستقوائهم وإعادتهم إلى طاولة الحوار اليمني الوطني، هو قطع مؤكد لليد الإيرانية العابثة هناك. تلك اليد التي تعتبر اليمن، بموقعه المهم من الجزيرة العربية، مدخلا واسعا للعبث بأمن السعودية ودول الخليج العربية والأمن القومي العربي برمته، الذي تريد إيران أن تقوضه لتقيم على أنقاضه الإمبراطورية الفارسية. ألم يقل علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن “إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”؟ يعني أن إيران، على حساب العرب، تعيد الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها.
هي إذن حرب عربية فارسية وليست حربا ضد الشيعة كما يقول بعض الناشزين والخائنين العرب، الذي يحللون لإيران يدها الطولى المخربة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ويُحرمون على عشر دول عربية، من بينها مصر والسعودية، كف الأذى الفارسي عن بوابة الخليج العربي، ومنع تهديد الأمن والوجود العربي من المحيط إلى الخليج.
العراق الرسمي الشيعي، المرهون بيد إيران، يتولى قيادة معارضة الحرب ضد الحوثيين في اليمن بحجج سياسية هزيلة من بينها، كما قال وزير خارجيته إبراهيم الجعفري أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ، أن العراق لا يؤيد تدخل أي دولة عربية في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، حتى لو كان هذا التدخل بطلب من الرئيس الشرعي للبلاد. نسي الجعفري، أو تناسى، أن قدرا هائلا من اللوم وقع على عاتق الدول العربية، الخليجية بالذات، لكونها لم تتدخل في الشأن العراقي بعد إسقاط صدام حسين عام 2003، رغم كثرة المتدخلين الأجانب وقتها بطلبات عراقية صريحة. وكانت نتيجة عدم التدخل العربي آنذاك، “أيرنة” العراق وإغراقه في نجاسات الطائفية والتقاتل بين مكوناته العربية وغير العربية على الهوية المذهبية.
قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، هو الذي يقود الآن القوات الحكومية العراقية والميليشيات التابعة لها وقوات أخرى إيرانية في معركة تكريت ضد تنظيم داعش الإرهابي، فكيف جاز لفارسي، لديه رمزية قومية واضحة في تولي زمام هذه المعركة، أن يقود قوات حكومية عربية على أرضها، ولا يجوز لعربي أن يدفع عنه الشر الفارسي الذي يطرق أبوابه على ظهور الحوثيين الموالين جهارا نهارا لإيران وأجندتها في المنطقة؟
زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله بدوره أخذ على عاتقه نصرة إيران سياسيا وإعلاميا ضد عاصفة الحزم. وكعادته حين يتعلق الأمر بشأن عربي فارسي، رش قليلا من ملح الحق على كثير من موائد الباطل. وصف نصرالله العملية العسكرية في اليمن ضد الحوثيين بالعدوان على اليمن. وتساءل في خطابه يوم الجمعة الماضي “ما الذي جرى حتى هبت، ومتى حصلت عاصفة الحزم وبدأنا نشاهد إرادة عربية وحزما عربيا، في حين أننا على مدى عقود وفلسطين وشعبها يكابدان مصائب الكيان الصهيوني”؟
لم يقل لنا نصرالله ما إذا كان يحتفظ باسم إيراني واحد مات في سبيل الدفاع عن القضية الفلسطينية طوال عقود مكابدة الفلسطينيين لمصائب الكيان الصهيوني. ولم يقل لنا، أيضا، ما إذا كان من ضمن تذكاراته رصاصة واحدة أطلقها الإيرانيون بأنفسهم ضد الصهاينة في إسرائيل. وكان حريّا بالسيد أن يُذكرنا بما جرى في عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في نوفمبر عام 1986 عندما عقدت الولايات المتحدة اتفاقية بوساطة الموساد الإسرائيلي، تم بموجبها توريد الآلاف من الصواريخ ومضادة الدبابات لإيران بما عرف بفضيحة الكونترا.
لو كان هناك رجل عربي رشيد وحصيف بجوار السيد نصرالله عندما كتب خطابه ربما، أيضا، لفت نظره إلى أن احتلال الصهاينة لفلسطين لا يعني، بأي حال من الأحوال، ترك إيران تحتل العراق أو سوريا أو اليمن بطريقة وضع اليد أو (النخورة) تحت الجسور العربية، التي تفاجأ زعيم حزب الله، كما تفاجأت إيران، بصلابتها حين انطلقت عاصفة الحزم ليستيقظ الجميع على وضع عربي جديد كانوا يظنونه قد أصبح في حكم المنعدم.
إيران وأنصارها من العرب الخونة، أيا كانت انتماءاتهم الطائفية والفكرية، راهنوا في كل ما فعلوه قبل، وبعد، ثورات ما يسمى الربيع العربي على ضعف الأمة العربية واستسلامها لقدرها الإقليمي الذي تقوده طهران وتشق طرقه إلى أكثر من مدينة عربية. فاتهم أن العرب يمكن أن يستيقظوا في أي وقت ويعيدوا الأمور في دولهم وإقليمهم إلى نصابها. وهذا هو ما حدث في عاصفة الحزم الداهمة لخيالات ومخططات أعداء العرب، من خارجهم وداخلهم.
الآن، بعد تحالف عاصفة الحزم العربي، عادت العين العربية بصيرة في رؤية الواقع العربي الذي طال أوان تراجعه وتردده في مقابل صلف إيران وغير إيران في المنطقة العربية. وولادة هذه النواة القوية لنصرة اليمن وحفظ الأمن القومي العربي تعطي العرب مجتمعين فرصة جديدة للتأثير في معالجة ملفاتهم الخاصة، التي كان الآخرون يديرونها في لحظات الضعف والتفرق السابقة. ومن بين هذه الملفات الملحة أن يحققوا عاجلا العدالة السياسية والاجتماعية لكافة مكونات شعوبهم، لكي لا تجد إيران، ولا غيرها، مداخل مشبوهة تنفذ منها إلى بعض هذه المكونات وتؤثر في عقائدها الوطنية لغاياتها القومية.
الاصطفاف الشيعي، النخبوي والشعبي، في المملكة وفي كثير من الدول العربية خلف عاصفة الحزم واضح وعليه أكثر من دليل. وهو ما أسقط دعاوى أعداء الأمة العربية بأن هذه الحرب ضد الشيعة في محاولة لنزع وطنيتهم والنيل من شرف هذه الحرب العربية ضد الفرس. وعلينا كعرب بعد أن فتحنا الصفحة الأولى في هذه الحرب من اليمن أن نكملها متضامنين على المستوى الرسمي والشعبي وفي كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.